المزيد  
الموت خارج أسوار الوطن
جهود مكافحة المحتوى الإرهابي عبر الإنترنت (فرص وعقبات)
سامو زين يوجه رسالة لبشار الأسد
أجواء رمضان بين الحاضر والماضي في سوريا
هل تتأثر سوريا بخلافات "التعاون الخليجي" الداخلية؟
قصة سوري فرقته الاتفاقيات عن عائلته
بعد بتر ساقيه صاحب المقولة المشهورة "يا بابا شيلني" يظهر بساقين بديلتين
هذا ما تطلبه المعارضة الإيرانية ضد الأسد وخامنئي

يوميات عابر سبيل في حلب (الحلقة الثالثة).. المدينة التي لا تموت

 
   
09:19


يوميات عابر سبيل في حلب (الحلقة الثالثة).. المدينة التي لا تموت

اليوم كان هناك حملة إعلامية للإذاعة التي أعمل فيها، وكنا نقوم بـ "البخ" على الحيطان في الأسواق، العالم ودودة لا أحد يتدخل بك، والكثيرون يسألون "شو اسمها؟"، علماً أننا نبخه أمامهم ولكن ربما لفتح حديث.

كثير من الأطفال رافقونا وكانوا ينتقلون معنا من مكان إلى آخر، وفي كل مرة ننتهي بها من الطبعة ينظرون للبخة كأنهم الآن شاهدوها لأول مرة بكل براءة، كل مرة تنتهي بها العبوة ويرموها الشباب يتقاتل الصبية عليها، ربما لأنها تحتوي كرة معدنية بداخلها وتصدر صوتاً.

إجمالاً، كل الناس الذين شاهدتهم وتكلمت معهم طيبون وفقراء، يعملون بأشياء بسيطة لكسب لقمة العيش، "إكسبرس قهوة، أو بيع الدخان، أو خضار، أو سمانه، أو أنبيرات كهربا، أو كباب وشقف حلبي.. إلخ".

توقفنا عند حاجز جيش حر، وطلبنا منهم البخ على حائط الحاجز، رحبوا بذلك، الكولابا مربعة، فطلبوا منّا أن نبخ على أربع جهات، مسؤول الحاجز، قال لنا: "هناك محرس على الطرف الآخر، ولكن سنقوم بتطيينه ودهانه بعد كم يوم، فحرام تضيعوا بخاخ عليه لأن حقو مصاري".

طلبوا منّا شباب بالحاجز أن نعود باليوم التالي، لنصورهم ونجري مقابلات معهم، وقال لنا أحدهم: "سنهندم نفسنا ونلبس الجعب، ولعيونكون".. "تأمل لو كان حاجز نظام".

مناطق القنص التي مررنا بها، كل الناس تمر من أمامها "عادي"، علماً أنها مرصودة، بحجة أنهم لا يقنصون كثيراً، قال لي أحدهم في أحد مناطق القنص الشهيرة: "خاي هون ما بيقنصوا إلا لما بدون يشغلوا الناس".. السؤال الذي طرحته على نفسي: "طيب في حال حبو اليوم يشغلو الناس! بيطير راسي؟".

بكل الأحوال، سرعان ما تعتاد أن تتصرف كالجميع على حسب المثل القائل: حط راسك بين هالروس وقول يا قطاع الروس.

ونحن في أحد الحواري، سمعنا صوت طائرة، تنزل على ارتفاع منخفض، فأخذنا جانب الحوائط "قلدت الجميع"، الكل رأسه لأعلى لنرى أين سيهبط الصاروخ، قال لي زميلي أن هذه المنطقة مستهدفة، وأن الطيار أكيد سوري لأن الروسي يضرب من أعلى دون هبوط، ولكن السوري يريد أن يسلم على الناس.

للعلم، هذه المنطقة لا توجد بها بناية واحدة بقيت على حالها، دون مبالغة كل الأبنية إن لم تكن ركام، فهي آيلة للسقوط، علمنا فيما بعد أن الطائرة، ضربت في الكلاسة، وأصيب طفل.

شاهدت صبايا وشباب من الهلال الأحمر السوري، يتفقدون دار أيتام، بلباسهم الأحمر وعلمهم على المكرو، ولكن أكثر من شاب تكلم مازحاً: "عواينية"، ربما لأنهم يدخلون ويخرجون ما بين مناطقهم ومناطق النظام. الآن عدنا، ولكن يوم حلب لم ينتهِ بعد، عندنا، فهي مدينة لا تموت وتستمر حياتها.

أمس، صعدت مع شوفير تاكسي، وبعد السلام والسؤال عن أحواله وأحوال العمل، وطبعًا كحال كل السوريين بحمد الله وشكره، سألته: أين الشغل والحركة أكثر هنا أم في جانب النظام؟ قال لي إن الحركة هنا أكثر، إذ يوجد ازدحام وحركة وعمل، على حد قوله.

سألته: هل تعمل أو تذهب لمناطق النظام؟ فقال: لا؛ لأن "هناك شخص ابن حرام كتب فيني تقرير، إني بنقل أسلحة بالتاكسي وثوار وجيش حر!.. ولكني لم أسكت، ذهبت للهيئة الشرعية وأبلغتهم عن اسمه، وقلت لهم أنه شبيح مع النظام، ووعدوني خيرًا بأنهم سيلاحقونه، وطلبوا مني أن أخبرهم بأي جديد". انتهت رحلتنا، وأوصلنا من الفردوس لحارة البرادي في حلب القديمة ، وأخذ منا ٣٠٠ ليرة.