المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

سوريون بعيداً عن تخصصهم العلمي.. من يبنى المستقبل؟

 
   
17:03

http://anapress.net/a/195191081576046
170
مشاهدة


سوريون بعيداً عن تخصصهم العلمي.. من يبنى المستقبل؟

حجم الخط:

سبعة سنوات منذ تغيّر شكل الحياة في سوريا، ابتداءاً من الثورة وانتهاءً بحرب استخدم فيها كل أشكال الأسلحة، منها تهجير المدنيين من مناطقهم ومدنهم، لكن ثمة تداعيات للحرب كانت أشد وطأة على السوريين نظراً لاختبارهم الحصار واللجوء وفقدان الكثير من وسائل الحياة.

أحد هذه التداعيات، فقدان شريحة كبيرة لوظائفهم، وشريحة أكبر لم تتمكن حتى من إيجاد عمل يناسب اختصاصها أو درستها، ما اضطرها للالتجاء إلى أعمال، أحياناً غير مناسبة، وغالباً شاقّة.

كيف كانت الظروف قبل الثورة؟

لم تكن سوريا تعيش قبل الثورة السورية وتداعيات الحرب الحالية، بأفضل أحوالها، إذ كانت نسبة البطالة المعلنة – بحسب المكتب المركزي للإحصاء في سوريا -  8.4 بالمئة في العام 2010، فيما تتجاوز هذا الرقم، البطالة غير المعلنة، بحسب تقديرات غير رسمية مختلفة.

 8.4% نسبة البطالة في سوريا قبل الثور
  إحصاءات رسمية

نزار حمدان، وهو شاب سوري بعمر الـ 30 عامًا، وخريج كلية الاقتصاد بدمشق في العام 2008 يقول: "المشكلة لم تكن بنسب البطالة، المشكلة كانت في استحالة الحصول على وظيفة دون واسطة أو دفع مبالغ مالية كرشاوى، والقليل القليل من يتوظّف بعد المسابقة من دون هذين الخيارين، وهو ما كان يشعرنا أنا والكثير من الشباب باليأس وفقدان الأمل من المستقبل".

لكن آلاء حاج يوسف، وهي زميلة جامعية سابقة لـ "نزار" تضيف على كلام زميلها: "وفي حال تم الحصول على وظيفة ما، نادراً ما تكون في ذات الاختصاص، ولا تستغرب إذا ما شاهدت خريج كلية الآداب يعمل في معمل للأعلاف"، مردفةً لـ "أنا برس": "حتى الموظف لم يكن يسأل كثيراً عن الاختصاص الذي يريد العمل به، كان يريد وظيفة فقط بغض النظر عن نوعها".

حلم الحصول على الوظيفة حتى بالنسبة للشاب الجامعي، لم يكن فقط حلماً افتراضياً، إذ يؤكد مرة أخرى المكتب المركزي السوري للإحصاء في إحصاءات العام 2010، أن 81 بالمئة من الجامعيين كان عليهم أن ينتظروا أربع سنوات بعد تخرجهم للحصول على أول وظيفة، مع غياب لإحصائية تظهر نسبة من يعملون في مهن في غير اختصاصاتكم وربما غير مناسبة جسدياً.

اقرأ أيضًا: سوريون يحملون شهادات جامعية ويعملون بجلي الصحون وبالمطاعم ونقل الأثاث في تركيا

ضياع بعد الثورة

مع بداية الثورة السورية، تحوّلت قضية العمالة السورية، ونسب البطالة إلى قضية ثانوية، فيما تصدر المشهد واهتمامات الشارع السوري، الاحتجاجات المناهضة للنظام السوري، لكن سرعان ما بدأ السوريون يتساءلون حول المرحلة المقبلة وكيف سيكون شكل حياتهم ومستقبلهم؟

يقول ياسر حمدو، 39 عاماً وهو متعهد ورش بناء في حلب: "توقّفت الأعمال، وبدأت الأسعار بالارتفاع، لم يكن أمامنا خيارات سوى الانتظار، كان ثمة تطمينات كثيرة عن إمكانية التغيير في سوريا خلال فترة قصيرة، وهذا ما لم يحدث، وحوّلنا جميعًا إلى أشخاص ضائعين، وقلقين من المستقبل المجهول".

بقاء المظاهرات مشتعلة في مدن ومناطق سورية عديدة، بالإضافة إلى مواجهات النظام للمتظاهرين بالعنف، والاستمرار في الحل العسكري، هدد الكثير من أصحاب المهن، وأوقف أعمال كانت تعتمد على عامل الأمان أصلاً.

