المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

القصة الثالثة: تغيرنا.. تغير كل ما فينا!

 
   
21:24

http://anapress.net/a/270455924728512
1012
مشاهدة


القصة الثالثة: تغيرنا.. تغير كل ما فينا!
صورة تعبيرية- أرشيفية

حجم الخط:

(هذه القصة جزء من سلسلة قصص يروي أصحابها وقائع فقدان رفاقهم خلال سنوات الحرب.. للاطلاع على الملف الرئيسي كاملًا: "فقدت رفقاتي.. وهذه قصتي")

"تغيرنا.. تغير كل ما فينا.. تغيرنا"

وأعجب من حكايتنا.. تكسر نبضها فينا

كهوف الصمت تجمعنا.. دروب الخوف تلقينا

وصرتِ حبيبتي طيفا لشيء كان في صدري

قضينا العمر يفرحنا.. وعشنا العمر يبكينا

غدونا بعده موتى .. فمن يا قلب يحيينا؟*

"بصراحة هي مو بس ماتت في نظري تمنيت أني لو ما لقيتها، تمنيت لو إني محافظة على صورتها الجميلة هي البنت الخلوقة المثقفة جدًا اللي بتعرف الصح من الغلط.. هلا هي حدا تاني، حدا بيشبة دول المؤيدين لجماعة بشار صح وأنتو غلط.. يعني هادول الجماعة ياللي ما بيعرفوا أي شيء أبدًا، اللي ما بيهمهم إلا بس مصلحتهم وكيف بيعيشوا وشو بيعملوا".

الموتُ لا يحتكر مرادف الفقد ليُعرّفه وحده، فالفقد أشكالٌ وألوان، قد تفقد عزيزًا غاب باعدت بينكما المسافات وانقطعت وسائل الاتصال، وقد تفقد صديقَ العمر بعد أن تَغير كل ما فيه وصار شخصًا جديدًا مختلفًا كليا عن ذلك الذي عرفته من ذي قبل.. تتحدث (ز) عن فقدانها لواحدة من أعز "رفقاتها"، بعد أن تغيّرت الأخيرة، تغيرًا جذريا على وقع التجاذبات السياسية والانتماءات المختلفة، حتى اعتبرتها (ز) "في تعداد الأموات بالنسبة لها"!

 بصراحة هي مو بس ماتت في نظري تمنيت أني لو ما لقيتها، تمنيت لو إني محافظة على صورتها الجميلة
 "ز"

القصة الثالثة وإن تختلف كلية عن القصتين السابقتين، إلا أن العامل المشترك فيهم جميعًا أن عامل الفقد واحد تقريبًا، مرتبطًا بالظروف التي تشهدها سوريا وحالة الحرب التي قتلت (عامر، وعلي) وغيّرت (يُسر) رفيقة "ز"، تغيرًا صار معه استمرار العلاقة مستحيلًا، وهو وجه آخر مُهم من أوجه وأسباب الفقد في سوريا، لكنّها تلك المرة أسباب فكرية وسياسية بحتة في المقام الأول والأخير.. فكم من صديق خسر صديقه بسبب تلك التجاذبات السياسية وحالة الاستقطاب الدائرة؟!

الشابة السورية (ز) التي رفضت الكشف عن اسمها، روت لـ "أنا برس" قصتها، والتي نوردها في السطور التالية:

كنا أصدقاءً منذ الصف الرابع الابتدائي وحتى المرحلة الثانوية، لم نكن نفترق أبدًا في تلك الفترة، حتى دخلنا الجامعة وافترقنا قليلًا بعدها، لأن كل واحدة منا لديها جامعتها المختلفة، لكنّ علاقتنا استمرت حتى العام 2011 تقريبًا. بعدها تغيّر كل شيء!

يُسر من منطقة "الزبدية" في حلب، تلك المنطقة التي تعتبر من أول المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري الحر، بينما منزلي كان في منطقة تابعة للنظام. تم قطع الهواتف الأرضية (شبكات الاتصال) آنذاك، حتى فقدت الاتصال بها تمامًا؛ لأنه حتى عندما أعيدت شبكة الاتصالات كانت هي قد غيّرت رقمها، وافترقنا ولم نعد تلقي معًا.

فراق أول!

"صار لا أنا فيني اسأل عليها لأنها بمناطق الجيش الحر ولا هي فيها تسأل علي لأنها بمناطق النظام.. يعني فعليًا من 2011 أحنا افترقنا"، على رغم أن علاقتنا كان عمرها عشرة أعوام تقريبًا، لكن بعد تلك التطورات الميدانية لم نستطع الوصول إلى بعضنا البعض.

"ما فيني أقولك، 10 سنين فيها ذكرى حلوة واحدة، لا فيها كومة ذكريات؛ لأن أحنا كنا كل سنتين تلاتة بنطلع معسكرات تدريبية مع الطلاب بالإعدادي وقبلها بالابتدائي وبعدها بالثانوي، ونقضي برات البيت بالأسبوع والـ 10 أيام.. يعني كان كل شيء حلو.. والدتها كانت مدرستي أيام الإعدادي؛ فكانت بتربطنا ذكريات كتيرة حتى كانت البنت الوحيدة اللي بنام عندها".

