http://anapress.net/a/204737306707623
تعيد الوالدة ترتيب خصلات الشعر المتدلّية على وجه "ابتسام" ذات الست سنوات وهي تنظر إلى وجهها الذي بدا شاحبا أرهقه المرض، بينما تستلقي "سيدرا" ذات الثمانية عشر شهراً في فراشها لا تكاد تقوى على الحراك وقد شحب وجهها أيضاً، أمّا الطفلان الآخران فقد استعدّا للذهاب إلى المدرسة غير مدركين معاناة الوالدة التي أصبحت أقصى أمانيها أن تعيش "ابتسام" و "سيدرا" كما يعيش باقي إخوتها.
"تحتاج ابتسام وسيدرا إلى عمليّة نقل دم كل 20 يوماً، ولا علاج لمشكلتهم سوى بإجراء عمليّة زرع نقي عظام" هكذا بدأت أمّ محمّد التي تقطن في غرفة لا تكاد تتّسع لهم في دار الحمزة للإيواء المؤقّت بمدينة غازي عينتاب التركيّة، بشرح مرض طفلتيها، مضيفة أنّ هذا المرض نادر الحدوث، إذ لا يستطيع الجسم إنتاج كريّات الدم الحمراء وبالتالي لا حلّ إلّا بعمليّة تبديل الدم بشكل دوري، أي أنّه شبيه بـ "التلاسيما" لكنّه أشد خطراً.
وتروي أمّ محمّد معاناتهم مع مرض أطفالهم في الداخل السوري إذ لم يعد بالإمكان متابعة الوضع الصّحي لأطفالهم بسبب عجز المشافي عن تأمين الاحتياجات الطبيّة لهكذا حالات، مما اضطرّهم الخروج إلى تركيا بالرغم من ضيق ذات اليد.
"أبو محمّد يعمل في أحد المصانع التركيّة ويتقاضى 175 ليرة أسبوعيّاً، أي أنّها لا تكاد تكفي قوت يومه ناهيك عن العلاج والمواصلات واحتياجات المدارس وغيرها" تقول أمّ محمّد، مستطردة أنّ الغياب عن العمل في اليوم المحدّد لإجراء نقل الدم للأطفال يعرّضه للفصل من عمله ليدخل في رحلة جديدة للبحث
منظّمات بالمئات.. والخدمات معدومة
تترامى المنظّمات السّوريّة المتخصّصة بالشأن الطبّي في جميع مدن تركيا عامّة وفي عينتاب خاصّة، إلا أنّ أيّ منها لم يتدخّل لإنهاء معاناة الطفلتين (ابتسام وسيدرا) بالرغم من خطورة وضعيهما وحاجتهما الماسّة لإجراء عمليّة زرع نقي عظام.
ولا يقتصر الأمر على حالة الطفلتين، إنّما يؤكّد العديد من السّوريين أن هناك مئات الحالات الصعبة لا تلق الرعاية والاهتمام الطبي لا من قبل الحكومة المؤقّتة ولا من قبل المنظّمات السّوريّة المتخصّصة إلّا عن طريق الواسطة أو على أساس مناطقي مما يزيد في تفاقم الحالات أو الوفاة أحياناً، فالإهمال من جانب المؤسّسات السوريّة.
وما زال البحث جاريا
محاولات حثيثة تقوم بها إدارة دار الحمزة للإيواء من أجل الوصول إلى حل ينهي مأساة الطفلتين، إلا أنّ إنهاء مأساتهما تحتاج إلى تكاتف للجهود، وإلى ضمير حيّ مازال ينبض بالإنسانيّة، بعيداً عن تقديم الخدمات المقرونة بالمصالح أو المناطقيّة أو الواسطة.
خرجنا من دار الإيواء تاركين أمّ محمّد ترنوا بنظراتها إلى وجه "ابتسام" الشاحب وقد حان موعد عمليّة تبديل الدم، بينما تمسح بيدها على رأس "سيدرا" التي تحتاج هي الأخرى لذات العمليّة، ولعلّ لسان حالها يقول، أما من منقذ لهاتان الشمعتان قبل أن ينطفئا؟!!