المزيد  
الموت خارج أسوار الوطن
جهود مكافحة المحتوى الإرهابي عبر الإنترنت (فرص وعقبات)
سامو زين يوجه رسالة لبشار الأسد
أجواء رمضان بين الحاضر والماضي في سوريا
هل تتأثر سوريا بخلافات "التعاون الخليجي" الداخلية؟
قصة سوري فرقته الاتفاقيات عن عائلته
بعد بتر ساقيه صاحب المقولة المشهورة "يا بابا شيلني" يظهر بساقين بديلتين
هذا ما تطلبه المعارضة الإيرانية ضد الأسد وخامنئي

'أحفاد محفوظ'.. اقتفاء أثر أم استنساخ تجربة

 
   
10:44


'أحفاد محفوظ'.. اقتفاء أثر أم استنساخ تجربة

مازال النوبلي العربي الوحيد الأديب الراحل نجيب محفوظ يحظى بالعديد من الدراسات حول سيرته وأعماله التي شكلت علامة فارقة في تاريخ الأدب العربي، لما عرف به من دقة في الوصف وبلاغة في الأسلوب وجزالة في اللفظ، جعلته كاتبا يخرج من إطار المحلية ليرتقي إلى العالمية، وهذا بشهادة الكثير من النقّاد الذين مازالوا يحيطونه بمراجعاتهم النقدية، مكتشفين الكثير من زوايا أدب محفوظ التي ربما مازالت خفية إلى اليوم.

قدّم الناقد المصري صلاح فضل هذا العام ضمن مشروعه النقدي كتابا بعنوان”أحفاد محفوظ”ØŒ والذي قام على عرض مختارات من أعمال أدبية لجيلٍ من الرواة اعتبرهم أحفاد نجيب محفوظ بالتناسل الأدبي، لاختزالهم التجربة التقنية للأديب الكبير الحائز على جائزة نوبل للآداب في عام 1988 وكذا تجربة كبار الكتاب أيضًا. كما يقدم قراءة نقدية لعدد من أعمال “الأحفاد”.

نحو خمسين كاتبا وكاتبة يُلقي فضل الضوء على عددٍ من أعمالهم (نحو 60 نصًا) وتجربتهم الخاصة بوصفهم أحفاد محفوظ، موضحا “بوسعنا تقسيم القرن الزمني إلى ثلاث حقب متداخلة تحتوي ثلاثة أجيال متخارجة، فمحفوظ مثلًا ولد في أول العقد الثاني 1911 وتدفق إنتاجه بغزارة في عقود منتصف القرن منذ الأربعينات وتلاه جيل الستينات الذي شغل الفضاء الإبداعي في العقود الأخيرة من القرن، أما الجيل الثالث -وهم الأحفاد الذين أعنيهم- فقد بدأوا النشر في التسعينات وتتراوح أعمارهم بين الثلاثين وحتى الخمسينات بالتداخل مع من قبلهم حتى اليوم”.

 Ø±Ø¨Ø· تجربة كاتب بآخر -مهما كان درجة أهمية الآخر- مثار جدل واسع

وعدَّدَ فضل عددًا من الظواهر اللافتة في إبداع “الأحفاد” في مقدمتها مضي هذا الجيل بالرواية العربية إلى آفاق رحبة من التطور والخصوبة والثراء، وحافظ في العموم على الإطار السردي المستوعب للأشكال المستقرة والتقنيات الناضجة، فضلًا عن تفرد البعض من أبناء هذا الجيل بعدد من الكتاب الذين يتقنون في الأغلب لغة أجنبية عالمية، ويترجمون بها ويطلعون عبرها على التيارات الحداثية والتجريبية والطليعية في الرواية.

من بين الظواهر التي بزغت في جيل أحفاد نجيب محفوظ كما يُسميه الناقد، بروز عدد من الشابات الكاتبات اللائي تجاوزن القضايا النسوية التقليدية في كتاباتهن وتقدمن ليحكين قصة العالم من منظورهن وبلغتهن، طامحات إلى أن يشكلن هذه الرؤية بغض النظر عن اختلافهن النوعي بطريقة مساوية ومنافسة ومتكافئة تماما مع منظور الرجال الملتبسين بحالات البطريركية المزمنة. واستوحى صلاح فضل عنوان كتاب “أحفاد محفوظ” من عنوان كتاب الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي عن “أحفاد شوقي”ØŒ إذ رأى أن محفوظ ليس بأقل من شوقي في كثرة النسل وخصوبته.

غير أن الفكرة التي طرحها فضل في كتابه كانت موضعًا للجدل، فمن جانبه يرى الناقد الأدبي المصري حسام عقل، أنه لا يجوز وضع كُتاب ومبدعين في موضع التبعية لكاتب آخر حتى لو كان بحجم نجيب محفوظ، قائلًا “إن وضع كاتب أو مجموعة من الكتاب في عباءة كاتب آخر مهما كانت أهميته وحجمه تنقيص من قدرهم وخصم من أرصدتهم”.

ويقول عقل إن عنوان كتاب الناقد صلاح فضل “أحفاد محفوظ” هو من جملة العناوين ذات الطابع الإعلامي لكنها “بعيدة كل البعد عن النقد وتحليل الظواهر الأدبية”ØŒ مشددًا على أن اعتبار هؤلاء الكتاب أو غيرهم أحفادا لنجيب محفوظ، أي أنهم تابعون له وملتزمون بتجربته، يتضمن بدوره استنقاصا منهم، فالأصل أنهم مطلعون على محفوظ وتجربته الإبداعية وكذلك تجربة كبار الكتاب الآخرين والثيمات المختلفة والتجارب التقنية في بناء الرواية على وجه التأثر العام بأساتذة كبار، ثم يقومون بعد ذلك بإضافة لغتهم الخاصة وتجاربهم.

