المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

المفكر السوري د.برهان غليون لـ "أنا برس": الحـرب انتــهت (1 من 2)

 
   
10:00

http://anapress.net/a/230208630866045
638
مشاهدة


المفكر السوري د.برهان غليون لـ "أنا برس": الحـرب انتــهت (1 من 2)

حجم الخط:

"الحرب بالمعنى الحقيقي للكلمة انتهت. وما تبقى هو محاولة لحصار النار المشتعلة منذ سبع سنوات. لكن ما لم يحصل بعد وما يعطل التوصل إلى حل هو التوافق على سورية ما بعد الأسد"، هذا ما يؤكد المفكر السوري البارز الدكتور برهان غليون، في معرض إجاباته عن أسئلة القرّاء التي طرحوها عليه عبر صفحة "أنا برس" على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وهي التساؤلات التي تضمنت العديد من المحاور الرئيسية المتعلقة بمستقبل سوريا وكذا مستقبل المنطقة في ظل العديد من التطورات الراهنة، وآخرها ما يتعلق بـ "الأزمة الخليجية".

في البداية حذّر الدكتور برهان غليون من مغبة المعركة الجانبية داخل مجلس التعاون الخليجي وآثارها السلبية الوخيمة على مصالح دول الخليج والعرب كافة، كما تحدث عن دور الإدارة الأمريكية وما إذا كانت جادة في استئناف عملية السلام وكذا في دحر مكافحة الإرهاب ودحر التنظيمات المتطرفة من عدمه. وتطرق –خلال إجاباته التي تنشرها "أنا برس" على جزأي - بالحديث عن الأزمة السورية ومستقبل الوضع في سوريا، إضافة إلى تقييمه لأداء المعارضة، ومحاور أخرى عديدة.. وإلى التفاصيل:

الأزمة الخليجية "ضربة كبيرة" لمجلس التعاون الذي كان حتى القريب حجر الزاوية في استراتيجية المقاومة العربية للزحف الإيراني

بداية، كيف ترى الأزمة الخليجية الراهنة، ومستقبل مجلس التعاون الخليجي في ضوء ذلك.. وهل تعتقد بأن دول المقاطعة محقة في مقاطعتها ومحقة في مطالبها أم لا؟

الأزمة الخليجية ضربة كبيرة لمجلس التعاون الخليجي الذي كان حتى القريب حجر الزاوية في استراتيجية المقاومة العربية للزحف الإيراني. فتح معركة جانبية داخل هذا المجلس اليوم، في الوقت الذي تخوض فيه شعوب المشرق، وشعوب الخليج على رأسها، حروبا متعددة ودموية ضد التوسعية الايرانية "لا يمكن إلا أن يضعف الجميع ويلحق أضرارا لا حدود لها بمصالح العرب، ودول الخليج كافة".

ليس لنا نحن السوريين خيار سوى مناشدة أعضاء المجلس جميعا العمل من أجل تجاوز الخلافات وتحكيم منطق الحوار والتفاهم والبحث عن التسويات التي توحد الصف العربي وتأييد جميع المبادرات التي تسعى لذلك، والبحث عن حل يرضي جميع الاطراف. ليس المهم في هذه الحالة التركيز على من لديه الحق ولكن على من يملك الحكمة، ويسعى إلى وضع حد لنزاع لا يخدم استمراره أي طرف من الاطراف ويضر كثيرا بالقضية السورية التي يشكل الصراع عليها اليوم محور صراع السيطرة على المنطقة بأكملها.


