المزيد  
الموت خارج أسوار الوطن
جهود مكافحة المحتوى الإرهابي عبر الإنترنت (فرص وعقبات)
سامو زين يوجه رسالة لبشار الأسد
أجواء رمضان بين الحاضر والماضي في سوريا
هل تتأثر سوريا بخلافات "التعاون الخليجي" الداخلية؟
قصة سوري فرقته الاتفاقيات عن عائلته
بعد بتر ساقيه صاحب المقولة المشهورة "يا بابا شيلني" يظهر بساقين بديلتين
هذا ما تطلبه المعارضة الإيرانية ضد الأسد وخامنئي

عميد الأسرى السوريين.. حياة مليئة بالمعاناة في أقبية فروع المخابرات وسجون الأسد

 
   
13:37


عميد الأسرى السوريين.. حياة مليئة بالمعاناة في أقبية فروع المخابرات وسجون الأسد

في أقبية فروع المخابرات وصولا إلى سجن دمشق المركزي في عدرا ومرورًا بسجن المزة العسكري وسجن تدمر الصحراوي وسجن صيدنايا العسكري، رحلة معاناة خاضها "عميد الأسرى السوريين" الطيار الذي رفض أوامر استهداف حماة رغيد الططري صاحب البضع وستين عامًا والذي قضى أكثر من نصف عمره حتى الآن في سجون الأسد (الأب والابن).

   رفض تنفيذ أمرًا باستهداف حماة.. أحيل لمحكمة عسكرية برأته وسرحته من الجيش.. غادر للقاهرة وطلب اللجوء من الأمم المتحدة.. تم اعتقاله لدى عودته إلى دمشق قبل 36 عامًا وحتى الآن 

والططري نموذج من نماذج البطولة في سوريا، يتم استذكاره اليوم في ذكرى مجزرة حماة التي وقعت في 2 فبراير (شباط) 1982 هي أكبر مجزرة في العصر الحديث، كما جاء في تقرير منظمة العفو الدولية. وهي أوسع حملة شنها النظام السوري ضد الإخوان. قام النظام بتطويق مدينة حماة وقصفها بالطائرات والمدفعية، ولمدة أربعة أسابيع متواصلة، أغلقت فيه منافذ المدينة أمام الفارين من وابل النيران، وقامت بعمليات التدمير والإبادة والقتل الجماعي.

والططري (مواليد دمشق في العام 1955) بدأت واقعة اعتقاله منذ رفضه تنفيذ أمراً عسكرياً لاستهداف حماة عندما كان طيّاراً برتبة ملازم أوّل، عقب تبرئته من قبل المحكمة العسكرية مع تسريحه من الجيش انتقل للعيش في القاهرة وقدم طلب لجوء للأمم المتحدة، لكنه لم يوفق، وعند عودته إلى دمشق في العام 1981 تم اعتقاله وتعرض لعمليات تعذيب وحشية لانتزاع أقواله في سجن المخابرات العامة ثم في سجن المزة. عُرض على محكمة استثنائية عسكرية في 1982 وصدر حكم ضده دونما إبلاغه بذلك الحكم.

"هو أقدم معتقل في العالم وليس في سوريا، صار له 36 عامًا الآن". يروي الناشط السياسي ماهر إسبر والذي زامل الططري في السجن لحوالي ست سنوات قصة اعتقاله ومواقف عنه.

 Ù‚ضى الططري في سجن المزة العسكري فترة قبل أن ينتقل إلى سجن تدمر الصحراوي السياسي في العام 1982 (ظل هناك 21 عامًا) ثم نقل إلى سجن صيدنايا (أمضى هناك عشرة أعوام) شهد خلال سجنه فترة تمرد السجناء والمجزرة الشهيرة في ذلك الحين، ثم نقل في العام 2011 إلى سجن دمشق المركزي في عدرا، ومازال موجد فيه حتى الآن.

يقول ماهر: قضية رغيد الططري الأساسية بدأت عندما كان في ذلك الحين ضابطًا طيارًا صغيرًا برتبة ملازم أوّل يخدم في مطار حلب العسكري، جاءتهم أوامر بضرب إحداثيات معينة (لم يكونوا يعرفوا المنطقة تحديدًا، وكانوا يتبعون الإحداثيات الواردة في التكليفات)، فأقلعت أربع طائرات، وتفاجئوا عندما وصلوا النقطة المستهدفة بأنها في مدينة حماة وهي مدينة مأهولة، فأبلغهم قائد السرب برتبة عميد (لم يتذكر اسمه) بألا ينفذوا حتى يتأكد من النقطة ذاتها، ثم عاد وتأكد وتبين أن المستهدف حماة، بعدها قرر قائد السرب عدم التنفيذ والخروج بطائرته إلى خارج القطر السوري، فخرجت طائرتان رفضتا تنفيذ أوامر استهداف حماة إلى الأردن، وعادت طائرتان دون أن تنفذا الأمر من بينهما طائرة رغيد الططري.

