المزيد  
الموت خارج أسوار الوطن
جهود مكافحة المحتوى الإرهابي عبر الإنترنت (فرص وعقبات)
سامو زين يوجه رسالة لبشار الأسد
أجواء رمضان بين الحاضر والماضي في سوريا
هل تتأثر سوريا بخلافات "التعاون الخليجي" الداخلية؟
قصة سوري فرقته الاتفاقيات عن عائلته
بعد بتر ساقيه صاحب المقولة المشهورة "يا بابا شيلني" يظهر بساقين بديلتين
هذا ما تطلبه المعارضة الإيرانية ضد الأسد وخامنئي

حوار.. أسباب تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية وسبل التصدي لها

 
   
10:32


حوار.. أسباب تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية وسبل التصدي لها

منسلخون عن أي وازع ديني، دفعتهم ظروف حياتهم الصعبة، ولاسيما الاقتصادية منها، إلى "المقامرة" على أرواحهم والتدافع نحو قوارب الموت التي ظنّوا أنها تحملهم إلى الرخاء في بلدان الهجرة.. بعضهم نجح في اجتياز الطريق ليلاقي المصاعب والأهوال التي تنتظره في بلدٍ غريب أتى إليه بصورة غير شرعية، والبعض الآخر ابتلعه البحر، ليُكتَب اسمه ضمن الآلاف من ضحايا عمليات الهجرة غير الشرعية حول العالم، والجاني هو نفسه الذي قرر في لحظة إحباط أن يخوض غمار تجربة غير محسوبة العواقب، يعرض نفسه خلالها للهلاك أملًا في نعيم مُتمنى.

عن "الهجرة غير الشرعية" والأسباب التي تدفع الشباب إليها والسبل المختلفة لمواجهتها والتصدي إليها، تُحاور "أنا برس" الدكتورة سميحة نصر دويدار (المشرفة على دراسات الهجرة غير الشرعية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر)، والتي تسلط الضوء على حلول خاصة -من واقع دراسات علمية- لتلك الظاهرة، من بينها حتمية تغيير ثقافة العمل في المجتمعات المصدرة للهجرة غير الشرعية التي أودت بحياة 2200 مهاجرًا غرقًا خلال النصف الأول فقط من العام الجاري، حسب إحصاءات رسمية صادرة عن منظمة الهجرة الدولية، فيما وصل مائة ألف لاجئ إلى أوربا بحرًا (ثمانية من كل عشرة منهم قصدوا إيطاليا) خلال الفترة ذاتها.

وتُفند الدكتورة سمحية نصر أبرز أسباب تنامي تلك الظاهرة، وسبل مواجهتها من خلال تفعيل دور كل الجهات المختصة وذات الصلة للحيلولة دون خسارة المزيد من الشباب غرقًا في البحر أثناء محاولاتهم للهجرة غير الشرعية.. كما تسلط الضوء كذلك على نتائج ومستخلصات أبرز دراساتها المتعلقة بالهجرة غير الشرعية والتي كشفت عن جوانب مُهمة في هذا الإطار..

 Ù†ØµØ±: Ø¹Ù†Ø¯Ù…ا سألنا الذين خاضوا تجربة الهجرة غير الشرعية ما إذا كانوا ينوون تكرار تلك التجربة مرة أخرى.. قال عدد كبير جدًا منهم إنهم سوف يكررونها حتى أولئك الذين فشلوا فيها

بداية، من واقع اختصاصكم في ملف دراسات "الهجرة غير الشرعية"، ما هي الأسباب التي تعتقدين بكونها دافعة للشباب للإقدام على "الهجرة غير الشرعية" رُغم ما تنطوي عليه من مخاطر جمّة قد تودي بحياتهم غرقًا؟

أجرينا في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر دراستين حول "الهجرة غير الشرعية" للشباب والأطفال. وكان لي شرف الإشراف عليهما. أخذنا مجموعة (عينة) من عشر محافظات مصرية من خلال استخدام بعض المؤشرات التي كشفت عن أن تلك المحافظات هي أكثر المحافظات المصرية المُصدرة للهجرة غير الشرعية للشباب. وأخذنا عينة من أولئك الذين خاضوا "الهجرة غير الشرعية" سواء نجحوا أو فشلوا في عملية الهجرة، فحتى الفشل يعتبر تجربة يمكن من خلالها الوقوف على أبرز الأسباب والدوافع ورصد واستخلاص النتائج.