من فتاة مثقفة جدًا ومناصرة للحق، إلى فتاة "مستهترة".. هي تناصر النظام حرصًا على مصلحتها
 "ز"

كانت "يُسر" مثقة جدًا، وتنتمي لعائلة مثقفة أيضًا. والدتها (مدرسة) ووالدها (مدرس في الجامعة)، بينما أخوها (معيد في الجامعة)، كانت عائلة راقية جدًا، ليس في منزلهم تليفزيون بقدر ما كانت لديهم كتب وثقافة ومبادئ وقيم. عمرها الآن (26 عامًا) فهي من مواليد العام 1992. مُنذ أن افترقنا في العام 2011 وأنا أبحث عنها، ومنذ حوالي ستة أشهر وجدتها أخيرًا عبر "فايسبوك".

"لاقيتها بس ما بحب أصدق إن هيك هي! شوفت حد مختلف"، منذ الوهلة الأولى أدركت أنها تغيرت، فصورها التي تنشرها عبر "فايسبوك" وملابسها و"ماكياجها" وطبيعة الموضوعات التي تقوم بمشاركتها، جميعها أمور تقول إنها ليست هي تلك التي عرفتها منذ الصغر.. ليست هذه هي "يُسر" صديقتي التي كنت أقضي معها أحلى الأوقات في سوريا على مدار 10 سنوات.

وعلى رغم ذلك أرسلت إليها وتحدثت معها، لكن أدركت أنني أتعامل مع شخص آخر. "رأيها بالثورة طبعًا ما عرفته أنا إلا لهلا مع الأسف يعني.. هي مؤيدة لبشار الأسد.. هي مؤيدة للنظام جدًا مع إنه هي كانت جدًا تدافع عن المبادئ والقيم السامية ومادري إيش!".

"بصراحه هى مو بس ماتت في نظري.. تمنيت إني لو ما لقيتها.. تمنيت لو إني محافظة على صورتها الجميلة هي البنت الخلوقة المثقفة جدًا اللي بتعرف الصح من الغلط.. هلا هي حدا تاني، حدا بيشبه دول المؤيدين لجماعة بشار اللي عم يقولوا بشار صح وانتو غلط، ولو ما أنتوا ما طلعتوا بالثورة  نحنا كنا لسه عايشيين.. يعني هي من جماعة: كنا عايشين اليوم بسوريا أو من جماعه الله يطفيها بنوره.. هدول الجماعه ياللي ما بيعرفوا أي شيء أبدًا.. اللي ما بيهم إلا بس مصالحتهم، وكيف بيعيشوا وشو بيعملوا".

تغيرت!

بأول يومين أو ثلاثة كنت أحكي معها بعد أن وجدتها على "فايسبوك" كنت أحكي معها ونتسامر عبر "دردشة الفيديو" وبكينا وقتها، لكن بعدها أدركت أنها ليست هي التي أعرفها، لدرجة أنها تقوم بمشاركة أمور "تافهة" عبر صفحتها، حتى أن طريقة كلامها تغيرت جدًا.. تزوجت وصار لديها طفل، وليست سعيدة بزواجها الآن بسبب وضع زوجها المنحدر من محافظة مختلفة، وكذا تعرض البيت الذي تزوجت فيه للقصف.. كما أن لديها حالة حقد على الجيش الحر، وتقول: "لولا أنتم ما طلعت من بيتي.. ما كنت اتزوجت من هاد الرجل.. هاد الرجل مو رجل أحلامي.. بس هاد الرجل هو اللي خلاني هيك.. تزوجته لأنه مو في رجال بالبلد فكان لازم أتزوج لاني بخاف من الزمن.. أنا أمي وأبي صاروا كبار، فكان لازم اتزوج؛ فاضطريت أتزوج رجلًا أميًا.. وللأسف اكتسبت منه كل شغله مو مليحة".

من فتاة مثقفة جدًا ومناصرة للحق، إلى فتاة "مستهترة".. هي تناصر النظام حرصًا على مصلحتها، تغيرت 180 درجة.. تزوجت من شخص أمي خوفًا من تأخر سن الزواج.. تغيرت كل أفكارها... لم تعد تلك التي أعرفها..  "هي ماتت بنظري".

"في عندي كمان 6 رفقات صديقات من 14 سنة، أنا وإياهم رفقة لهلا، مع إنو هن 2 بتركيا وواحدة بمصر وواحدة بليبيا وواحدة بكندا وواحدة بسوريا.. لهلا أحنا بنتواصل مع بعض.. 4 منهن مؤيدات لنظام بشار الأسد، بس أحنا ما بندخل بأمور السياسة".

القصة السابقة: بطلٌ لا يهاب الموت.. وداعًا يا "علي"

القصة التالية: لن يكون الختام يا ختام.. سنلتقي!

 

ــــــ

*أبيات الشعر من قصيدة الشاعر فاروق جويدة "حبيبتي تغيرنا"

- روت (ز) قصتها بالعامية السورية عبر رسائل كتابية. وتمت صياغتها بالفصحي مع الإبقاء على كثير من التعبيرات العامية.

- (ز) فتاة سورية تبلغ من العمر 26 عامًا، تعيش في تركيا الآن بعدما تركت سوريا بعد الحرب.




كلمات مفتاحية