وقعت آنذاك أزمة بين الأردن وسوريا استمرت لشهور، لم تنته إلا عقب أن قام الملك حسين –في ذلك الوقت- بإعادة الطائرتين ورفض عودة الطيارين الذي ظلوا في الأردن بعد ذلك.

وبالعودة لموقف رغيد الططري، فقد تمت إحالته للمحاكمة العسكرية، التي قضت بعد عام تقريبًا بتبرئته، استنادا إلى كونه ضابطًا صغيرًا نفذ أوامر قائده بعدم تنفيذ عملية الاستهداف، غير أن المحكمة ذاتها قد قامت بتسريحه من الجيش، ظل عامًا في سوريا ثم سافر بعدها إلى مصر.

   رغيد شخص مثقف جدًا ولديه عزة نفس واتزان.. لم تضعفه ظروف السجن   ماهر إسبر

مكث رغيد الططري في مصر فترة، حاول أن يجد عملًا، كما حاول أن يقدم طلبات لجوء لمكتب الأمم المتحدة عقب فصله من الجيش. ثم لما لم ينجح –بحسب إسبر- عاد إلى دمشق حيث كان النظام في ذلك الحين لم يكن قد اطلق يد الامن لاعتقال الضباط وقتلهم والتنكيل بهم لكن تم اعتقاله بعد أن قرر حافظ الأسد تاديب كل من تمرد عليه أثناء مجازر حماة، ولم يكن اعتقال الططري لأنه قدم طلب لجوء بكل تأكيد ولكن لأنه كان ضمن المجموعة التي رفضت تنفيذ أوامر استهداف حماة.

تنقل الططري بين السجون –كما سبق التوضيح- ويقول إسبر في معرض روايته التي خص بها "أنا برس" إنه التقاه في العام 2006 وكان الططري حينها في السجن منذ 27 عامًا تقريبًا.  "هو شخص متوازن جدًا، ولديه كرامة وعزة نفس عالية.. هناك قول خاطئ Ùˆ شائع في سوريا أن الأشخاص الذين تعرضوا لفترات اعتقال طويلة يخرجون من المعتقل ولديهم اعتلال نفسي أو عدم توازن عقلي ØŒ بينما أنا أؤكد بالتجربة أن رغيد هو من أكثر الأشخاص الذين قابلتهم في حياتي داخل المعتقل وخارجه ØŒ الذين يتمتعون بشخصية متوازنة وبعقل راجع وبنفسية كريمة مليئة بالرفعة المرافقة لخفة الدم ØŒ ولمّ يقبل طوال عمره أنّ يتنازل عن كرامته في أقسى وأشد الظروف التي قدّ يتعرض لها بشر في حياتهم".

في العام 2008 وقعت مجزرة صيدنايا الشهيرة بالسجن، وهي الوقائع التي شهدها إسبر وكان من بين الشهود عليها رغيد الططري، ويقول إسبر عن الططري في تلك المرحلة "مررنا بظروف صعبة وقاسية. بسبب الأحداث تغيرات إدارة السجن وجيء بضابط مشهور بانه جزار، اسمه العميد طلعت محفوظ (تم استهدافه وقتله اثناء عودته من صيدنايا في كمين بمنطقة التل فيما بعد) وكان مدير سجن تدمر قبل غلقه، وكان يتذكر رغيدًا ويتذكره رغيد منذ كان مسجونًا في تدمر.. رغيد لم يكن يطلب منه شيئًا أبدًا". يردف إسبر قائلًا "في السجن يتمنى الكثيرون أن يكون الضباط راضين عنهم، غير أن رغيد كان مدير السجن نفسه يحترمه، لكن لم يكن يطلب منه شيئًا مطلقًا.. رغيد كان يجبر الجميع على احترامه".

ويذكر اسبر واقعة عن رغيد في تلك الفترة بأن مدير السجن "طلعت محفوظ" كان يمر على السجناء، وكان من المعتاد أنه عندما يدخل يصطف السجناء صفين، ولما دخل لدى رغيد الططري لم يقف، بل ظل مستلقيًا وظهره للباب كما كان، حتى أن مدير السجن ظل ينادي عليه دون أن يعيره انتباهًا.

ومنذ عامين تقريبًا قررت إدارة السجن في عدرا أن تفرض على السجناء السياسيين زيًا محددًا (البذلات المخططة) التي يرتديها السجناء الجنائيون، غير أن رغيد الططري قد رفض الامتثال، فهددته إدارة السجن بقطع الزيارات عنه. وهو ما حدث بالفعل، فمنذ عامين لم تتم زيارته.

لدى رغيد الططري ابن يعيش حاليًا في ماليزيا، زاره مرات في سجن صيدنايا –وفق اسبر- وبعد الأحداث السورية سافر وترك سوريا. ورغيد –وفق أسبر- شخص متزن ومثقف وعزيز النفس. ويعتبر رغيد نموذجًا حيًا شاهدًا على إجرام آل الأسد في سوريا، ونموذج من نمائج الإصرار والصمود السوري عبر التاريخ.