http://anapress.net/a/207377206390331
قال المفكر السوري برهان غليون إن "النخب العربية قد أثبتت في السنوات العاصفة الماضية غربتها في مجتمعاتها وجهلها للديناميات العميقة التي تحرك المجتمعات، وانفصالها عن هذه الأخيرة، وتشوش سياساتها وأفكارها".
وتابع –في تصريحات لـ "أنا برس" قائلًا: وليس من الصعب تبيان مدى الهشاشة التي تميز بها وعيها، وافتقارها إلى الحد الأدنى من الوحدة والتفاهم والتعاون للنجاح في بلورة خيارات واضحة لشعوبها.
لقد أظهرت سنوات الثورة، والأزمة العميقة التي مثلتها، مدى تخبط هذه النخب وافتقارها لهوية واضحة، وعجزها عن اللحاق بحركة مجتمعاتها. وبسبب ذلك، وخوفا من أن تفقد السيطرة، عادت إلى التوافق على لعبتها القديمة الدائمة، وهي استخدام القوة لضبط هذه الحركة وتوسيع دائرة استخدام العنف اللفظي والايديولوجي والسياسي والعسكري. بدل أن تبدل سلوكها وتتعلم التواصل مع الشعب وقيادته بمسؤولية وتطمينه وفتح أبواب التقدم أمامه فضلت، وسوف تفعل أكثر في المستقبل، إقصاءه، واذا أمكن، كما حاول نظام الأسد، استبداله من خلال عمليات تطهير واستئصال وتغيير ديمغرافي بهدف تفكيكه وفصم عراه وقطع الروابط التي تجمع بين أعضائه، من اي نوع كانت.
وتابع: وإذا استمرت النخب العربية على خياراتها هذه فهي تحكم على نفسها بالموت، ولن يكون البديل بالضرورة نخبا جديدة أكثر كفاءة وشعورا بالمسؤولية ولكن دورة طويلة من العنف والفوضى قبل أن تخرج من داخل الشعب فئات جديدة أكثر قدرة على تمثيله والشعور بآلامه والتعبير عن آماله.
وفي سياق متصل، شدد غليون –الذي أطلق موقعه الخاص على شبكة الانترنت قبل أسابيع قليلة ويتضمن مقالاته وأبحاثه- على أن وضع المجتمعات العربية كان مأساويا وانفجاريا قبل ثورات الربيع العربي التي لم تكن تهدف إلى شيء آخر سوى كسر القيود التي كبلت هذه المجتمعات وعطلت طاقاتها وحرمتها حتى من الانتقال من حالة رميم من الافراد المنخلعين عن أطرهم القديمة والمرميين في الفراغ، أي أيضا في اليأس والقطيعة والضياع، إلى شعوب ومجتمعات حية ومتفاعلة ومنتجة. لكنها بعد إجهاضها، بوسائل وبتحالفات مختلفة ومتعددة، محلية ودولية، أصبحت أوضاعها مفتوحة على كل الاحتمالات.
وبعد هذا الانفجار الذي كان آخر صرخة ذات معنى ومطالب واضحة ومحددة وممكنة التحقيق، أي ذات مضمون سياسي واضح، بالرغم من الحماسة التي رافقته، لم يعد لدى شعوبنا خيارات كثيرة بديلة.
وأفاد بأن الطغم الحاكمة تتاجر اليوم بالارهاب، وتستخدمه لتبرر المزيد من القمع وتقييد الشعوب وحرمانها من الحرية المؤسسة لأي شعور بالمسؤولية الجماعية ولأي فعل اجتماعي ذي معنى ومدلول انساني، وتقنع نفسها بأنها تستطيع أن تلعب بهذه الورقة إلى النهاية كي تكسب دعم المجتمع الدولي ضد شعوبها.
وهي لا تؤمن في الواقع مقدار ذرة بهذه الشعوب ولا بقدرتها على التطور والتحول والنهوض، ولكنها تعتقد بأنها تستطيع، بالتلويح بورقة التطرف والارهاب في وجه الرأي العام الداخلي والدولي، كسب المعركة السياسية، وتجنب اي مساءلة اخلاقية أو قانونية عن خنقها مجتمعات بأكملها وتحويلها إلى خزان للكراهية والحقد والانتقام، ومستودعات جاهزة لتوريد المهاجرين واللاجئين القادمين. لكنها تخطيء خطأ جسيما.
وقال المفكر السوري إنها تحفر قبرها بيدها لأنها لن تجد أمامها، بعد فترة، سوى اشكال أكثر شراسة وقذارة من الارهاب والتطرف الذي لم تشهد له مثيلا من قبل. ما بعد ثورات الربيع العربي سيشكل حقبة من أكثر الحقب التاريخية التي تواجه المثقفين والنخب العربية عموما بتدحيات غير مسبوقة، ومن كل الأنواع.
وكما حصل في الحقبة السابقة، سيحرم القمع وإغلاق الفضاء الفكري والسياسي المجتمعات من تكوين رأي عام نشط وقادر على التدخل والاصلاح. في نظري أن ثورات الربيع العربي ستكون، للأسف، انتفاضات بسيطة وغير ذات أهمية، بالمقارنة مع العواصف الثورية القادمة والتي لن تترك كثيرا مما نشهده اليوم في العالم العربي على حاله. بدل الثورة السياسية التي شهدناها في أكثر من بلد عربي وكان من الممكن بسهولة السيطرة عليها وتوجيهها نحو إصلاح البني السياسية والاجتماعية والتربوية وهياكل السلطة الدينية، سوف نجد أنفسنا أمام حروب أهلية طاحنة لا مخرج منها.
ورأى أن المواجهة السورية بين الشعب ونظام الطغيان، الذي تحول إلى نظام جماعة من القتلة وحلفاء للاحتلال، تقدم صورة عن النتائج الكارثية لقتل أي أمل بالخلاص عند الشعوب وإغلاق طريق التحرر الذاتي والتنمية الانسانية، تنمية قدرة الفرد، كل فرد، على التفكير والمشاركة في المسؤولية والاعتماد على الذات. وهذا هو الدافع الأول للعمل من أجل التحرر والحرية.
وقال إن ذلك هو موضوع انشغاله اليوم وفي السنوات القادمة، أي الجواب على سؤال : أي مستقبل للشعوب التي خسرت معركة الحرية وغرقت في اليأس والاحباط والاستسلام لمنطق العنف والقوة؟