ومن أبرز الكتاب الذين يستعرض الناقد صلاح فضل في كتابه “أحفاد محفوظ” تجربتهم والبعض من أعمالهم الأدبية: محمد المنسي قنديل وعزالدين شكري وميرال الطحاوي وأشرف العشماوي وناصر عراق ومنصورة عزالدين وبهاء عبدالمجيد وأحمد مراد ومكاوي سعيد وصبحي موسى وعزت القمحاوي، وغيرهم.

ووفق عقل، فإن ربط هذا الجيل بنجيب محفوظ يعتبر استنقاصا لأدوار هذا الجيل الذي تأثر بمحفوظ وبغيره من أبناء جيله، ومن ثم لا يمكن ربط أبناء هذا الجيل بنوعٍ من التبعية لـ”المشروع المحفوظي”ØŒ لا سيما أنه بعد وفاة الأديب نجيب محفوظ تعرضت الرواية لموجات من التجريب والتجديد الجذري، معتبرًا ذلك النمط من النقد الذي يصف جيلًا أو مجموعة من الكتاب بأنهم أحفاد لآخرين قد مضى عهده، وأن الجيل الجديد لن يكون سعيدا عندما يتم ربط تجاربه على هذا النحو بمشروع محفوظ.

من جهته، يوضح الكاتب المصري زكي سالم صاحب كتاب “نجيب محفوظ: صداقة ممتدة” أنه علينا أن نعترف بحقائق العصر الذي نعيشه، فنحن في زمن “الاستبداد والمجاملات”. ولئن كان هذا واقعنا السياسي، في عالمنا العربي، فإنه امتد إلى مجمل الحياة العامة والخاصة ومنها النقد الأدبي، ومن ثم غـدت هذه المجاملات مجاملات محمودة، فحياتنا الثقافـية تفتقد إلى الكتابات النقدية الموضوعية، أو ما يمكن أن نطلق عليه “النقد العلمي”ØŒ ومن ثم من الطبيعي أن ترى تجليات كثيرة لما نسميه “الشللية”ØŒ أو “تبادل المصالح”ØŒ أو “المجاملات”ØŒ أو “مغازلة أنثى”. وهذه مقدمة ضرورية لفهم ما كتبه صلاح فضل، فثمة مجاملة واضـحة، أو مجاملة مـشروعة لأجيال جديدة يطلق عليها “أحفاد محفوظ”ØŒ كما سبقه حجازي بتعبير “أحفاد شوقي”.

ويتابع قائلا “لا يغيب عن ناقد كبير وأكاديمي مخضرم الفرق الشاسع بين إبداعات نجيب محفوظ المحـكمة، وكل كتابات من جاء بعده، ومن ثم فالحديث عن تطوير الرواية العربية، والانطلاق بها إلى آفاق أوسع وتجاوز محفوظ، كل هذه مجاملات وأحكام غير مبنية على أسس عميقة. فحين يتحدث فضل عن إجـادة بعض هؤلاء الكتاب للغة أجنبية، وطبعا هذا شيء طيب، فثقافة الكاتب أمر في غاية الأهمية، إذ تنعكس في ما يكتبه، لكن إجادة عدة لغات أجنبية لا تؤدي إلى كتابة روايات عالمية، ولتنظر إلى روايات خيري شلبي الذي لا يجـيد أي لغة أجنبية، ولتبحث في إنتاج هؤلاء الكتاب الجـدد، وتتساءل من منهم كتب روايـة في مستوى رواية ‘وكالة عطية‘”.

ويلفت زكي سالم إلى أن نجيب محفوظ مثله مثل هوميروس والمتنبي ودانتي وديستوفسكي وشكسبير، وغيرهم من كبار المبدعين في تاريخ الإنسانية، إذ تأتي أجيال وأجيال من بعدهم، تتعلم منهم، وتكتب أشعارا وقصصا وروايات، لكن تبقى إبداعات الكبار خالدة على مر الزمن. أما ما يقال من أن ربط مجموعة من الكتاب بتجربة كاتب معين، مهما كان قدره، استنقاص من شأنهم، فهذا كلام لا علاقة له بالنقد الأدبي، لأن الكاتب الحقيقي، شاء أم أبى، هو حلقة في سلسلة من الإبداعات المتتالية، وهذه السلسلة تشمل كل من سبقه من المبدعين، وعليه أن يتعلم منهم، وفي الوقت ذاته يسعى إلى تجاوزهم من خلال تعميق ثقافته، وتطوير فنه.

ويستطرد سالم “إذا انتقلنا للحديث المعاد عن اقتفاء أثر محفوظ، واستنساخ تجربته الإبداعية فهذا تصور في غاية التهافت، إذ أن لكل كاتب أسـلوبه الخاص وتجربته الحياتية وثقافته العامة وموهبته الشخصية، ومن ثم فلا يوجد كاتب حقيقي يقلد آخرين، وأيضا لا يستطيع فعل ذلك حتى لـو أراد، فمن هذا الذي يقدر على كتابة ‘ملحـمة الحرافيش‘ØŸ”.

أما عن التأثر بإبداع نجيب محفوظ، فهذا أمر طبيعي، في رأي سالم، ولا مفر منه، كالتأثر بكل المبدعين الكبار، والتعلم منهم، وأما هؤلاء الكتاب الجدد الذين يزعمون أنهم لم يتأثروا بمحفوظ، أو أنهم لم يقرأوا له حرفا واحدا، فهذا من قبيل العبث كما يقول. 

*بالتعاون مع صحيفة العرب اللندنية.