كيف ترى دور الإدارة الأمريكية في المنطقة؟ وهل هي جادة في عمليتي "مكافحة الإرهاب ودحر التنظيمات المتطرفة"؟

حتى الآن لم يتبلور خط واضح ورؤية بعيدة المدى لأهداف السياسة الامريكية في المنطقة، وتبدو الإدارة الجديدة مترددة بين استغلال أزمة المشرق لابتزاز العرب من دون شعور بالمسؤولية تجاه مستقبل شعوبهم، واستخدام الحروب المشتعلة فيها من أجل تأكيد نفوذها ودورها. لكن لا شيء على الإطلاق يتعلق بمصير المنطقة وشعوبها. ومكافحة الارهاب التي تشارك فيها واشنطن والطريقة التي تتبعها في ذلك حتى الآن تبدو قصيرة النظر ولا تاخذ بالاعتبار مستقبل هذه المنطقة.

البرغم مما يردده الخبراء والمحللون السياسيون من انه لن يكفي لدحر التنظيمات المتطرفة القضاء العسكري عليها أو إضعافها عسكريا، وأنه لا يمكن كسب المعركة ضد الارهاب من دون النجاح في ايجاد حلول سياسية لأزمة المنطقة التي تقوض استقرارها وتفجرت توازناتها من جهة، ولأزمة الدول والمجتمعات التي استغلتها هذه التنظيمات للفتك بشعوبها كما تفتك الجراثيم بالجسد الضعيف والمتهافت. لا يكفي ان تشارك الدول ومنها الولايات المتحدة في دحر داعش وإنما لا بد من ايجاد مقاربة سليمة أيضا لهذه المكافحة، تقضي على داعش وعلى امكانية تفريخها في صورة تنظيمات متطرفة جديدة أو إرهاب أكثر خطرا وخبثا. من دون ذلك يمكن لحل مشكلة الارهاب الراهن أن يولد مشاكل وربما حركات إرهاب أكثر شراسة وقدرة على المقاومة.

لذلك لا ينبغي ان نضع جميع رهاناتنا على المبادرات الأمريكية وإنما أن نطور نحن انفسنا استراتيجياتنا التي تنسجم مع أوضاع مجتمعاتنا وتهدف إلى تمكينها من مقاومة التطرف وتحصينها بمناعة فكرية وسياسية قوية تجاهه. وهذا يحتاج إلى توعية فكرية وثقافية بالتأكيد، لكن قبل ذلك إلى إصلاحات سياسية جذرية في أساليب حكم الشعوب العربية.


هل تعتقد بأنه بمقدور ترامب أن يسهم في تحريك عملية السلام التي أظهر اهتمامًا بها؟ وما الذي يمكن أن تفعله الإدارة الأمريكية في هذا الملف؟

 لن تفعل شيئا سوى استمرار الكذب على العرب والفلسطينيين.


 لن تفعل واشنطن شيئا في "عملية السلام" سوى استمرار الكذب على العرب والفلسطينيين

كيف ترى تأثير دور فصائل "الإسلام السياسي" في المنطقة رغم ما تتعرض له؟

دور متناقض لكن بالإجمال والمحصلة سلبي جدا. فما من شك أن التعبئة الدينية التي يتقنها قد عززت روح المقاومة لقوى البطش والقهر التي يستخدمها النظام ضد الانتفاضة الشعبية السلمية. لكن في المقابل حرفت هذه التعبئة الانتفاضة عن أهدافها الوطنية والمدنية التحررية وأدخلت كفاح السوريين البطولي في الحيط، بسبب ما تمسكت به من أوهام حول إمكانية إقامة ما تسميه دولة اسلامية أو بمرجعية اسلامية، أو لدى بعضها أيضا خلافة اسلامية.

فعدا عن وصف الدولة بـ "الإسلامية" لا معنى له لأنه أصبح من المستحيل تحديد هوية الدولة بالدين اليوم، ولا يمكن مطابقة حدودها وحدود الجماعة الدينية، فإن شعارها لا يمكن إلا أن يقسم المجتمع، حتى لو لم يكن فيه طوائف متعددة، ذلك أنه لا يمكن الاجماع على تفسير واحد للدين فما بالك مع وجود طوائف متعددة تشعر أن هناك محاولة لاستبعادها وإقصائها. بالاضافة إلى أن ارتباط مفهوم الدولة الاسلامية باستخدام العنف واحيانا بالارهاب قد فصل انتفاضة السوريين عن العالم كله، ووجه ضدها كل القوى الخائفة من عودة اشكال الاضطهاد الديني الذي عرفته مجتمعات القرون الوسطى، في الداخل والخارج.

