المزيد  
الموت خارج أسوار الوطن
جهود مكافحة المحتوى الإرهابي عبر الإنترنت (فرص وعقبات)
سامو زين يوجه رسالة لبشار الأسد
أجواء رمضان بين الحاضر والماضي في سوريا
هل تتأثر سوريا بخلافات "التعاون الخليجي" الداخلية؟
قصة سوري فرقته الاتفاقيات عن عائلته
بعد بتر ساقيه صاحب المقولة المشهورة "يا بابا شيلني" يظهر بساقين بديلتين
هذا ما تطلبه المعارضة الإيرانية ضد الأسد وخامنئي

كل ما تريد معرفته عن المحاكم الإٍسلامية في المناطق المحررة

 
   
12:03


كل ما تريد معرفته عن المحاكم الإٍسلامية في المناطق المحررة

بعد الفلتان الأمني الذي حلّ في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أوائل العام 2011 وانتشار حوادث السرقة والخطف والقتل، تم تشكيل عدة محاكم ومراكز أمنية في ريف ادلب لضبط الأمن وحلّ النزاعات بين الناس، بدأت بشكل عشوائي بواسطة عدد من الأمنيين المنشقين عن النظام وبعض رجال العلم، إلى أن تطوّرت إلى محاكم نظامية توزعت على كافة المناطق حسب نوع الجناية أو القضية واتخذت طابعاً رسمياً تم من خلاله تنصيب مجموعة من أصحاب الخبرة والكفاءة للبتّ في قضايا الناس وحلّها، إلا أن عمل هذه المحاكم لا يخلو من بعض الأخطاء والمشاكل خلال مسيرة عملها.

وحول  تشكيل الهيئة الإسلامية وآلية عمل المحاكم التابعة لها في حديث خاص لـ "أنا برس" مع المحامي "خالد الحمود" "محامي سابق ورئيس النيابة حالياً في محكمة ترملا بريف ادلب الجنوبي" يقول: تشكلت الهيئة الإسلامية أواخر العام 2013 وتم توزيع محاكمها على جميع محافظة ادلب، وفق إدارة منتظمة تضم رئاسة الهيئة الإسلامية والنيابة العامة ومكتب التفتيش القضائي ودواوين المحاكم الفرعية ومكتب المتابعة والقوة التنفيذية، وتم تقسيم المحاكم إلى "محاكم صلح ومحاكم تمييز ومحاكم جنايات" لكلّ منها اختصاص منفصل، تضمّ عدداً كبيراً من القضاة والمحامين المنشقين عن النظام وأصحاب الشهادات العلمية الموازية كالشريعة الإسلامية.

 Ø£Ø´Ø§Ø± "الحمود" إلى أن محكمة ترملا التي يعمل فيها والتي تعتبر أحد أهم محاكم الصلح في ريف ادلب، تضم قرابة المئة موظف بين قضاة ومحامين ومحققين وشرطة، تشرف عليها عدة فصائل عسكرية أهمها حركة أحرار الشام الإسلامية وجيش العزة وجيش النصر، حيث يتم استقبال الشكاوى في المحكمة وتسجيل القضية في الديوان لإعطائها تصنيفاً حسب نوعها إن كانت مدنية أو جزائية أو جنائية، وتقوم المحكمة بإرسال تبليغ للمُدّعى عليه للحضور إلى المحكمة ودراسة القضية والسماع لشهادة الشهود، ورفعها للقضاة للدراسة وإصدار الحكم، وأي قضية يصدر بها حكم، قابلة للاستئناف للنظر في الأحكام المميزة، كما أن لصاحب الدعوة الحرية في نقل القضية إلى محكمة أخرى أو إلى دار القضاء وفق كتاب موقّع من الجهة التي ستتولى القضية والقبول باستلامها.

كما أنّ المحكمة تضم شرطة أمنية تتولى ملاحقة القضايا وتقديم المتهمين إلى مكتب التحقيق الذي يتولى جمع الأدلة وتدوين حيثيات الجرم وتقديمه للقضاة، كما أنّ هناك تنسيق بين المحكمة ومراكز الشرطة الحرة المنتشرة في المحافظة من خلال تقديم هذه المراكز القضايا التي تتقدم إليها حسب نوع القضية للمحكمة المختصة ونحن بدورنا نقوم بمتابعتها وإصدار الحكم اللازم  .

أشار "الحمود" إلى أن الهيئة الإسلامية تضم كوادر من أصحاب الكفاءات العلمية كالحقوقيين وحملة شهادة الشريعة الإسلامية والماجستير وبعض القضاة السابقين، حيث يتم مناقشة القضية شرعيّاً وقضائيّاً وإصدار الحكم وفق الكتاب والسنة النبوية مع الأخذ بعين الاعتبار للقانون المتبع سابقاً إلا أنه تم إلغاء عدد كبير من أبوابه التي لا تناسب الحكم الإسلامي، إضافة إلى الاعتماد على القانون العربي الموحد، ويتم تنفيذ الأحكام جميعها عن طريق التعذير والسجن ضمن سجون منظّمة تمّ إعدادها، إلّا أن تنفيذ الأحكام الشرعية متوقفة حالياً بسبب ظروف الحرب باستثناء جرم القتل الذي يستدعي القصاص.