يقول إبراهيم محجوب، وهو فلّاح سوري من ريف حماه: "زراعة الأراضي أصبحت كالمشي بين الألغام؛ فالجيش كان يستهدف كل شيء بما في ذلك الأراضي الزراعية، وهو ما يعني نسبة كبيرة لأن يموت الفلاح في أرضه، ساعياً على رزقه، وهو ما أدى إلى ترك الكثير من الفلاحين لأراضيهم والعمل في مهن أخرى، كالبناء أو حتى فتح بسطات داخل المدن".

على مستوى زراعة وإنتاج القطن فقط، تراجعت الأراضي الزراعية المنتجة للقطن إلى 25 ألف هكتار، مقارنة مع 172 ألف هكتار عام 2010. بسبب قصف النظام السوري وبالتالي عزوف الفلاحين عن زراعته – بحسب موقع نون بوست -

أعمال جديدة تلقى قبول

لم تستمر حالة الضياع كثيراً حتى وفّرت الثورة السورية، عبر هيئاتها ومؤسساتها أو المؤسسات التي تعمل معها، فرص عمل جديدة، لم تكن متوفرة في سوريا سابقاً.

عشرات الأشخاص ممن أعرفهم لا يعملون في اختصاصاتهم، البعض فُرض عليه العمل بغير مهنته ومجاله، حتى يعيل عائلته
 إيناس معصوم

تقول إيناس معصوم، وهي موظفة سابقة في منظمة إنسانية في الغوطة الشرقية: "صحيح أنني كنت أعمل كمدرسة وفقدت وظيفتي، إلا أنني أخيراً وجدت عملًا، وهو المطلوب حاليا، طالما أن لدي عائلة تحتاج إلى معيل بعد وفاة والدي، بالإضافة إلى اندفاعي وحبي للعمل الإنساني".

ورغم أن اختصاص إيناس في المنظمة -وهو مشرفة اجتماعية- لا يشبه اختصاصها الجامعي كمدرسة جغرافيا، إلا أنها تمكّنت من التدرب على العمل – كما تقول – وأصبحت قادرة على فعله.

تردف إيناس: "ثمة عشرات الأشخاص ممن أعرفهم لا يعملون في اختصاصاتهم، البعض فُرض عليه العمل بغير مهنته ومجاله، حتى يعيل عائلته، والبعض الآخر، استفاد من الثورة ليصبح له مكانة اجتماعية ويستلم وظيفة قد لا تناسب مهاراته وخبراته".

في استطلاع أجرته "أنا برس" عبر الهاتف، على 30 موظفًا /ة وعامل/ة سوري /ة، تبين أن 2 من أصل 5 يعملون في مجال اختصاصاتهم الجامعية والمهنية قبل الثورة السورية، وهو ما يعني أن غالبية السوريين لا يعملون في اختصاصاتهم وربما يخلق ذلك سوء في المنتج النهائي.

شعب حي

يقول رئيس رابطة المهندسين السوريين في تركيا سعيد نحاس لـ "أنا برس"، إن الشعب السوري شعب مبدع وفعال ومبتكر، والظروف السائدة في سوريا كانت ضاغطة لدرجة جعلت الكثيرين من السوريين اللذين لجؤوا لدول اللجوء أن يمتهنوا أعمال لم تخطر على بالهم أبداً، لتأمين لقمة العيش في هذه الدول.

السوريون -كما يرى النحاس- يتمتعون بالقدرة والمرونة والتكييف مع كل الظروف. ويقول: "السوريون يعرفون أن الحاجة أم الاختراع، ففي دول اللجوء عموما وتركيا خاصة أصبح الوضع صعب جداً وخاصة مع عدم اعتراف السلطات بكثير من حملة الشهادات والاختصاصات، مما اضطرهم إلى الخوض في أعمال لا تمت بصلة إلى اختصاصاتهم العلمية وذلك لتأمين لقمة العيش في دول الاغتراب".

ويشير النحاس إلى أن "هناك قصص نجاحات كبيرة ومهمة لسوريين بدأوا حياتهم في دول اللجوء من الصفر أو تحت الصفر، وأبدعوا في مجالات كثيرة وهي بالأصل لا تمت بصلة إلى أعمالهم أو اختصاصاتهم التي كانوا يعملون فيها سوريا، ولديهم الآن شركات أو مؤسسات سواء هنا في تركيا أو في دول اللجوء الأخرى".

