المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

عبد الرحمن الكواكبي.. حامل شعلة التنوير في عصور الظلام

 
   
10:00

http://anapress.net/a/310799008641069
1540
مشاهدة


عبد الرحمن الكواكبي.. حامل شعلة التنوير في عصور الظلام

حجم الخط:

في عصور الانحطاط والتردي الثقافي والفكري كثيرًا ما توجه سهام الانتقادات للمثقفين والمفكرين، ليس الانتقادات وحسب، بل أنهم يعيشون في مطارادات مستمرة واعتقالات ومصادرات لكل ما يكتبون. تلك الأشياء باتت من سمات عصرنا الراهن الذي يواجه فيه المثقف المعاصر شتى صنوف الاتهامات والإدانات. يصبح الانحطاط الفكري أكثر وضوحًا حين لا نكتفي بإدانة المثقف المعاصر بل نذهب لنطال بسهام النقد والاتهامات والتشكيك رموزًا فكرية أثرت الحياة الثقافية والفكرية بمؤلفاتها التي صارت مرجعًا هامًا لكثير من الباحثين عن الحقيقة والمستقرئين للواقع.

عبد الرحمن الكواكبي، أحد أهم رواد النهضة العربية في القرن التاسع عشر، ويُمثِل كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" وصفًا دقيقًا يمكن تطبيقه حتى اللحظة الراهنة لسمات الحاكم المستبد والمحكومين الذين لا يعرفون معنى الحرية، ذلك المفكر الذي ولد في مدينة حلب السورية كان آخر من طالته سهام التشكيك العمياء، وانطلق بعضهم للتشكيك في أصوله ومن ثم التشكيك في نزاهة أفكاره التي طرحها عبر مؤلفاته.

مؤخرًا، شنت أقلام حملة ضد الكواكبي،  فكتب أحدهم يقول "الكواكبي يرجع في نسبه إلى "إسماعيل الصفوي" مؤسس الأسرة الصفوية الشيعية في تبريز، والتي حكمت إيران قرابة قرن ونصف القرن من الزمان، ويجب أن لا يغيب عن أذهان النخبة منا، أن مدينة حلب كانت عاصمة الحمدانيين، وكانوا شيعة أيضا، وهذا ما يجذب الشيعة القادمين من إيران، والنصيرية القادمين من لواء إسكندرون لاختيار هذه المدينة مقراً لسكناهم، كلما نزح جماعة منهم إلى بلاد الشام.. الكواكبي إذن أحد أبناء الأقليات في سوريا، وهو في الأصل إيراني كما علمنا قبل قليل وغير سوري. وأبناء الأقليات يُنَشَّؤُون على كراهية أبناء الأغلبية السنية، لذلك شب الكواكبي وهو كاره للحكم العثماني السني ، ناقم على الأتراك ، الذين هزموا جده إسماعيل الصفوي في معركة جالديران سنة 1514م وأسروا جدته زوجة السلطان إسماعيل الصفوي، وتزوجها أحد كتاب السلطان سليم العثماني آنذاك ، نكاية بالصفوي وإذلالاً له".

 

عاش الكواكبي حياة من النضال بدأها مبكرًا

ذلك التردي الذي أصاب حياتنا الفكرية والذي يجعل التشكيك في الأنساب مدعاة لإهمال أعمال فكرية تشكل علامة فارقة في تاريخ الفكر العربي يبين عمق التخلف الفكري الذي نحياه في العصر الراهن، والذي يعزز من أهمية أن نسلط المزيد من الضوء على مثل هذه الشخصيات البارزة المواجهة بالتشويه بعد ما يزيد عن قرن من رحيلها، وبعد حياة حافلة بالعطاء الفكري الذي شكل أسسًا فكرية لا تزال حاضرة إلى اليوم في البنى الفكرية العربية.