إن وصم الانتفاضة الشعبية بالاسلاموية كانت هي استراتيجية النظام الذي أراد أن يطمس الوجه التحرري للثورة ويمنع عنها تعاطف العالم وتضامنه. قسم كبير من قيادات من يسمون أنفسهم بالاسلاميين كانوا يعرفون ذلك، ويدركون الثمن الباهظ للمناداة بدولة إسلامية أو سلطة إسلامية، لكنهم استمروا في هذا الاتجاه وبالغوا في تأكيده، إما مكابرة أو لجهالة تشعرهم بأن الاتكال على الله يغنيهم من البحث في الأسباب والتفكير في سد الذرائع أو، في حالا كثيرة، لاختراق صفوفهم من قبل مخابرات النظام وتوجيه حركتهم من الداخل من دون أن يدركوا ذلك. 


طرح أحد القرّاء سؤالًا قال فيه: وماذا بعد الاستيطان الفارسي في أهم ثلاث حضارات (حلب، وحمص، والموصل)؟

الوصول إلى ضفاف المتوسط والحصول على ممر إليها حلم قديم راود بناة الامبرطوريات الفارسية منذ أقدم العصور  ولم يخمد. وليس له علاقة بالاسلام أو بخصوصية المذهب الشيعي. فايران كانت دائما قوة قارية كبيرة لكنها محصورة ومحرومة من استغلال قوتها وممارسة نفوذ وتأثير إقليمي وعالمي. لكن في كل مرة حاولت فيها عبور الفرات نحو الغرب انتهت مغامرتها بالفشل وعادت أدراج الرياح. وهذا سيكون أيضا مصير محاولات الانزراع في المنطقة العربية. هي كالجرثوم يفتك بالجسد الضعيف. لكن عندما يتعافى الجسد لا يبقى للجرثوم الخبيث أمل بالبقاء ويموت في أرضه. لكن ما من شك أن هذا الحلم الايراني التاريخي قد كلفنا غاليا وسوف يكلفنا اكثر في السنوات القادمة، فهو كالمسخ المتعدد الرؤوس والمنفلت يضرب في كل الاتجاهات من دون تفكير، ولا يدفعه ما يلقاه من مقاومة إلا إلى مزيد من العنف والتخبط والتدمير.


بالانتقال بالحديث إلى الملف السوري، كيف ترى مستقبل مفاوضات جنيف؟ وهو سؤال متكرر أكثر من مرة في تساؤلات القرّاء ضمن تساؤلات حول "مستقبل سوريا" والعملية السياسية.

منذ البداية كان من الواضح ان المفاوضات الحقيقية تجري خارج جنيف وان جنيف كان لإخراج الاتفاق لو تم. لكن لم تكن هناك في الواقع اية مفاوضات. جنيف كان مقصودا منه وضع الأطراف أمام بعضها وانتظار نتائج الحرب أو الموازين العسكرية وتكريسها في مجال التسوية السياسية. لكن الامور سارت نحو التعقيد بدخول قوى اقليمية ودولية متعددة للميدان وعجز النظام وايران والروس عن الحسم العسكري السريع كما كانوا يتصورون، وغياب سياسة سورية حقيقية امريكية في عهد باراك اوباما وتخبط سياسة الرئيس الجديد دونالد ترامب. لا ينبغي أن ننتظر من جنيف شيئا ما لم يحصل اتفاق حقيقي واضح بين الأطراف الدولية، وفي مقدمها بين الروس  الذين اعترف لهم الغرب بالأسبقية في سورية والامريكيين. وما يعرضه الروس الذين فوضهم الغرب واعترف لهم بالأسبقية في سورية ليس خطة لتسوية مقبولة كما رسمتها قرارات مجلس الامن، وإنما عمليه ترويض للسوريين ليتخلوا عن الثورة وشعاراتها ويقبلوا بإصلاحات جزئية وعملية تجميل للنظام القائم، مع وجود الأسد أو من دونه. أما الامريكيين فليس لديهم أي خطة واضحة وقابلة لتحقيق التوافق وللتطبيق. لذلك لم ينضج الحل السياسي بعد. الخطة الراهنة اذا كان من الممكن الحديث عن خطة هي سياسة النصف خطوة وتجميد الجبهات والتخفيف من القتل بانتظار التخلص من داعش والنصرة، ووقف القتال نهائيا وإطلاق مفاوضات بمشاركة الاطراف السورية، ربما العام القادم للوصول إلى حل لم ترتسم معالمه بعد.  


