المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

"سوريا درب الألم نحو الحرية" لعزمي بشارة.. استنتاجات ضعيفة نتيجة معلومات خاطئة

 
   
18:38

http://anapress.net/a/185190017456816
937
مشاهدة


"سوريا درب الألم نحو الحرية" لعزمي بشارة.. استنتاجات ضعيفة نتيجة معلومات خاطئة
عزمي بشارة- أرشيفية

حجم الخط:

لا أبالغ في القول حين أتحدّث عن قراءتي لأكثر من نصف ماكتبه المفكر العربي الفلسطيني "عزمي بشارة" ومشاهدتي أغلب ندواته ومحاضراته، بل وإيماني بالكثير من أفكاره وطروحاته. كلّ هذا فضلاً عن كوني ابن الثورة السوريّة، التي عاصرت إرهاصاتها وانطلاقتها، واهتممت بأدقّ تفاصيلها، دفعني لقراءة كتابه الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات تحت عنوان "سوريا درب الألم نحو الحريّة"، والتركيز أكثر على  القسم الثاني من الفصل الثالث ص(144-153) كونه يخص مدينتي دير الزور.

أستطيع القول إنّ أكثر من نصف ماذكر في هذا القسم لم يكن مبنيّاً على مصادر مطّلعة على مجريات الأحداث في تلك الفترة، وهذا ما أضعف صحّة المعلومات الواردة!

لقد لخّص الكتاب أسباب قيام الثورة في دير الزور بأربعة دوافع :

فالدافع الأوّل "يتعلّق بالجفاف وغياب اهتمام الدولة ما أدّى إلى انتشار البطالة بين الشبّان"، وهنا يجب التوضيح أنّ الجفاف كان في ريف دير الزور الشمالي الواقع على نهر الخابور الذي لم ينخرط في الثورة حتّى وقت متأخر من انطلاقتها، ولم يتأثّر بالجفاف كل من الريفين الشرقي والغربي الواقعان على سرير نهر الفرات وكان لهما دور أبرز في الشارع الثائر بمحافظة دير الزور، ناهيك عن أنّ الثقل الثوري في محافظة دير الزور تمركز في المدن ثمّ امتدّ إلى الأرياف، وبحكم أنّ أبناء المدن أصلاً لا يعملون بالزراعة، فإنّ هذا العامل لم يكن أبداً أحد أسباب الحراك في دير الزور.

أمّا االدافع الثاني فهو "شعور أبناء دير الزور بالغبن بسبب عدم ظهور آثار الإيرادات النفطيّة المستخرجة من أرضها في الخدمات والتنمية والتشغيل في المدينة"، وهنا أيضا يمكنني القول أنّ هذا الشعور بالفعل كان سائداً بين أبناء دير الزور، إلا أنّه لم يكن أبداً من عوامل انطلاق الاحتجاجات في دير الزور، فبالرغم من انخراط بعض العاطلين عن العمل في الاحتجاجات منذ انطلاقتها، إلا أنّ حملة الشهادات الجامعيّة من مدرّسين ومهندسين ومحامين وأطبّاء إضافة إلى بعض التجّار والصناعيين كانوا يشكّلون الغالبيّة العظمى من المحتجّين، وهذا بحدّ ذاته ينفي أنّ التظاهرات كانت لأسباب معيشية وعدم إيجاد فرص عمل أو خدمات، وهذا مايؤكّده أحد كبار الضبّاط المنشقّين من فرع الأمن السياسي بدير الزور، إذ يقول أنّه من بين أحد عشر معتقلاً عقب المظاهرة الأولى في 25 آذار/مارس 2011 كان عشرة منهم موظّفون وحملة شهادات جامعيّة.

الدافع الثالث الذي أورده الكتاب هو "الدوافع السياسيّة بحكم ارتدادات المشهد العراقي على مدن المنطقة الشرقيّة، الأمر الذي جعل تحالفات النظام الخارجيّة، خصوصا مع إيران، ومن ثمّ الانفتاح على حكومة نوري المالكي في العراق، محلّ انتقاد واحتقان في أوساط سكّان المنطقة الشرقيّة". وعلى الرغم من أن المنطقة الشرقية -لاسيما دير الزور- متأثرة عاطفياً ووجدانيّا بالعراق، ولها امتدادات عشائريّة ومصاهرات، إلا أنّ الاحتجاجات في دير الزور لم تأت بناء على ذلك، بل كانت نتيجة تأثّر الشعب السوري عامّة بالربيع العربي بشكل مباشر، ولا سيما الثورتين المصريّة والتونسيّة، وعزّز ذلك احتجاجات درعا التي كان لها دور كبير في استنهاض المنطقة، وهذا ما أكّده كثير من أوائل المتظاهرين شاركوا بالاحتجاجات.

