http://anapress.net/a/121989045022158
رغم الدمار الذي لحق بجميع مناحي الحياة في سوريا وقضى على الأخضر واليابس، ورغم ما يعانيه السوريون يوميًا من قتل وتشريد، ثمة سوريون أصروا على الحياة والمواجهة وإن كانت أسلحتهم "ناعمة" لن تقتل أحدًا، ولكنها ربما تفتح ذلك الجُرح الغائر لتقرر أنها لن تستسلم بأي حال من الأحوال، من هؤلاء المقاتلين على جبهة الفن "الأخوان ملص" اللذان أصرا على أن يقدما أعمالًا فنية كان الجُرح السوري علامة رئيسية فيها.
بدأ الأخوان محمد وأحمد ملص رحلتهم الفنية باكرًا، فبعدما شاهدا أول عرض مسرحي في العام 1997، وبعد حصولهما على البكالوريا قررا أن يصبحا ممثلين. تقدما للمعهد العالي للفنون المسرحية في سوريا والتابع للحكومة السورية، إلا أنه تم رفضهما لثلاث سنوات متتالية. لم يكن ذلك نهاية لحلمهما المشترك إذ قررا أن يتجها إلى الاجتهاد الشخصي من قراءة إلى تمارين الصوت والجسد، إلى أن جاءت فرصة افتتاح معهد خاص ودرسا لأول مرة مع المخرج العراقي باسم قهار ثم درسا مع الأستاذة نائلة الأطرش في معهد أورنينا وتخرجا في عام 2006.
مسيرة فنية حافلة اتخذت من الألم السوري متكأ لها في عدد من الأعمال التي نجحت في الوصول لعدد كبير من جمهور المشاهدين، فضلًا عن الحصول على عدة جوائز. بعد التخرج قام الأخوان بعمل عدة ورشات تمثيل مع الأساتذة أمل عمران، ياسر عبد اللطيف، رأفت الزاقوت، وقاما بعدة ورشات في فن التمثيل والجسد، فضلًا عن تطوير تجربتهما أيضاً في اتجاه ورشة السيناريو مع الكاتب موفق مسعود، وبعد 13 عامًا من التدريب المضني قررا أن يصنعا تجربتهما الخاصة والمستقلة بعيدًا عن أي محسوبيات.
بدأ الأخوان ملص عملهما الفني في "مسرح الغرفة" في العام 2009 ، ليتم ترشيحهما لموسوعة " غينس" كأصغر خشبة مسرح في العالم. بعد ذلك استمرت تجاربهما في عالم المسرح، حتى بدأت الثورة.. وكان ختام عروضهما في دمشق عرض مسرحية "الثورة غداً تؤجل إلى البارحة " في فرع الأمن الجنائي بعد اعتقالهما في مظاهرة الميدان.
https://www.youtube.com/watch?v=sOjuA3eABmA
بعد قيام الثورة وعقب مغادرة الأخوين لبلدهما سوريا وفقدانهما لمسرحمها الصغير، استغلا الكاميرا الصغيرة التي بحوزتهما في العمل كمنبر حر ومستقل بعيدًا عن المحسوبيات، فقاما بإنشاء قناة على اليوتيوب وعملا عليها لمدة أربع سنوات بالإضافة إلى سفرهما لعرض مسرحياتهما القصيرة التي تخص الثورة في أميركا وفرنسا وبرشلونة وسويسرا وقطر والسودان وغير ذلك من الدول. في عام 2014، أصبح للأخوين ملص كاميرا احترافية مكنتهما من صنع أفلام خاصة بهما، ليعودا إلى مدينة معرة النعمان المحررة في سوريا والتصوير هناك.