وما هو مصير بشار الأسد؟ وفي أي مرحله إلى الزوال؟

بالنسبة للأسد يدرك الجميع، بما فيهم روسيا وايران، أن بقاء الأسد يعني غياب الحل. وغياب الحل يعني الابقاء على عناصر الأزمة والحرب والارهاب واللاجئين، وترك الجرح فاغرا ومعرضا لكل انواع التقيح والالتهاب. من دون ترحيل الأسد لن يعود ملايين السوريين إلى بلدهم، ولن يستقر الحال الامني، ولن يمكن إعادة بناء مؤسسات الدولة، ولا إطلاق عجلة الحياة الاقتصادية، ولا بدء عملية اعادة الاعمار. وبوجوده لن تستقر المنطقة التي استنزفت وسوف تطرح على المجتمع الدولي والدول الكبرى تحديات غير ممكن تحمل مواجهتها. لكن الأسد سيبقى ورقة رئيسية في المقايضة القادمة، وخاصة في يد طهران وموسكو اللتين لن تتخليا عنه من دون مكاسب مقابلة وبالنسبة لروسيا ليس في سورية فحسب ولكن خارجها أيضا.

غلبت على تساؤلات القراء لكم أسئلة خاصة بـ "مستقبل سوريا".. محورها الرئيسي: متى نخرج من دوامة الصراع القائم؟

الحرب بالمعنى الحقيقي للكلمة انتهت. وما تبقى هو محاولة لحصار النار المشتعلة منذ سبع سنوات. لكن ما لم يحصل بعد وما يعطل التوصل إلى حل هو التوافق على سورية ما بعد الأسد. هذه هي المشكلة. وهي ليست مشكلة للدول المعنية بالحفاظ على مصالحها في المنطقة فحسب، وإنما للسوريين أنفسهم الذين لم يقتربوا بعد من التفاهم على هوية البلاد وقواعد حكمها وحقوق ساكنيها، بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية والقومية والجهوية. طبعا الأسد يعتقد أنه المنتصر وأنه سيستعيد سلطته، لكن هذه اوهام.

سيكون تطبيع الحياة في سوريا بطيئا لكنه ابتدأ منذ الآن بمواكبة السعي لتخفيض درجة العنف والصراع. وهذا لا يمنع أن الصراع سوف يستمر ولو بوتيرة أبطأ ومتباطئة أكثر. وسوف يبدأ المستعجلون من النازحين واللاجئين ممن لا يخشون انتقامل كبيرا من النظام أو يتعرضون لمخاطر التجنيد القسري والملاحقات السياسية بالعودة تدريجيا. ولكن الأفضل أن تكون العودة في إطار اتفاق تشرف عليه الامم المتحدة وتضمنه الدول الكبرى حتى يضمن العائدون حقوقهم ويتجنبوا مخاطر التشبيح والتشليح وغياب حكم القانون الذي أصبح جوهر سياسة النظام وقاعدة الحكم، السياسي والمدني، فيه.