كان من بين أبرز الأسباب التي ساقها الشباب في إطار الدراسة مسألة "البطالة" وعدم توافر فرص عمل حقيقة ومجدية، وأن الهجرة غير الشرعية سوف توفر لهم دخلًا أكبر في بلدان الهجرة، إضافة إلى الرغبة في معرفة بلاد لم يزورونها من قبل، فضلًا عن الأسباب المتعلقة بـ "تقليد" أولئك الذين هاجروا قبلهم من زملائهم، ورغبة في أن يكونوا مثلهم. ومن بين الأسباب كذلك –من وجهة نظر من خاضوا عملية الهجرة غير الشرعية- كثرة الضغوط الحياتية والمعيشية والاجتماعية والاقتصادية وكذا الضغوط النفسية والعاطفية وغيرها من الضغوط، بالإضافة إلى الشعور بالإحباط الشديد، سواء الإحباط الأسرى أو المجتمعي أو غير ذلك من الأسباب الذاتية الأخرى.

هذه بعض الأسباب التي عبّر عنها الشباب في عينة الدراسة، والتي تحدث فيها الشباب عن رغبتهم في "تحسين ظروفهم المعيشية" من خلال الهروب عبر الهجرة غير الشرعية لبلدٍ يعتقدون بأنهم سوف يحققون فيها دخلًا وفيرًا يلبي احتياجاتهم المادية التي هي الدافع والمحرك الرئيسي لهم للهجرة غير الشرعية.

هل ضعف الوازع الديني يعتبر عاملًا من العوامل الذاتية والنفسية التي تدفع بعض الشباب في بعض المجتمعات للهجرة غير الشرعية؟

بالطبع. وهنا لابد من تسليط الضوء على أهمية عامل "التوعية" بشكل عام، فتوعية الشباب أمر مُهم للحد من تلك الظاهرة. والتوعية المقصود بها هنا ليست فقط توعيتهم بمخاطر الهجرة غير الشرعية والمصائر التي قد يلاقيها الشباب في تلك الهجرة، ولكن توعية دينية كذلك بتقوية الوازع الديني لدى الشباب. وهذا يتطلب كذلك أن تقوم مختلف الجهات المعنية بلعب دورٍ في مسألة توعية الشباب.

وما المطلوب برأيك من أجل مواجهة ظاهرة "الهجرة غير الشرعية" والتصدي إليها ومنع تكرارها؟

"التوعية" على مختلف المستويات أمر ضروري، تلعب فيه مختلف الجهات المعنية دورًا مهمًا. إضافة إلى ضرورة تحسين ظروف وأوضاع الشباب بتوفير البيئة المناسبة، مع ضرورة "تغيير ثقافة العمل" بما يجعل الشاب يعمل في بلده في أي مهنة مادامت تمثل عملًا حلالًا.

من الضروري التأكيد على ضرورة تغيير ثقافة العمل، وتوعية الشباب بأن أي عمل شريف تتقاضى منه أجرًا مادام حلالًا طيبًا فهو مفيد لك

