المزيد  
الموت خارج أسوار الوطن
جهود مكافحة المحتوى الإرهابي عبر الإنترنت (فرص وعقبات)
سامو زين يوجه رسالة لبشار الأسد
أجواء رمضان بين الحاضر والماضي في سوريا
هل تتأثر سوريا بخلافات "التعاون الخليجي" الداخلية؟
قصة سوري فرقته الاتفاقيات عن عائلته
بعد بتر ساقيه صاحب المقولة المشهورة "يا بابا شيلني" يظهر بساقين بديلتين
هذا ما تطلبه المعارضة الإيرانية ضد الأسد وخامنئي

يوميات عابر سبيل في حلب (الحلقة السادسة).. الحياة على خط الجبهة

 
   
10:00


يوميات عابر سبيل في حلب (الحلقة السادسة).. الحياة على خط الجبهة

هنا أحداث كثيرة تمر على المرء خلال يوم واحد، البارحة لم أستطع النوم بسهولة؛ أصابني قلق غريب، رغم شربي اليانسون، فشربت من الحبوب التي أعطانا إياها الصيدلاني، ليلة حلب البارحة كانت عنيفة نسبياً؛ إذ أن الطائرة لم تبارح أجواء المدينة طيلة الليل، وصوتها كان قوياً رغم أنها كانت تستهدف مناطقاً بعيدة نسبياً.

فكرت كثيراً، لما لا تكون الضربة فوقنا مباشرة!؟ على البناية التي أنام فيها!؟، حقيقة وليست بطولة مني، ولا ادعاء شجاعة، لكني لم أشعر بأن اكتراثي مهم لعدة أسباب؛ أولها أنه، ليس باليد حيلة، وتفكيري لن يفضي إلا لنتيجة واحدة هي: إدامة الأرق، ولدي عمل باكر وثم بالطبع لست الوحيد في حلب، وكثيرون مثلي قرروا عدم التفكير بالموضوع وتركه للقدر.

لكي استوفي حق الموضوع لا بد وأن أقول شيئاً، كانت كلما تضرب الطائرة أخمن المسافة وأقول مات بها أحد فكر، وقرر أن لا يفكر !

ابتدأ نهاري باكراً، حيث ذهبت لعدة أحياء في المدينة، وكان منها الكلاسة وبستان القصر.

هذه المناطق تعتبر على خط جبهة، وخصوصاً منطقة بستان القصر، حيث يوجد بها معبر معروف يحمل اسمها، هذا المعبر هو عبارة عن شوارع تفصل بينها وبين مناطق سيطرة النظام باصات، حُملت برافعات وأوقفت على رأسها أفقياً، لتحمي المارة من القنص الذي يقوم به النظام عليهم.

قيل لي أن ما بين ١٠ الى ١٥ شخصاً يومياً كانوا يسقطون قتلى القناصين، ولذلك عمل جانب المعارضة على محاولة رفع هذه السواتر؛ لحجب الرؤية عن قناصة النظام.

 

لأُصارحكم بأمرٍ: منذ أن دخلت لحلب، وعندي سؤال أريد الإجابة عنه بمسألة القناصة، وهو : هل في جانب المعارضة - وبالتحديد في المناطق المرصودة - يوجد قناصة معارضين أم لا؟!

الجواب الذي يأتي من عدة مصادر، وبحسب مشاهداتي لعدة مناطق "مرصودة"، أن جانب المعارضة لا يستطيع أن يرهب جانب النظام بالقنص، لسبب بسيط أن من سيقنصهم هم أهالي حلب بالجانب الآخر من الباص المقلوب، أو بالجانب الآخر من حلب القديمة .. إلخ.

وعلى الرغم من ذلك، تقوم قوات المعارضة، بين الحين والآخر، بالقنص على جانب النظام وتقنص فقط من يلبس لباس عسكري، ولمَن يسأل: لما بين الحين والآخر، ولماذا ليس دائماً؟!، يأتي الجواب كما أتاني، أنه "من أول شخص يقنص بزي عسكري، يختفي أي أحد يلبس هذا الزي من الجانب الآخر" ، ولذلك سرعان ما تذهب القصة ريثما تنسى من جانب النظام، لتعود بعد عشرات الأيام حالة مشابهة، وهكذا..

يبقى السؤال معلقاً: لماذا لا يشعر بالقلق على الأهالي مَن في الجانب الآخر، هل هم ليسوا أهلهم!! "الإجابة واضحة".

سأعود لبستان القصر لاحقاً، ولكن لا بد وأن أذكر استفسار آخر طرحته في كل المناطق: لماذا لا يوجد مقاهي تتجمع بها الناس وتتحدث في حلب؟!، قد يبدو الاستفسار سخيفاً للبعض، ولكن صدقوني هنا لا مكان لاجتماع الناس، أقصد بالناس، الناس الطبيعيين (البشر، الشباب، الرجال)، ولن أكون رومنسياً وأقول وحتى النساء.

 

ولكن، ليس كل الناس نشطاء إعلاميين ليكون لديهم مكاتب إعلامية يتجمعون بها، ولا كل الناس مقاتلين ليتجمعوا في كتائبهم، وحتى هؤلاء يحتاجون للتجمع في مكان واحد، فيأتيني الجواب من أحدهم أنه تم افتتاح مثل هذه القهوة في مكان ما - نسيت اسمه - وقاموا بوضع المباريات، ولكن جبهة النصرة، على حد قول هذا الشخص، قامت بإغلاق المقهى بحجة أن الأهالي اشتكوا لسببٍ ما، ربما الأصوات أو التجمعات أو أنها فقط حجة.

هذا الجواب دفعني للحكم أن المنطقة ربما تسيطر عليها النصرة أي في قطاعها، فأتى الجواب بالنفي، ومغبة ذلك أن كل المناطق الموجودة في حلب ليست مقسمة بين الفصائل بشكل حصري لكل فصيل.

ملاحظة: يوجد مقهى اسمه جدل، هو مقهى مغلق في عدة مرات، وهو أصلاً مقهى أشبه بنخبوي، بحيث يأتي إليه النشطاء فقط، والمقهى الثاني هو مقهى في حلب القديمة، "حلب القديمة لا يزورها أحد لأنها على الجبهة، ولا يتواجد في المنطقة سوى بعض أهلها، وهو أصلاً مقهى صغير يتسع لثلاث طاولات".

بالعودة لبستان القصر، بستان القصر منطقة ككل المناطق التي تكون بوسط مدينة كبيرة، يمكنك ملاحظة كم المحالات التجارية التي كانت موجودة قبلاً، والآن مغلقة وكم المحلات التي مازالت مفتوحة، ويمكنك أيضاً ملاحظة الأبنية الراقية نسبياً الموجودة، فأغلبها مباني مكسية بالحجر الصخري، النافر والكبير، ولكن هذه المنطقة للأسف، بات لونها قاتماً كئيباً بلا حياة.

كنا في بستان القصر نقوم بحملة إعلانية للمؤسسة التي أعمل بها، والحملة الإعلانية جزء منها البخ على الحوائط، في كل المناطق لم يكن أحد يكترث بنا، ولكن في بستان القصر، كان أكثر الباعة والأهالي يقولون لنا: بخو هنا على حائط دكاني، أو مدخل منزلي، ولن يُصدق إن قلت أن شخص طلب منا أن نبخ داخل محله التجاري على حائطه!!

والآخر أغلق محله وطلب منّا البخ على غلق المحل، ومعظمهم كانوا يستقبلون البخ بفرح وكأنه هدية أو زينة ما؟ ولكني كنت بهذه اللحظة مقهور بشدة؛ لأنني لم أرَ المسألة سوى باللونين، الأحمر والأسود وهما اللذان نستعملهما.

أكثر من شخص سألني: برأيك في فرج ؟ لم أكن ألبس "بدلة"، وشكلي لم يكن يوحي على ما أعتقد بامتلاك بُعد نظر، ولكنني كنت غريب بنظره وربما أحمل جواباً مختلفاً، عن الجواب الذي اعتاد سماعه كل يوم، ربما خيبت ظن سائلي، عندما قلت له: إن شاء الله تُفرج، فرد عليَّ: يا أخي والله انشالله بس مطولي يعني؟؟.

لا أدري ماذا أقول وكيف أجيبه، علماً أني أستطيع الحديث لساعات بالسياسة والتنظير والتحليل والتأويل، لكنها ستكون على مسامعه فلسفة مني لا قيمة لها فهو المكتوي، وأنا العاجز.

لفت نظري وأنا أمشي بشارع من شوارع بستان القصر، وكانت دكاكينه مغلقة فطُبع على إغلاق المحلات، علم الاستقلال والثورة السورية، ومكتوب "لا" على كل علم بهذه المنطقة، وطبعاً هذا شيء يتوقف عنده المرء: مَن كتب هذه "اللا"!!.

سألت عن الموضوع، فكانت القصة أن علماً من أعلام الثورة نزع من على أحد الساحات في الحي، وقال نازعه وهو من جبهة النصرة، أن هذا العلم "حرام" فتصدى لها شاب من التنسيقية بحي بستان القصر؛ مما أدى لاندلاع عراك.

أفضى لقيام جبهة النصرة بحشد مظاهرة ضخمة دخلت لهذا الشارع، وقامت بكتابة فقط كلمة "لا" على الأعلام، وهم سائرون، ولكن مصدر آخر قال: إن مجموعة تسمى الخدمات العامة أو شيء من هذا القبيل، وهي مؤسسة تابعة لجبهة النصرة، تقوم بتصليحات وتحسينات على ما يبدو للمناطق، قدمت لتصلح خط كهرباء فأزالت العلم من على العامود؛ مما دفع الشاب للاعتقاد أنها تزيل العلم فتصدى لهم، وهو سوء تفاهم لا أكثر "أميل للرواية الأولى ليس تجنياً على النصرة، ولكنهم لاينكرون خلافهم مع علم الثورة السورية أصلاً".

مساءً، اتصل صديقنا محمد الذي حدثتكم عنه في الجزء الأول، وهو للأمانة يتصل كل يوم بنا، ويطلب منّا القدوم لحلب القديمة، فذهبنا ولكن هذه المرة لناحية باب نسرين، حواري لا يمكنني وصفها لمن لا يعرفها، ولكن يمكنني أن أقول أنك تشعر وأنت تمشي فيها بأنك في الشام القديمة، كأنهما توأمان، المهم قادتنا أقدامنا لمحل مشاوي على الطريق، وطبعاً في حلب لا تدقق على جودة المشاوي؛ فأنت في ديارها.

صاحب المحل رجل سبعيني، دعانا لندخل لغرفة ريثما يحضر لنا طلبنا، وبعد الأكل جلسنا لنتحدث، كان صديقي يعرفه وهذا مهد للحديث..

أولا،ً عرف نفسه أنه سكرجي من قبل الثورة لحد الآن، ولكن أولاده الخمسة بالجيش الحر، كما قال، وبدأ بالحديث عما يراه يومياً كون محله على ناصية الشارع، فقال إن: حديث العساكر في الكتائب منذ بداية الثورة لحد الآن كان غير قتالهم مع النظام، مسألة أن كتيبة جديدة تأسست وجاء لها دعم كبير.

وذهب القائد فلان، فقابل الشيخ فلان بتركيا، وأحضر معه مبلغ كبير ولذلك اذهب يا فلان، ودبر نفسك معهم فهم يعطون رواتب أعلى، وذكر الجبهة الشامية مثالاً إذ أن ابنه بها، حيث قال: جاء أحدهم وعرض على ابني تعال وانضم للفوج الأول عواض، ما بتاخود عشرين ألف هنيك بيعطو أربعين ألف، وقال: "طبعاً" ابني رفض؛ لأنه لا يترك رفاقه من أجل "المال"!!

أكثر ما لفتني بحديثه، وطبعاً لست مصدقاً لجله ولا أطلب من أحد أن يصدقه، ولكن هو يروي روايته ويروي فهمه وتقديره للمجريات، فتحدث مطولاً عن الاشخاص الذين يتجوزون من أربعة أو ثلاثة في وقت واحد، وكم أنها ظاهرة منتشرة، وأغلب هؤلاء هم من مقاتلي المجموعات الإسلامية، وسمّى العديد من شباب حارته الذين يتجوزون من شابات لشهرين وثلاث، ويطلقوهن ليتزوجوا مجدداً.

غداً يوم جديد، صوت القصف يدوي بكثر وأنا أكتب هذه الكلمات، وهو قريب منّا، ولكن، طمنوني أصدقائي أننا على خط جبهة، ولذلك النظام لا يقصف الجبهات لأنه يخاف أن تنزل بأرضه.