حياته

عبد الرحمن الكواكبي الذي ولد في مدينة حلب عام 1855م، توفيت والدته وهو في السادسة من عمره، فأرسله والده إلى خالته بأنطاكية، ثم عاد إلى حلب ليدرس في المدرسة الكواكبية، التي تعلم فيها الدين واللغة العربية. ثم تلقى العلوم العصرية الرياضية والطبيعية وأتقن اللغتين التركية والفارسية تكلماً وكتابة. وبدأ عمله كمحرر في الثانية والعشرين من عمره بجريدة "الفرات" وهي جريدة رسمية كانت تصدرها الحكومة باللغتين العربية والتركية.

عاش الكواكبي حياة من النضال بدأها باكرًا، فبعد عمله في جريدة "الفرات"، انطلق لتأسيس أول جريدة رسمية عربية خالصة هي جريدة "الشهباء"، والتي لم يصدر منها سوى 15 عددًا؛ إذ أغلقتها السلطات العثمانية بسبب نقدها اللاذع للحكم العثماني. فأنشأ عام 1879 جريدة "الاعتدال" فألغاها الوالي شريف باشا. ثم تقلد عدة مناصب حكومية، واستقال من عمله الوظيفي،  ليعيش بعدها في ترحال وسفر إلى عدد من البلدان العربية وغير العربية، فسافر إلى الهند والصين وأفريقيا وشرق آسيا، وقضي عدة أعوام في مصر داعيًا لمقاومة الاستبداد العثماني إلى أن وافته المنية عام 1902 عن عمر ناهز 47 عامًا.

مؤلفاته

قدم الكواكبي عددًا من المؤلفات التي تمثل تراثًا أدبيًا هامًا، وعلى رأس هذه الكتب كتابيه "طبائع الاستبداد" و"أم القرى"،  فضلًا عن كتب أخرى مثل "العظمة لله" و"صحائف قريش"، وله الكثير من المخطوطات والمذكرات التي طبعت.

في كتابه "طبائع الاستبداد" يستعرض الكواكبي طبائع الاستبداد وسمات الحاكم المستبد، والعلاقة بين الاستبداد الديني والاستبداد السياسي، وتأثير الاستباد على شتى مناحي الحياة، وكيف يمكن الخلاص من ذلك الاستبداد. ذلك التوصيف الذي طرحه الكواكبي منذ ما يقرب من قرن لا يزال صالحًا للتطبيق على العديد من بلداننا العربية في اللحظة الراهنة.

يقول الكواكبي في كتابه: "الاستبداد يقلب الحقائق فى الأذهان، فيسوق الناس إلى اعتقاد أن طالب الحق فاجر، وتارك حقه مُطيع، والمُشتكي المُتظلم مُفسِد، والنبيه المُدقق مُلحد، والخامل المسكين صالح، ويُصبح -كذلك- النُّصْح فضولا، والغيرة عداوة، الشهامة عتوّا، والحميّة حماقة، والرحمة مرضا، كما يعتبر أن النفاق سياسة والتحيل كياسة والدنائة لُطْف والنذالة دماثة! أشد مراتب الاستبداد التي يُتعوذ بها من الشيطان، هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز علي سلطة دينية".

 

 العوام هم قوة المستبد وفوته، عليهم يصول ويطول، يأسرهم يتهللون لشوكته
 الكواكبي

يتحدث الكواكبي عن دور العوام في تعزيز الاستبداد قائلًا "العوام هم قوَّة المستبد وقوته، عليهم يصول ويطول، يأسرهم فيتهللون لشوكته، يغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بساسته، و اذا أسرف في أموالهم يقولون كريما، وإذا قتل منهم ولم يمثل يعتبرونه رحيما، ويسوقهم إلى خطر الموت فيطيعونه حذر التوبيخ، وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بغاة".