وكيف يتم "تغيير ثقافة العمل".. وما أبرز أطر ذلك التغيير المطلوب في هذا الإطار؟

سألنا الشباب "ما الذي يمكن أن يتم فعله من أجل منع الشباب عن الهجرة غير الشرعية؟" فكانت الإجابة بأن توفر الدولة فرص عمل للشباب تكون بقيمة مادية تتيح للشباب أن يعيشوا ويسكنوا ويتزوجوا وغير ذلك. وعندما سألناهم: أنت تهاجر للخارج لتعمل في أية مهنة مثل غسل الصحون وخلافه، فلماذا لا تعمل في بلدك؟ قالوا إنهم لم يعتادوا العمل في تلك المهن في بلادهم. هنا كان من الضروري التأكيد على ضرورة تغيير ثقافة العمل، وتوعية الشباب بأن أي عمل شريف تتقاضى منه أجرًا مادام حلالًا طيبًا فهو مفيد لك، وعليك أن تُجرّب العمل في أي شيء متاح إلى أن تتاح لك فرصة العمل الخاص بتخصصك.

إن تغيير ثقافة العمل في مجتمعاتنا أمر ضروري، ومن المهم أن نقوم بتوعية الشباب وحمايتهم. وهي مسؤولية كل الأجهزة والجهات المعنية التي عليها أن تسهم في عملية منع الهجرة غير الشرعية والتصدي إليها بكافة السبل التوعوية والتشريعية وغيرها من الأدوات والأساليب ذات الصلة في هذا الاتجاه.

تحدثتِ ضمن الأسباب عن عملية "التقليد" أو محاكاة تجارب السابقين في الهجرة غير الشرعية.. كيف يكون التقليد عاملًا من عوامل دفع الشباب للهجرة غير الشرعية؟

كان من بين الأسباب التي ذكروها الشباب في عينة الدراسة أنهم أقدموا على خوض عملية الهجرة غير الشرعية اقتداءً أو تقليدًا لآخرين سبقوهم في تلك التجربة سواء أقارب لهم أو أصدقائهم، وأن أولئك سوف يسهمون في توفير فرصة عمل لهم وسوف يقفوا إلى جوارهم ويساعدوهم، وبالتالي جاء التقليد لهم ليحذوا حذوهم ويسيروا على نفس النهج ويستفيدوا من تواجد أولئك في البلد التي يقصدونها أملًا في أن يساعدوهم في توفير فرص عمل وتعريفهم بالمجتمع الجديد الذين هم مقبلين عليهم، وأنهم لن يكونوا وحدهم، من هنا جاء "التقليد" كأحد الأسباب.

من خلال دراستكم التي أجريت على عينة من الشباب الذين خاضوا تجربة الهجرة غير الشرعية، هل هنالك رغبة لديهم في تكرار تلك التجربة –سواء نجحوا أو فشلوا في المرة الأولى- أم أن ما تعرضوا له من مخاطر كان رادعًا لهم لعدم التفكير مجددًا في ذلك الخيار؟

من بين عينة الدراسة شباب نجحوا في عملية الهجرة غير الشرعية وهاجروا بالفعل في وقت سابق، وآخرين لم يهاجروا وقد فشلوا في محاولاتهم من أجل الهجرة غير الشرعية، وعندما سألناهم ما إذا كانوا ينوون تكرار تلك التجربة مرة أخرى، قال عدد كبير جدًا منهم إنهم سوف يكررونها، حتى أولئك الذين فشلت رحلتهم، قال الكثير منهم إنهم سوف يكررونها مرة ومرتان وثلاثة وأكثر من ذلك حتى ينجحوا، إلى أن يحققوا الرغبة في الهجرة من أجل تحسين الحياة والمعيشة.

ولماذا هذا الإصرار؟ هل يعتقد الشباب الذين خاضوا تلك المخاطرة بأن الهجرة غير الشرعية مسألة "مفيدة" رغم الأهوال والمصاعب التي عايشوها؟

لا، هناك العديد من الشباب يقعوا في مشكلات كثيرة، وهم يعلمون ذلك، فمن الممكن أن تلتقطهم بعض العصابات وتقوم باستغلالهم في تجارة المخدرات أو نقل الأعضاء أو تجارة الأسلحة وغير ذلك، أو حتى أن يموتوا غرقًا. لكن ما يدفع الشباب إلى الهجرة تلك الأسباب التي تحدثوا عنها، والتي دفعتهم للمخاطرة بحياتهم أملًا في تحسين الظروف المعيشية لهم وأملًا في مستقبل أفضل.