تطبيع الحياة في سوريا سيكون بطيئا لكنه ابتدأ منذ الآن بمواكبة السعي لتخفيض درجة العنف والصراع

طرح قراء "أنا برس" العديد من الأسئلة الخاصة بـ "مستقبل الثورة" وماهية المسؤول عن "فشلها" هل الشعب السوري أم السياسيين السوريين أم القادة العسكريين؟ وتساؤلات أخرى حول المرحلة التي تقف فيها الثورة حاليًا..

الثورة لم تفشل بالضرورة إذا عرفنا كيف نستخدم الرصيد العظيم الذي تركه لنا مئات آلاف الشهداء وملايين الرجال والنساء والأطفال الذين ضحوا بكل شيء من أجل تأكيد حقهم في الحرية والتحرر من نظام القهر والاستعباد. انتزاع السلطة ليس هو الأساس، بالرغم من أهميته لتسريع بناء النظام الجديد ونشر قيم الثورة واعادة توحيد الشعب. المهم ان مجمل المناخ السياسي والقانوني والأمني والثقافي الذي كان سائدا من قبل والذي قام عليه البناء العنصري لنظام البعث وعلاقاته مع المجتمع وعلاقات المجتمع بين طبقاته ونخبه، قد انهار تماما. وان قيما جديدة وثقافة جديدة وعلاقات جديدة قد نشأت بين الأفراد والجماعات والمناطق والطبقات والنخب والجمهور. اليوم هناك سورية جديدة تولد وتظهر من تحت الأنقاض بالرغم من كل شيء وتجد نفسها في تناقض كامل ليس مع قواعد عمل النظام وقيمه وسلوك قادته فحسب وإنما مع قيم وسلوك قيادات المعارضة التي نشأت في حضن هذا النظام وحملت الكثير من ثقافته ومناخاته. الثورة الحقيقية بدات الآن. وفشل انتزاع السلطة لن يؤثر في تقدمها وربما سوف يعزز أكثر من تحرر الفرد وانكبابه على بناء عالمه الداخلي والذاتي.

بالتاكيد خسر السورين الجانب العسكري من الصراع، وتشترك في مسؤولية هذه الخسارة أولا المعارضة بمختلف تكويناتها السياسية والعسكرية، وعجزها عن تشكيل قيادة وطنية موحدة، والتفاهم حول برنامج وطني ديمقراطي يجمع السوريين، وثانيا الدول التي ادعت الصداقة للشعب السوري من دون أن تقدم له الوسائل الضرورية للنصر وثالثا المجتمع الدولي الممثل بالأمم المتحدة الذي استسلم لمنطق القوة ولم ينجح في تفعيل مواثيقه وقراراته.  لكن خسارة المعركة العسكرية لا تعني خسارة المعركة السياسية.

فقد انجبت سنوات الصراع الطويلة روحا تحررية لن يمكن لأي حكم أو مستبد أن يتعايش معها، وحررت جيلا من الشباب وأطلقت طاقات لن يستطيع اي حاكم بعد الآن أن يحتجزها ويخرس أصوات أصحابها. ومهما حاول نظام الأسد أو من سيخلفه من نظم الفلول التي ستفرض من قبل الدول الكبرى، فإن معركة الحرية سوف تستمر بوسائل أخرى، وما على قادتها الجدد سوى إعادة ترتيب أوراق قوى التغيير وتوحيد صوتها وبرنامجها لهيلكة المجتمع السياسي السوري الذي كان النظام القمعي الدموي قد حوله إلى رميم.