ويقول أيضًا: "يا قوم: هوّن الله مصابكم، تشكون من الجهل ولا تنفقون على التعليم نصف ما تصرفون على التدخين، تشكون من الحكام وهم اليوم منكم، فلا تسعون في إصلاحهم، تشكون الفقر ولا سبب له غير الكسل، هل ترجون الصلاح وأنتم يخادع بعضكم بعضاً ولا تخدعون إلا أنفسكم؟ ترضون بأدنى المعيشة عجزاً تسمونه القناعة، وتهملون شؤونكم تهاوناً تسمونه توكلاً. تموهون عن جهلكم الأسباب بقضاء الله وتدفعون عار المسببات بعطفها على القدر".

ويمكن من خلال بعض عباراته التي أوردها في ذلك الكتاب النظر بشيء من الشجن للوضع العربي الراهن، يقول الكواكبي "قرر الحكماء أن الحرية التي تنفع الأمة هي التي تحصل عليها بعد الاستعداد لقبولها، وأما التي تحصل على إثر ثورة حمقاء فقلما تفيد شيئا، لأن الثورة غالبا ما تكتفي بقطع شجرة الاستبداد ولا تقتلع جذورها، فلا تلبث أن تنبت وتنمو وتعود أقوى مما كانت أولا".

اقرأ أيضًا

 

في كتابه أم القرى، يكتب الكواكبي باسم مستعار هو "الفراتي" عن اجتماع متخيل لبحث أحوال العالم الإسلامي ومناقشة التدهور والتخلف الذي لحق بالأمة، مقدمًا عددًا من الأطروحات التي قد تسهم في الارتقاء بالأمة. يوصّف الكواكبي في "أم القرى" حالة التدهور التي لحقت بالحضارة الاسلامية مقارنة بالتطور في ركب الحضارات الأخرى،  ويقول في مقدمة الكتاب: "أقول وأنا هو الرحالة المتكني بالسيد الفراتي: إنه لما كان عهدنا هذا، وهو أوائل القرن الرابع عشر، عهداً عم فيه الخلل، والضعف كافة المسلمين، وكان من سنة الله في خلقه أن جعل لكل شيء سبباً، فلا بد لهذا الخلل الطارئ، والضعف النازل من أسباب ظاهرية غير سر القدر الخفي عن البشر، فدعت الحمية بعض أفاضل العلماء والكتاب والسياسيين، للبحث عن أسباب ذلك، والتنقيب عن أفضل الوسائل للنهضة الإسلامية، فأخذوا ينشرون آراءهم في ذلك، في بعض الجرائد الإسلامية الهندية، والمصرية والسورية والتاتارية، واتبعت أثرهم بنشر ما لاح لي في حل هذا المشكل العظيم، فخرجت من وطني لأداء فريضة الحج، وطفت الآفاق، وقررت استطلاع الأفكار، وتهيئة الاجتماع، في موسم أداء فريضة الحج لعام 1316هـ".

من خلال فكرة الاجتماع، ناقش الكواكبي مسائل هامة مثل التشدد في الدين، ومسألة الزعامة، وضرورة فصل السلطة الدينية عن نظيرتها السياسية، ونقد الدولة العثمانية ودورها في تعزيز التدهور العربي، يمارس الكواكبي في صورة حوارية نقد لأشكال التدين التي أدت إلى دروب الظلام، ويقول في الكتاب "دراك فمن يدنف لعمرك يدفن.. وما نفع نوح متى قبل قد فنى. دراك فإن الدين قد زال عزه.. وكان عزيزاً قبل ذا غير هين. فكان له أهل يوفون حقه.. بهدى وتلقين وحسن تلقن. الإمام وأهل العلم أحلاس بيتهم..أما صار فرضاً رأب هذا التوهن. هلموا إلى بذل التعاون معه إنه.. بإهمال آثم على كل مؤمن. هلموا إلى أم القرى وتآمروا.. ولا تقنطوا من روع رب مهيمن. فإن الذى شادته الأسياف قبلكم.. هو اليوم لا يحتاج إلا الألسن".