الدافع الرابع كما ذكر في الكتاب هو "دخول اللاعب العشائري في مرحلة لاحقة، ومشاركة رؤساء العشائر مثل نواف البشير وآل دندل" وهنا لابدّ من التنويه إلى أنّ من يقرأ بحث "أبناء العشائر في دير الزور من الاستقرار إلى الثورة، ديناميكيات الصراع وعوامل السلم الأهلي" للباحث فيصل دهموش والصادر عن منظّمة العدالة من أجل الحياة، يدرك تماما أنّ الثورة أدّت لتصدّع البنية الداخليّة للعشيرة في دير الزور، وهذا يعني أنّ الثورة هي من أثرت بالعشيرة وليس العكس، وشيخ العشيرة لم يعد قادراً على استنهاض عشيرته أو فرض مايريده على أبنائها، فضلاً عن أنّ أبناء العشائر انضمّوا للاحتجاجات بفضل جهود النخبة المثقّفة في العشيرة وليس بسبب تبعيّتهم لما يريده شيخ العشيرة، وأمّا بخصوص "نواف البشير" فكان استقباله في المدينة حافلاً لتاريخه السياسي وليس بسبب بعده العشائري، ولا بدّ هنا من ذكر هتاف تمّ ترديده قبل ذلك في اعتصام "حي البوسرايا" بنهاية شهر أيار من عام 2011 "وين النخوة يانواف" في إشارة إلى أنّه لم يستطع استنهاض عشيرته, والتي كانت مشاركة أفرادها كذلك نتيجة جهود مثقّفيها وليس شيخ العشيرة، ووكذلك الهتافات التي أطلقت في دوّار المدلجي وقد حيّت مشاركة النساء واعتبرتهم أشجع من شيوخ العشائر، كهتاف "لا مهنّا ولا جدعان، إحنا شيوخنا نسوان" في إشارة للشيخين "مهنّا الفيّاض" وخليل الجدعان".

وأمّا فيما يخص انشقاق السفير "نوّاف الفارس" فلم يكن بسبب اللاعب العشائري، وهذا مانفاه السفير نفسه، خلال اتّصال هاتفي، مؤكّداً أنّ انشقاقه كان نتيجة طبيعيّة لطريقة تعاطي النظام العنيفة مع الثورة السوريّة.

على أيّة حال، فإنّ العوامل التي ذكرها الكتاب هي عوامل مزمنة لم تكن سبباً مباشراً في انطلاق الاحتجاجات بدير الزور، والأسباب الرئيسيّة كانت المطالبة بالحريّات العامّة والإفراج عن المعتقلين السياسيين فضلاً عن تأثير رياح التغيير التي انطلقت من تونس ومصر، إضافة للشرارة التي انطلقت من محافظة درعا، وهذا مايؤكّده هتافات المتظاهرين، لاسيما الهتاف الذي كان يردّده الناشط "عمر هزّاع" والذي كان يقول في مقتطفات منه باللهجة الديريّة:

الحريّة نادت ياديري .. والله مايشعلها غيري

مطلب كل المجتمعين .. بدنا كل المعتقلين

يا أسد وياكذّاب .. بدنا قانون الأحزاب

مابدنا البعثي يحكمنا .. بدنا دستور يوحّدنا

ياخاين يا ابن الخاين .. الغي القانون الثامن

بدنا حريّة إعلام .. مابدنا كلاب النظام

فكّك الفروع الأمنيّة .. اشتاقينا لزمن الحريّة

قانون الطوارئ باطل .. الغي هالقانون الفاشل

معلومات خاطئة

يقترب التحليل من الصواب عندما تكون المعلومات المتوفّرة أصلاً صحيحة، وهذا ما أثّر على دقّة الاستنتاجات بالقسم الخاص بمحافظة دير الزور في كتاب الدكتور عزمي بشارة، إذ إنّ المعلومات التي حصل عليها –ولا أعرف من أين استقاها- كانت في معظمها خاطئة، ومن هنا أقف عن متابعة نقد التحليل لأذكر بعض المعلومات الخاطئة التي اعتمد الكتاب عليها لبناء الرؤية حول المدينة

1- في الصفحة 146 يقول الكتاب إنّ عدد المتظاهرين لم يتجاوز 50 متظاهراً! إلا أنّه في الواقع لم تكن المظاهرة التي تحدّث عنها الكاتب هي الوحيدة، بل انطلقت مظاهرة أخرى في حي الجورة وكان تعداد المظاهرتين يصل لنحو 200 متظاهر، فضلاً عن محاولة ثالثة للتظاهر قمعت قبل أن تنطلق واعتقل الذين حاولوا إطلاقها، ووصل عدد المعتقلين على إثر تلك المظاهرات لنحو 40 معتقلا، خرجوا في ذات يوم اعتقالهم، كان في فرع الأمن السياسي وحده 11 معتقلاً بحسب رئيس فرع الأمن السياسي بدير الزور الذي انشق عن نظام الأسد في عام 2012، ناهيك عن باقي الفروع الأمنيّة

