المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

عاش "صادق".. رحيله "عَظُمَ".. و"جلال" فكره يخلده

 
   
12:18

http://anapress.net/a/151685231174340
780
مشاهدة


عاش "صادق".. رحيله "عَظُمَ".. و"جلال" فكره يخلده

حجم الخط:

"شكل علامة مميزة في الثقافة السورية والعربية في إعلائه شأن العقل والتفكير النقدي ومجادلة السالب والجامد من الأفكار السهلة واليقينية.. بمشاعر الحزن والألم نودع فقيدنا الكبير الدكتور صادق جلال العظم المفكر والأكاديمي والفيلسوف والإنسان الجريء والنزيه والصادق".. بتلك الكلمات نعت المعارضة والكاتبة السورية سميرة المسالمة.

رحل الصادق وترك لنا تراثًا غنيًا وعميقا في الفلسفة والمجادلات الأدبية والسياسية في كتبه المتميزة، من بينها (نقد الفكر الديني)، و(النقد الذاتي بعد الهزيمة)، و(دفاعًا عن المادية والتاريخ)، و(نقد ذهنية التحريم)، و(الاستشراق معكوسا)، و(الحب العذري).

 

ظل صوتًا متفردًا ضد الطغيان بكل ألوانه.. كان يتعايش بحرقه مع ما يعانيه شعبه من نظام الاستبداد

فوق كل ذلك فقد ظل الصادق النبيل صوتًا متفردًا ضد الطغيان بكل ألوانه، وكان يتعايش بحرقة مع ما يعانيه شعبه من نظام الاستبداد؛ لذا "وقف مع ثورة الحرية والكرامة بكل جوانحه ومن دون أية تحفظات"؛ إذ كان يرى فيها تلك اللحظة التاريخية التي طالما حلم بها، وطالما خفق قلبه لها متمثلا في ذلك الموقف الاخلاقي والنقدي للمثقف الحقيقي.

هو صادق جلال العظم، ذلك المفكر العربي السوري، الذي توفي (الأحد) عن عمر ناهز الـ 82 عاماً، وكان يخضع للعلاج في أحد مستشفيات برلين بألمانيا، حيث فشلت عملية استئصال الورم الخبيث في المخ. ويعتبر العظم -المولود بدمشق في العام 1934-من أبرز المفكرين السوريين، وكان قد انحاز لحراك الشعب السوري ضد نظام الاستبداد منذ اللحظة الأولى.

من أشهر كلماته المرتبطة بالثورة السورية: "الثورة السورية هي ثورة، سواء تأسلمت أو تعلمنت.. هي كاشف أخلاقي وإنساني وثقافي لكل البديهيات القديمة.. هي ثورة ضد التبرير والقبول الكاذب لواحد من أكثر الانظمة الشمولية تفسخا وعنفا.. كل من هو منخرط في جوهرها لا يخشى منها ولا يخشى عليها . كل من هو جالس على حافتها …سيصيبه الرعب منها، أصلا الرعب واحد من أهم سمات الثورات.. الثورة السورية هي من أعمق ما قامت به جماعة بشرية في منطقة جغرافية على امتداد العالم.. توقيفها مستحيل، ببساطة لأنها نضجت بفعل الزمن، ولا أحد يستطيع إيقاف الزمن .. وأنا العبد الفقير لله وحرية الإنسان سأبقى معها  حتى لو التهمتني، حتى لو كنت من ضحاياها، حتى لو دفعت الثمن غاليا جداً لا يقل عن حياتي".

"هذه ثورة حق وموعدنا دمشق إن كُتب لي عمر فتفاءل"، كذلك قال العظم –قبل وفاته، للإعلامي السوري موسى العمر. فالعظم كان من أشد المؤيدين لثورة الشعب السوري . ومن ثمّ حرص الكثيرون على نعيه باعتبار أن رحيله خسارة كبيرة للفكر العربي.، فلقد "خسرنا اليوم قامة من قامات السوريين، ورائداً من مفكريها، ومناصراً للحرية والعدالة الانسانية. ساهم بكل ما يملك من قدرات في نصرة المظلومين والفقراء، وكان معارضاً للنظام الدكتاتوري طول حياته، ومساهماً في نشر المعرفة والعلم"، وفق ما قاله رئيس الائتلاف الوطني السوري السابق هادي البحرة المفكر الكبير صادق جلال العظم.