ومن بين الأسئلة المُهمة التي طرحها القراء تلك المتعلقة بأداء المعارضة السورية: ما هي أسباب فشل المعارضة في إظهار نفسها كممثل للشعب السوري؟ ولماذا المعارضة لم تفكر منذ بداية الثورة في الاعتماد على نفسها وعدم الاعتماد على الدول الداعمة؟ ولماذا لم تعمل المعارضة على إنشاء أي ورقة ضغط تكون لصالحها في المفاوضات؟

فشل المعارضة ناجم عن انقساماتها التي كانت هي نفسها ثمرة القمع الطويل والتلاعب بالافراد والجماعات من قبل النظام وقتل الثقة بين ابناء الشعب عامة. وهذا الفشل لا يخص المعارضة حصرا. إنه يعكس ايضا الانسحاب الذي فرضه النظام على عموم الشعب الذي أصبح يهرب من السياسة ويخاف من اي مشاركة فيها ليحمي نفسه من الانتقام، مما ترك الفضاء العام والشأن الوطني حكرا على أصحاب الحكم وعصاباته المنظمة في مظهر دولة، وهم في الحقيقة مافيا معادية للدولة والمجتمع معا وقائمة على أشلائهما.

في ما يتعلق بمسألة الاعتماد على الدول الداعمة فلا أعتقد أنها هي المشكلة. بالعكس لا يمكن لثورة أو لمعارضة أن تواجه تحالفا مثل التحالف الثلاثي، الذي لا يحرم ولا يحلل كما نقول، الذي واجهته الثورة السورية من دون تحالفات مقابلة. وعقد التحالفات هو أهم أدوات السياسة. وفي عالمنا اليوم ليس هناك معارك معزولة أو مستقلة عن البيئة الاقليمية والدولية، فإذا لم تدرك أنت تفاعل المصالح وتبحث عمن تلتقي مصالحهم معك ولو جزئيا، سوف تضع نفسك خارج العالم وتخسر قضيتك منذ البداية.

وما أخطاء المعارضة التي أوصلت الحال إلى ما هو عليه الآن؟

أما الأخطاء الكبرى للمعارضة فهي الانفصال بين القيادات العسكرية والسياسية، وانقسام هذه القيادات ذاتها على نفسها وعلى جميع الأصعدة، وعدم النجاح في تكوين قيادة واحدة وطنية تؤلف بين القوى وتستخدمها حسب استراتيجية وطنية واضحة وبعيدة المدى. بقيت الثورة من دون قيادة تلهم الشعب وتنظم الجهد وترسم الخطط وتراجعها إذا فشلت. وبدل ان يعمل المتزعمين أو المرشحين للزعامة على تشكيل خلية للعمل الجماعي والمنظم على مستوى الجمهورية تحولوا بنزاعاتهم إلى رؤوس متضاربة ومتنازعة وعطلوا جهد ملايين السوريين. أصبحنا كالعربة التي يجرها ألف حصان وكل يشد في اتجاه مناقض أو مخالف للآخر فبقينا في مكاننا لم نستطع التقدم على طريق تحقيق أهدافنا. باختصار أدى النزاع والانقسام الذي لم نجد له حلا حتى الآن إلى أن القادة حيدوا بعضهم واجهضوا تضحيات شعبهم بدل أن يكونوا قيمة مضافة وسندا له ومعيلا.

وهل هناك أي مشروع لتوحيد موقف المعارضة السياسية وما هي النظرة المستقبلية لها؟

فيما يتعلق بتوحيد المعارضة أقول لن يكون هناك أي أمل في تكوين قيادة وطنية معترف بها وقادرة على أن تقود الشعب خاج هذه الهمجية والفوضى السياسية والجيوسياسية التي نعيشها ما لم ترجع الينا الثقة التي دمرها الاستبداد، بأنفسنا وبالآخرين، وكان تدميرها رأسماله الأكبر الذي راكمه عبر القهر والقمع والقتل والتعذيب لعقود متواصلة.

**اقرأ في الجزء الثاني من الحوار الذي ينشر غدًا: (من هو البديل والأجدر والقادر على أن يكون رئيس سوريا؟)، (ما هو مصير إدلب؟)، (هل دخلت تركيا سوريا امتثالا للخطة التي قسّمت فيها الدول العظمى سوريا أم دخلت لمساعدة السوريين أم لمطامع ثانية؟)، (هل وقعنا في فخ التقسيم؟) وأسئلة ومحاور أخرى يجيب عنها المفكر السوري د.برهان غليون.