2- يذكر الكتاب في الصفحة 147 أنّ "الانتفاضة التي خرجت في درعا باعتبارها حركة أهليّة ضد الظلم لم تلق صدى لدى أهالي دير الزور في البداية، وأنّ التظاهرات "المحدودة" التي كانت تخرج وترفع شعارات تضامنيّة مع درعا كانت تعبّر عن مجموعات شبابيّة راغبة في الاحتجاج على النظام الحاكم، لدوافع سياسية تتعلق برفض الاستبداد، وتتعدّى البعد التضامني المرفوع في الشعارات" ووضع الكاتب هامشا يحمل الرقم 20 لرابط تظاهرة في جمعة الصمود في 8-نيسان من عام 2011، بينما الواقع يقول أنّ انتفاضة دير الزور وإن كانت سياسيّة بطابعها العام، إلا أنّه كان لانتفاضة درعا صدى كبير في دير الزور، وهذا مايؤكّده مقطع الفيديو المنشور على موقع التواصل الاجتماعي يوتيوب لأوّل مظاهرة خرجت بدير الزور في 25 – 3 - 2011، وكان الهتاف الأوّل هو "بالروح، بالدم، نفديك يا درعا  

https://youtu.be/i0cZkSDO9N4

3- في الصفحة 148 يذكر الكتاب أنّ النظام سعى لخلق علاقات مصاهرة بين العائلة الحاكمة في سوريا وعشائر المنطقة الشرقيّة، وأوضّح ذلك في الهامش رقم 21 وأنّ من أبرز المصاهرات هو زواج ماهر الأسد شقيق بشار الأسد، من منال الجدعان إحدى بنات عشيرة العقيدات، وهذا مانفاه عدد من شيوخ ووجهاء العشيرة، مؤكّدين أنّ منال الجدعان لاتنتمي للعقيدات أصلاً، وهذا ماتؤكّده صورة عن تذكرة هويّة لـ"محمد توفيق جدعان" والد منال، التي توضّح أنّه من مواليد دمشق عام 1935 ومحلّ قيده القنوات-باب سريجة

4- يذكر الكتاب في الصفحة 149 أنّ الشهيد الأوّل نتيجة السلوك الأمني في دير الزور هو "عجيل أحمد العجيل" في 1 أيار من عام 2011، بينما في الواقع أنّ عجيل العجيل هو أحد تجّار الخضار الذي قتل في حمص مع شخصين آخرين بظروف غامضة ولا يُستبعد أن يكون المسؤول عن مقتله ورفاقه أحدُ الحواجز الأمنية، إلا أن أوّل شهيد من دير الزور قتل في مظاهرة هو الدكتور مرفق سليمان من عشيرة البقارة، حيث استشهد في حي برزة بدمشق يوم الجمعة العظيمة في 22 نيسان من عام 2011، وأمّا أوّل شهيد سقط على أرض دير الزور نتيجة السلوك الأمني هو "معاذ الركّاض" في 3 حزيران من عام 2011

5- أيضاً ذكر الكتاب أنّ الاعتصام المفتوح بدير الزور بدأ في 6 أيّار واستشهد خلاله 4 محتجّين من دير الزور، بينما الحادثة الحقيقيّة هي أن اعتقال الناشط "أكرم العسّاف" في هذا اليوم شكّل نقطة فارقة في تاريخ دير الزور –بحسب نشطاء - إذ تحوّلت المظاهرات من مرّة واحدة كلّ يوم جمعة، إلى اعتصام دام ثلاثة أيام في حي المطار القديم، وحينها لم يرتق أيّ شهيد، رغم أن الاعتصام فض بالقوة وبالذخيرة الحية

6- في الصفحة 151 يتحّدث الكتاب عن اجتماع لوجهاء العشائر عقد مع بشار الأسد في 3 أيار/مايو من عام 2011 وفي الهامش رقم 30 ذكرت من بين الشخصيات العشائريّة أحمد العبود ومحمد الفتيح وراغد القدوري، علما أنّ هؤلاء يعتبرون من أبناء المدينة ولا يمثّلون أي ثقل عشائري في المنطقة

هذه المغالطات غيض من فيض وردت في القسم الخاص عن دير الزور ضمن الكتاب، إلا أنّني لا أتّفق مع من اعتبر أنّ الدكتور "عزمي بشارة" تعمّد ذلك في كتابه، لكنّه يتحمّل جزء من المسؤوليّة باعتباره لم يتأكّد يقيناً من المعلومات الواردة في الكتاب ودقّة مصادرها، فالتأريخ لحقبة ما، تحتاج لجهد أكبر من ذلك، والمسؤوليّة أيضا تقع على تلك المصادر التي أعطت المعلومات للكاتب والباحثين الذين قاموا بجمع المعلومات دون التحقق منها أيضاً.