ونعاه الشارع السوري نوري الجراح قائلًا: "صادق جلال العظم، أيها المفكر المناضل في الطليعة من سؤال العقل والسؤال لأجل الحرية، لقد خسرت معركتك مع المرض، ولكنك ربحت وجودك في صفوف المدافعين عن أنبل وأعظم ثورات العصر، الثورة السورية الكبرى لاجل الحرية والكرامة. لا أقول وداعاً، فأنت دائما ستكون حيًا في مستقبل شعبك".

تخرّج العظم بدرجة امتياز في قسم الفلسفة في الجامعة الأميركية ببيروت عام 1957، وحصل بعدها على الدكتوراه من جامعة "ييل" في الولايات المتحدة الأميركية باختصاص الفلسفة المعاصرة، حيث قدّم أطروحته حول الفيلسوف الفرنسي "هنري برغسون". وشغل عدّة مناصب، من أهمها أستاذ للفلسفة والفكر العربي الحديث والمعاصر في جامعة نيويورك والجامعة الأميركية في بيروت التي سيُفصل منها لاحقاً بعد الضجة الكبيرة التي أثارها صدور كتابه نقد الفكر الديني ثم يغادر بيروت التي سُجن فيها لمدة بسيطة على خلفية هذا الكتاب للتدريس في الجامعة الأردنيّة، قبل أن يعود إلى دمشق ليعمل أستاذاً في جامعتها.

 

الثورة هي ثورة، سواء تأسلمت أو تعلمنت.. هي كاشف أخلاقي وإنساني وثقافي لكل البديهات القديمة 
 العظم

وترأّس صادق جلال العظم تحرير مجلة الدراسات العربية الصادرة في بيروت، ثم شغل منصب رئيس قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية في كلية الآداب بدمشق بين عامي" 1993-1998". أما بعد تقاعده تنقل العظم بين جامعات عدّة في العالم، حيث عمل أستاذاً في جامعتي برنستون وهارفارد في أميركا، وفي جامعات هامبورغ وهومبولت وأولدنبورغ في ألمانيا، وفي جامعة توهوكو في اليابان وفي جامعة أنتويرب في بلجيكا، وهو عضو في أكاديمية العلوم والآداب الأوروبية، ومن أهم المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم العربي.

"جئت لا لأمتدح العولمة أو لأهجوها أو لأدفنها حية أو ميتة بل لأفهمها ، أقول هذا لأن الذين حاولوا تغيير العالم عندنا كثرة كثيرة، لكن المطلوب في هذه اللحظة على ما يبدو لي هو فهم العالم وتفسيره بشكل أفضل، وربما قبل فوات الأوان"، كذلك قال العظم في أحد أعماله، ملخصًا منهجه وما يصبو إليه. وخاض العظم في عمليه "نقد الفكر الديني" و"النقد الذاتي بعد الهزيمة"، مواجهات قوية وعنيفة مع الأنظمة السلطوية الأبوية. وحاول من خلالهما تعرية التناقضات الموجودة في الواقع العربي.

حاز العظم عدّة جوائز دوليّة، كان آخرها "وسام الشرف الألماني" من معهد غوته الألماني في الـ9 من حزيران/يونيو 2015، كما نال جائزة ليوبولد لوكاش للتفوق العلمي سنة 2004، والتي تمنحها جامعة توبينغن في ألمانيا وجائزة إيرازموس الشهيرة في هولندا.

وفي العام 1969 نشر الدكتور صادق جلال العظم كتابه الشهير "نقد الفكر الديني"، الذي أثار ولا يزال عاصفة كبرى من النقد المؤيد أو المعارض في العالم العربي والإسلامي، وتعرض كاتب الكتاب وناشره إلى المحاكمة والملاحقات القانونية في بيروت، بحجة إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعنصرية، أو الحضّ على النزاع بين مختلف طوائف الأمة أو تحقير الأديان، بالرغم من أن الكتاب كما جاء في حيثيات الحكم الصادر بحق العظم يضم مقالات، ما هي إلا "أبحاث علمية فلسفية تتضمن نقداً علمياً فلسفياً".

ومن أهم مؤلفات الدكتور صادق جلال العظم الحب والحب العذري، وفلسفة الأخلاق عند هنري برغسون، ودراسات في الفلسفة الغربية الحديثة، والنقد الذاتي بعد الهزيمة. ونقد الفكر الديني، ودراسات يسارية حول القضية الفلسطينية، والصهيونية والصراع الطبقي، وزيارة السادات وبؤس السلام العادل، والاستشراق والاستشراق معكوساً.