المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

القصة الثانية: بطلٌ لا يهاب الموت.. وداعًا يا "علي"

 
   
21:25

http://anapress.net/a/279405000771674
1670
مشاهدة


القصة الثانية: بطلٌ لا يهاب الموت.. وداعًا يا "علي"
صورة تعبيرية- أرشيفية

حجم الخط:

(هذه القصة جزء من سلسلة قصص يروي أصحابها وقائع فقدان رفاقهم خلال سنوات الحرب.. للاطلاع على الملف الرئيسي كاملًا: "فقدت رفقاتي.. وهذه قصتي")

"وَإذا لم يَكُنْ مِنَ المَوْتِ بُدٌّ.. فَمِنَ العَجْزِ أنْ تكُونَ جَبَانَا"*

"هَوِّنْ عليكَ فلا هُناكَ و لا هُنا، وجهاً لوجهٍ قلْ لمَوتِكَ ها أنا.. ضعْ عنكَ عِبْأَكَ ، والقَ خِصمَكَ باسماً، فعلى جَسارَتِهِ يَهابُ لقاءَنا.. إنْ لم يكنْ في العمرِ إلا ساعةٌ، عَلِّمْ حياتَكَ كيف نُكرِمُ موتَنا" **

"هاد شرف كبير لي، توثيق قصة حقيقية لصديق يعز عليّ، رحمه الله.. صدقني هي قصة صديق لي، لم أبالغ بأي حرف".. لم يتردد "يمان" لحظة واحدة عندما طلبتُ منه أن يوثق قصة فقدانه لواحد من أعز أصدقائه، وعلى رغم أن لديه "أقارب كتير استشهدوا بالحرب، بخاصة أيام معارك حلب في العام 2016" كما يقول، إلا أنه آثر أن يوثق قصة صديق عزيز عليه يُدعى "علي" بشكل خاص.

تختلف قصة "علي" عن كثيرٍ من قصص الفقد والمعاناة التي عرفها السوريون طيلة السنوات الماضية منذ بداية الأزمة، ذلك على اعتبار أننا أمام شخصية استثنائية جريئة وذات سمات خاصة، فقد كان يعمل صباحًا في وظيفته العادية، ويُرابط مساءً على جبهات القتال دون أن يعرف عنه الكثيرون ذلك، حتى انتهى به المطاف هو وأسرته تحت الأنقاض.. من هو "علي"؟ كيف كانت علاقة الصديقين (علي ويمان) معًا؟ كيف مات "علي"؟ وكيف استقبل يمان الخبر؟ وأمور أخرى كثيرة تكشفها قصة الصديقين، والتي يرويها يمان –الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه الثنائي- ونوردها نصًا هنا دون أي تدخل، وهي كالتالي:

ربطتني مع "علي" صداقة فاقت كل الوصف، ولعل تقارب الأفكار وتبادلها بيننا كان سببًا رئيسًا في اختصار عامل الزمن
 يمان

"علي" صديق ظهر بحياتي إبان فترة التصعيد في الحرب السورية في العام 2013، كان يبلغ من العمر 32 عامًا حينها.. كنت أنا نازح من حلب الشرقية إلى الغربية، وكان علي أب لثلاثة أطفال، رافض لموضوع النزوح.

بينما أنا بداعي استكمال الدراسة وارتباطي بجامعة حلب، اتخذت من حلب الغربية مكان إقامتي، مع العلم أنني من أشد المعارضين للنظام. وعندما أصبحت حلب مقسمة رسميًا بين غربية وشرقية، ويفصلها ممر أو ما بات يعرف بـ "معبر الموت"، كان علي يتنقل بين الغربية والشرقية كل يوم بدافع الحصول على "لقمة العيش". والذي كان يجمعنا مكان عملي الذي كنت أعمل به بعد انتهاء دراستي.

ربطتني مع "علي" صداقة فاقت كل الوصف، ولعل تقارب الأفكار وتبادلها بيننا كان سببًا رئيسًا في اختصار عامل الزمن، ولطالما كنا نتبادل أطراف الحديث أثناء وبعد العمل عن أعمال تنسيقيات الثورة  والمظاهرات وعمل الفصائل والجبهات. لم أكن أعلم أن "علي" كان كل يوم عندما ينتهي من عمله يعبر "معبر الموت"؛ ليذهب ليلا إلى أماكن الرباط طوال الليل، ومن ثم نهارًا يعود إنسانًا طبيعيًا كعامة الناس وكأن شيئًا لم يكن، ثم يعبر "معبر الموت" للضفة الأخرى ويخلع رداء الرباط ويرتدي ثياب العمل.

واظب "علي" عمله وطبيعته والنهج الذي اتبعه حرصا على عائلته أولًا وأخيرًا. وعندما أغلق معبر "بستان القص" بشكل نهائي من قبل النظام، اختار علي أن يبقى مع أطفاله في مناطق شرق حلب، رافضا العيش تحت رحمة النظام.

عمال رفع الأنقاض أخرجوا جثمان "علي" من تحت بيته مع أبنائه الثلاث وزوجته
 يمان

اللافت في الأمر أن علي لم يقطع تواصله معي ولا يوم واحد، لدرجة أنه كان يكلمني وهو في موقع الرباط، وذات مرة استمر الاتصال متواصلًا لأسمع بشكل مباشر أصوات الرصاص، وكان مشهد الاشتباك أمام عيني.

لم يكن "علي" يخاف الموت، علي العكس كان لا يخشى بالله لومة لائم، طلب الشهادة منذ اللحظة الأولى في 2011، وإن كان مصابرًا على الحياة فربما من أجل أطفاله الثلاثة الذي لا يتجاوز الكبير فيهم 10 سنوات.

وعندما اشتد الحصار على مدينة حلب في قسمها الشرقي واجتاح الروس سماء وأرض سوريا، انقطعت أخبار "علي" بشكل تام، ولم يعد أحد يعرفه عنه أي أمر. سألت كل أقاربه وكل من له صلة به، لكن دون الحصول علي أي جواب. تركت الأمر للقدر وغادرت مدينة حلب نهاية العام 2014.

وبعدما دخل النظام حلب في نهاية العام 2016 تفاجئت ذات يوم وبينما كنت في بيتي في تركيا بمخابرة هاتفية من قريب صديقي يخبرني بأن عمال رفع الأنقاض أخرجوا جثمان "علي" من تحت بيته مع أبنائه الثلاث وزوجته.

كان خبرًا مفجعًا أن يأتيك نبأ استشهاد عائلة بأكلمها بخاصة أن الأمر حدث بعد أن سيطر النظام على حلب، ليكون السؤال الغامض حتى اليوم: ما هي المدة التي بقي فيها "علي" وعائلته تحت الأنقاض? ويا ترى بأي قذيفة أو غارة روسية نالت من هذه العائلة الطاهرة؟

لروحك السلام أيها الصديق الرائع ولعائلتك الرحمة.

القصة السابقة: "شهيد" في صفوف النظام.. الموتُ مُر يا عامر!

القصة التالية: تغيرنا.. تغير كل ما فينا!

ـــــــــــــــ

*بيت الشعر الأول، من قصيدة "المتنبي" صحب الناس قبلنا ذا الزمانا.

**أبيات الشعر من قصيدة "قمر جنوبي" للشاعر المصري أحمد بخيت الفائز بجائزة أمير الشعراء في وقت سابق.

 




كلمات مفتاحية