وما دور المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية وكذا المؤسسات الدينية في التوعية من مخاطر الهجرة غير الشرعية؟

على تلك المؤسسات وكل الأجهزة المعنية دور كبير في التصدي لـ "الهجرة غير الشرعية" والتوعية بمخاطرها وإيجاد البدائل للشباب في هذا الصدد.. وفي مصر شكلت الدول لجنة الهجرة غير الشرعية ومكافحة الاتجار بالبشر، وهي لجنة تابعة لمجلس الوزراء مباشرة، ويمثل فيها كل الأجهزة المعنية والمختصة، تقوم اللجنة بعمليات توعية، وتلعب دورًا في مسألة تغيير ثقافة العمل وتقدم بدائل مختلفة للهجرة غير الشرعية للشباب.

الإعلام ومختلف المؤسسات التربوية والبحثية المعنية وكذا الأجهزة الأمنية كلهم ممثلون في اللجنة التي تقوم بأدوار مختلفة لتوعية الشباب ومكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.. ويتم من خلالها وضع أطر التصدي لتلك الظاهرة وإيجاد البدائل والحلول المطلوبة لحماية الشباب المصري من الوقوع في فخ الهجرة غير الشرعية.

وما هي أبرز الدول التي تعد محط أنظار الشباب راغبي الهجرة، وفق ما خلصت إليه دراستكم؟ ولماذا؟

من ضمن ما توصلنا إليه في الدراسة كانت "اليونان" هي أكثر الدول التي فضل شباب الدراسة الهجرة إليها. وكان من بين الأسباب أن لديهم أقاربهم أو أصدقائهم قد سبقوهم وسوف يساعدوهم في توفير فرص عمل هناك.

أخيرًا، قلتم إن الهجرة غير الشرعية لا تقتصر على هجرة الشباب فقط لكن هنالك هجرة واسعة للأطفال.. هل هجرة الأطفال –سواء المصحوبين أو غير المصحوبين- كبيرة الحجم؟ ولماذا يلجأ أطفال أقل من 17 عامًا للهجرة؟

هجرة الأطفال ليست بأعداد صغيرة على الإطلاق؛ عدد كبير من الأطفال أقل من سن 17 عامًا قاموا بالهجرة غير الشرعية (سواء كانوا مصحوبين أي معهم أحد أقاربهم، أو غير مصحوبين)، ساهم في ذلك استغلال البعض للمبادرات والاتفاقيات الدولية المختلفة المفروضة والتي تنص على دعم ومساعدة الأطفال اللاجئين وتعليمهم وتوفير مأوى لهم وتوفير الحماية القانونية. وبالتالي استغلت بعض الأسر ذلك، فبدأوا يهجروا أطفالهم للخارج.. نحن نخسر الكثير من شبابنا وأطفالنا للأسف غرقًا في البحر بسبب "الهجرة غير الشرعية".

شجعت الدول الأوربية على هجرة الشباب؛ لأن القارة الأوربية قارة عجوز وكانت في وقت سابق بحاجة إلى أولئك الشباب من الدول المجاورة، ولما تسبب أولئك في إشكاليات لتلك القارة بدأت تسن التشريعات لمنع تدفق الهجرة غير الشرعية للشباب.. لكن كان من اللافت أن بعض هذه الدول لا تمنع الأطفال ولا النساء، وقد كان ذلك فرصة لبعض الأسر في بعض المجتمعات التي وجدت أن باب هجرة الشباب غير الشرعية بدأ يحاط بالإشكاليات بشكل أو بآخر فبدأوا في هجرة الأطفال أقل من 17 عامًا أملًا في تحسين مستقبلهم من خلال الاستفادة من تلك المعاهدات الدولية والقوانين الخاصة في بعض البلدان.