طوال فترة عملهما الفني، أنجز الأخوان ملص عددًا كبيرًا من الأعمال الفنية سواء المسرحية أو السينمائية، منها مسرحية "أرابيا" التي أخرجها باسم قهار عام 2004، ومسرحية "غيرة الباربوييه" من إخراج أمل عمران ورأفت الزاقوت عام 2007، و"الجمعية الأدبية" عام 2008 لـلمخرج رأفت الزاقوت، ومن خلال مسرح الغرفة كان لهما عدد من الأعمال المسرحية قبل الثورة من أبرزها "الثورة غداً تؤجل إلى البارحة" والتي كان عرضها الأخير بالسجن- فرع الأمن الجنائي.
https://www.youtube.com/watch?v=uSiRNg7i6JU
في السنوات التي تلت قيام الثورة السورية، قدم الأخوان عددًا من الأعمال على اليوتيوب منها مسلسل "ثورة ضوء" عام 2013، كما كانت لهما عدد من المشاركات كممثلين في عدد من الأفلام السينمائية مثل "باب شرقي" لأحمد عاطف في مصر، "وجوه" لغطفان غنوم في فنلندا، و"أنا لا أحب السكر" لوسيم قشلان في السويد.
في الوقت الراهن، يركز الأخوان في عملهما المسرحي على قضايا ومشاكل اللجوء، ففي مسرحية "سفرة بلا سفر" حديث عن اللاجئين السوريين في الزعتري واللاجئين العراقيين في مدينة الفحيص، ثم في مسرحية "اللاجئان" حديث عن اللجوء في فرنسا.
يقول أحمد ملص عن تلك التجربة المسرحية التي اتخذت من مشاكل اللجوء موضوعًا لها "في المسرحيتين لم نحدد الزمان والمكان بشكل مباشر لأن مأساة اللجوء مأساة عالمية على مدى التاريخ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفرق بين لجوء فرنسا ولجوء الأردن، كالفرق بين الجنة والجحيم حتماً.. ولكن كارثة اللجوء تستحق أن تكون موضوع الفن في هذه الأيام، نحن نسعى أن لا نكون لاجئين لا أن نجد حلول لــلجوء ".
حصل الأخوان ملص على عدد كبير من الجوائز على عدة أعمال فنية قدموها؛ ومنها فيلم "البحث عن عباس كيارستامي" الذي نال جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان هوليود انترناشونال أون لاين، وجائزة أفضل سيناريو في مهرجان تهارقا من السودان، وأفضل فيلم في مهرجان الاسكندرية للأفلام القصيرة في مصر. فيما نال فيلم "أيام الكرز" جائزة أفضل فيلم في مهرجان لوس انجلوس الشهري و مرشح للجائزة السنوية، وحصل فيلم "كأس العالم" على جائزة شمال أميركا وجائزة البرونزية في أميركا وكندا، وغير ذلك من الجوائز لعدد من الأعمال الفنية المميزة.
https://www.youtube.com/watch?v=LyFWhja0yX8
يستعد الأخوان ملص للعرض المسرحي لمسرحية "اللاجئان"، ويقول أحمد ملص عنها "هي مسرحية نتحدث بها باللغة الفرنسية لمدة 70 دقيقة، وهي أول مسرحية لنا باللغة الفرنسية، التي سنقوم بعرضها الافتتاحي في مهرجان غرونوبل المسرحي في 16 من هذا الشهر " نوفمبر".
ويختتم أحمد ملص حديثه معنا قائلًا "أمنياتنا الوصول إلى أبعد مدى ممكن، ونخطط للتركيز حالياً على مسرحية "اللاجئان" لأننا منذ ١٠ شهور نعمل عليها بالإضافة إلى العمل على مونتاج فيلم وثائقي قصير جديد اسمه " ريتشارد الثالث " وعلى اليوتيوب.. نحن نحضر للموسم الثالث من مسلسلنا " ثورة ضوء". ويضيف: أمنياتنا .. كما قال الشاعر امرؤ القيس .. لو أني أسعى إلى أدنى معيشةٍ .. كفاني ولم أطلب قليلاً من المالِ ولكنما أسعى إلى مجدٍ مؤثلٍ.. وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي".