http://anapress.net/a/570269216467882
في الطريق إلى خيمة "أبو محمّد" في أحد المخيّمات المنتشرة شمال سوريا، يسير الدليل أمامنا على الطريق الموحل، يحاول الهرب من بركة ماء تارة أو حفرة غمرها الطين تارة أخرة، بينما تنتشر على قارعتي الطريق خيام تبدو للوهلة الأولى وكأنّها متلاصقة ببعضها البعض.
أصوات الأطفال والنساء والرجال المنبعثة من الخيام تملأ الطرقات الضيّقة، حتّى أنّ من يمشي في تلك الطرقات يسمع عشرات القصص التي وإن غلب عليها طابع الأسى، لكن لا تخلو من البهجة أحيانا، طفل مريض ولا يوجد مال من أجل علاجه، رجل يتشاجر مع زوجته بسبب ضيق ذات اليد، شاب يريد الزواج ويبحث عن خيمة له، ورجل وامرأة يضحكون فرحين على حكايا ابنهما الصغير.. إلخ. (اقرأ/ي أيضًا: أيتام الشمال.. بين شُح الدعم وغياب المنظمات الكافلة).
يقول الدليل إنّ هذا أمر اعتاد عليه أهالي المخيّم، في البداية كانوا حذرين من أن يتحدّثوا عن خصوصياتهم في المخيّم، كان الحديث عن الخصوصيّات يتمّ همسا، لكن مع مرور الوقت، أصبح الجميع يعرفون أدق التفاصيل عن الجميع، فلا خصوصيّة لعائلة في هذا المخيّم، صحيح أنّ هذا الأمر خطأ كبير، لكن الظروف تفرض نفسها أحيانا.
ويضيف الرجل -الذي أصرّ أنّ يستضيفنا في خيمته خلال زيارتنا للمخيم- أنّ الجميع في المخيّم يعرفون كلّ شيء عن الجميع، حتّى عن أسباب الخلافات الزوجيّة، أو عن عمل كلّ شخص ومصدر رزقه وطبيعة علاقته بأسرته.
صورة خاصة التقطها مراسل أنا برس خلال زيارته لأحد المخيمات
في اليوم التالي كانت لنا جلسة مع "الأستاذ قاسم" كما يناديه أبناء المخيّم، وهو مدرّس لمادّة التاريخ كان يعمل في ثانويّات حلب، وكان رأيه خلال التطرّق لذات الموضوع، أنّه كان سابقاً يعتبر كل من يحاول التدخّل في شؤون الناس أو خصوصياتهم يعتبر متطفّلا، وينظر إليه بعين الاستياء، أو أنّه يحاول تقصي أخبار الآخرين، والتلصّص عليهم، ومعرفة أسرارهم، والتدخّل في حياتهم بدون دعوة أو إذن، أمّا اليوم فلا أحد بحاجة إلى إذن لذلك في المخيّمات. (اقرأ/ي أيضًا: قهر الرجال.. نماذج أليمة في سوريا).
ويقول إنّ هذه الأمور تنعكس حتّى على الأطفال، فكانت المشكلات العائليّة أو الخلافات الزوجيّة سابقاً تُحلّ بعيدا عن مسمع أو مرأى الأطفال، أمّا اليوم فأصبحت الخيمة هي غرفة الطعام وغرفة الجلوس وحتّى غرفة النوم، وهذا ما قد يؤثّر سلبا على نفسيّة وسلوك الأطفال في هذا المخيّم.
ولا يرى أحد ممّن شارك في الحديث أنّ هناك حلولا ناجعة من شانها الحفاظ على خصوصيّة الفرد أو الأسرة، سوى الخروج من المخيّم وهذا أمر فيه شبه استحالة في الظروف الحاليّة، لذلك قد نرى تشوّهات في السلوك لدى الأطفال في المستقبل أو حتّى تغيير سلبي في العادات الاجتماعيّة التي كانت تقدّس الخصوصيات الأسريّة.