في سؤال عن الفرق بين آلية عمل دار القضاء والهيئة الإسلامية أشار المحامي خالد الحمود إلى أن دار القضاء تتبع لهيئة تحرير الشام في حين أن الهيئة الإسلامية تشاركية بين عدة فصائل اهمها أحرار الشام، فالهيئة تتّبع نظام عمل منظم أكثر من دار القضاء لاعتمادها على نخبة من أصحاب الكفاءات العلمية والخبرات في مجال المحاكم والقضاء، كما أنها اتبعت هيكلية منظمة من خلال تقسيمها إلى عدد من المحاكم حسب نوعية القضايا والجنايات، فيما دار القضاء التي تتولى هيئة تحرير الشام إدارتها تقوم على مجموعة من الشرعيين والمشايخ ولا تعتمد على أصحاب الشهادات العلمية، ليس انتقاصاً من عملها وإنما يجب على القاضي أن يكون متمرساً ومطّلعاً على القوانين والأحكام، بينما الأحكام الصادرة عن دور القضاء أشبه بجلسات الصلح لا أكثر.

وفي لقاء منفصل لـ أنا برس مع المساعد "عبد المعين الإبراهيم" رئيس فئة في مركز شرطة معرة حرمة الحرة أشار إلى أن دور مراكز الشرطة هو تلقي شكاوى المواطنين وملاحقة المخالفات والسرقات والجرائم وأي قضية تمس الأمن، وتسيير دوريّات إلى مكان الحادث وتنظيم ضبط فيها، إضافة إلى احتجاز المُدّعى عليه واستدعاء المدّعي ومحاولة فض النزاع بالتراضي إن كان سبب الخلاف بسيطاً، أما إن كانت القضية أكبر فيتم شرح الواقعة وتحويلها إلى المحكمة، والتحويل يتم حسب نوع القضية، فلكل قضية محكمة خاصة بها.

كما اشار الابراهيم إلى أن هناك ترابط بين عمل المراكز الشرطية والمحاكم، حيث تطلب المحاكم في بعض الأحيان من المراكز مؤازرتها في الخروج لجلب شخص مطلوب أو تكليف المركز مباشرة باستدعائه للقضاء.

في ظل الفلتان الأمني الذي تعاني منه البلاد وانتشار السلاح بشكل كبير بين المواطنين لم يعد استدعاء شخص للمحاكمة بالأمر السهل كما سابقاً، حيث كثيراً ما يقوم أشخاص بالتصدي للدورية الأمنية التابعة للمحكمة أو مركز الشرطة، "ح د" شخص من بلدة الهبيط في ريف ادلب الجنوبي يقول: "تم رفع عدة قضايا بحقي تتعلق بتعاملي مع الكتائب التابعة للجيش الحر والتي قامت هيئة تحرير الشام "جبهة فتح الشام سابقاً" بملاحقتها، وأنا من الأشخاص الذين رفضوا تسليم أنفسهم لها، حيث تم ارسال عدة دوريات لإلقاء القبض عليّ وتقديمي لدار القضاء بعدة تهم أنا بريء منها، لذلك قمت مرتين بالهرب ورفض تسليم نفسي، إضافة إلى القيام بمقاومة القوة الأمنية التي داهمت منزلي بالتصدي لهم بالسلاح أنا وأقربائي، فأنا لم أرتكب أي ذنب يخوّلهم اعتقالي بهذه الطريقة وانما الموضوع هو رفض الخضوع لقرارات هيئة تحرير الشام وتسليم السلاح الذي كانت بحوزة الفصيل العسكري الذي كنت قائده.

قصص تعددت في هذا الصدد خلال استدعاء مطلوبين للمحاكم كمداهمة مركز شرطة معرة حرمة في العام 2015 من قبل قوة أمنية تابعة لدار القضاء لتوقيف رئيس القسم "مصطفى الحمود" الذي أقام مركزاً للشرطة في منزله رافضاً قرارات دار القضاء بإغلاقه، ولدى حضور القوة الأمنية قام مع مجموعة من العناصر بالتحصّن داخل المركز ومقاومتهم، ما أسفر عن مقتل عنصرين من القوة الأمنية وانتهت بمقتله هو الآخر بعد إلقاء القوة الأمنية قنبلة على المركز.

أما سامر شاب من ريف ادلب قامت المحكمة باستدعائه بتهمة التلفظ بكلمات تمسّ الدين الإسلامي، يقول: "تم استدعائي للمحكمة دون معرفة السبب ولدى اخباري بالتهمة تم سجني مدة شهر كامل تم خلاله اخضاعي لدورات شرعية تتضمن دروساً دينية وتحفيظاً للقرآن، عمل المحكمة ليس عادلاً فأنا شاهد على شخص من قريتي تم توقيفه معي بتهمة السرقة، إلا أن أقرباءه دفعوا للقاضي رشوة مالية قام على اثرها بإطلاق سراحه بعد يومين من توقيفه".

إذا فسد القضاء فسدت الحياة وغاب التنظيم فيها لتصبح أشبه بشريعة الغاب، فالمناطق المحررة بحاجة ماسة إلى من يقوم على ضبط الأمن فيها بحزم، وفضّ النزاعات بين الناس، ليست الأحكام الجنائية فحسب وإنما أقل الخلافات تودي إلى مشاكل تتضاعف مع الزمن، فالمحاكم وانتشارها أمر ضروري يحتاج إلى مزيد من الضبط والعمل بانتظام وتوكيل مهامها إلى من هم أهل للعمل فيها.