ويختم النحاس تصريحاته بالتأكيد على أن "هذه الخبرات التي اكتسبها السوريين في دول اللجوء سوف تغني المجتمع السوري عند عودة هؤلاء إلى بلادهم وتطوير تلك المهارات لبناء المجتمع السوري".

اقرأ أيضًا: بعد سبعة أعوام من "الثورة".. هل جاءت مرحلة جمع الغنائم؟

على عاتق من تقع المسؤولية؟

ومن جهة أخرى تعبر الناشطة الحقوقية السورية رشا صابوني، عن أسفها إذ لا توجد جهة رسمية حتى الآن تبنت تأمين فرص عمل لحاملي الشهادات الجامعية والعليا بما يتلاءم مع طبيعة عملهم واختصاصهم.

وتساءلت في تصريحات خاصة لـ "أنا برس": هل تقع المسؤولية على عاتق سلطات البلد المضيف أم على عاتق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أم على عاتق المعارضة السورية، مشيرة إلى أنه من المؤسف أن تترك هذه الشريحة من اللاجئين السوريين دون رعاية واهتمام.

 لذلك اضطر الكثيرين منهم -كما تؤكد الناشطة الحقوقية- للهجرة إلى أوروبا هرباً من الواقع الأليم في دول الجوار الذي اصطدموا فيه، أما البعض الآخر فلقد اضطر للعمل بمهن لا تمت بصلة إلى اختصاصهم العلمي لتأمين معيشة أسرهم.

تضيف صابوني: "الكثير من السوريين وجدوا فرصاً أفضل في بلدان أوروبا، نظراً لكونها تحترم الخبرات وأصحاب الشهادات، لكن للأسف في بلدان اللجوء القريبة، مازال المجهول يقف حاجزاً أمام رغبة السوريين بخبراتهم ومهاراتهم، وبين واقع البحث عن لقمة الحياة باعتباره ليس هنالك مساعدات كافية".

انقطاع المختص لاختصاصه

يقول المدير التنفيذي للتحالف المدني السوري تماس،علاء الدين زيات، في تصريحات لـ "أنا برس": مع ازدياد سنوات الأزمة السورية وبقاء أفقها مغلقاً فإن ذلك سيكون له تأثير كبير على فترة قطيعة المختص باختصاصه، وسيفقد بالتالي قدرته على ملاحقة ما يستجد في اختصاصه، لأنه مجبر أن يتابع حقولا جديدة من الصفر ليبني خبرة باختصاص آخر.

اقرأ أيضًا: هذا ما حدث للأسرة السورية في زمن الحرب

 من الضروري إعادة تأهيل المختصين لترميم معلوماتهم، هذا إذا افترضنا أن خيارهم المنطقي العودة الى أصل اختصاصهم
 علاء الدين زيات

وهذا يعني أنه بغياب الأوضاع المانعة سيكون من الضروري إعادة تأهيل المختصين لترميم معلوماتهم، هذا إذا افترضنا أن خيارهم المنطقي العودة الى أصل اختصاصهم ولم يفضلوا قطاع العمل المستحدث عليها، بحسب الزيات.

ويوضح المدير التنفيذي للتحالف المدني السوري، أنه في عالم الأرقام سيمكن حساب مدى خسارة الكوادر والهدر الكبير الذي جرى لتخريجهم باختصاصات معينة ثم ليكون ذلك مهملا ويبدأوا تعلم مهنة أخرى حكمت ظروف الهجرة على طرحها كخيار وحيد، هذه الفجوة لمسها الغربيون بطريقة عملية ويسروا اجراءات الادماج والاستثمار في الاختصاصات وبخاصة التخصصات العلمية ليدعموا مجتمعهم بكوادر جاهزة دون تكاليف لإنتاجها.

خلاصة القول، لم تكن اختيارات الكثير من السوريين بأيديهم عندما قرروا أن يمتهنوا مهناً بغير اختصاصاتهم. الحاجة إلى تأمين مستلزمات الحياة اليومية كانت هي الدافع – كما قال سوريون كثر لـ "أنا برس" – من دفعت جزء كبير من السوريين ربما لاكتشاف مهن جديدة وبالتالي عالم جديد، فيما لم يحظى إلى القليل على فرصة تشبه اختصاصاتهم، وربما وجدوها شاغرة، لطالبي الوظائف الجدد، الممتهنين خلال أزمات سوريا.