المزيد  
الموت خارج أسوار الوطن
جهود مكافحة المحتوى الإرهابي عبر الإنترنت (فرص وعقبات)
سامو زين يوجه رسالة لبشار الأسد
أجواء رمضان بين الحاضر والماضي في سوريا
هل تتأثر سوريا بخلافات "التعاون الخليجي" الداخلية؟
قصة سوري فرقته الاتفاقيات عن عائلته
بعد بتر ساقيه صاحب المقولة المشهورة "يا بابا شيلني" يظهر بساقين بديلتين
هذا ما تطلبه المعارضة الإيرانية ضد الأسد وخامنئي

أجواء رمضان بين الحاضر والماضي في سوريا

 
   
12:37


أجواء رمضان بين الحاضر والماضي في سوريا

جرت العادة في المناطق المحررة على امتداد الأعوام الستة الماضية من عمر الثورة السورية، بقيام المنظمات الإغاثية و الفعاليات الخيرية، بنشاطات خاصة بهم، تميزهم بحلول شهر رمضان، وذلك للوقوف الى جانب الأهالي، سعياً منهم لتلبية متطلباتهم اليومية، التي باتت تثقل كاهل شريحة واسعة، ممن فضلوا البقاء في الداخل السوري، وعدم اتخاذ الهجرة الى الدول المجاورة مبرراً للهروب من آلة القتل والدمار التي تتبعها قوات الأسد.

في حمص -مثالًا- كانت الأسواق تزيّن قبل حلول شهر الصيام بفترة قصيرة، حيث تمتلئ الشوارع بالأدعية الورقية، واللافتات التي ترحب بقدوم الشهر الفضيل، تلك التحضيرات غيبها مشهد الدمار، وبدأت تتلاشى شيئًا فشيء، حتى غابت بشكل كامل، وخصيصاً في تلك البقع الخارجة عن سيطرة الأسد، وميليشياته، وانحسر الأمر ببعض المحال التي تبرز بعض بضائعها المزينة بأصناف تدل على قدوم رمضان " عرق سوس- جلاب- حلاوة سمسمية- الأجبان والألبان" من خلال وضع طاولة أشبه ما تكون "بالبسطة" لتعلم المارة بوجود متطلبات رمضان بهذا المحل.

جاء رمضان بينما لم يجد بعد من يستقبله كما جرت العادة في السنوات الماضية، فترى الشوارع تخلو من المارة مع حلول الظلام، بسبب تخوفهم من القصف المفاجئ في معظم الأحيان.

أبو محمد (صاحب أحد محلات السمانة) تحدث عن تجربته خلال الأعوام الماضية، موضحاً بأن الأهالي تفرح بقدوم الشهر الفضيل، لكنها في الوقت ذاته، تقف مكتوفة الأيدي أمام متطلباته التي بات تأمينها مشكلة أساسية تواجههم في كل عام، وذلك لإرتفاع أسعارها، إذ وصل سعر كيلو الجبنة هذا العام الى 1900ل.س و كيلو الحلاوة البيضاء لنحو 1300ل.س فيما بلغ سعر علبة الزبدة 150غ نحو 650 ليرة، وهي مواد من الضروري تواجدها على وجبة السحور، وبالتالي لا تستطيع معظم العائلات تأمينها في ظل الظروف الراهنة، ناهيك عن تأمين الإفطار، الذي يكلف أضعاف أساعر وجبة السحور.

الحال في إدلب شبيه الى درجة كبيرة بوضع ريف حمص، حيث أن للشوارع عبق مختلف، تفوح منه سمة التسامح والألفة، مساجد تزاحم على أبوابها المصلون الذين كرسوا أيام الشهر للعبادة متخلّين عن أعمالهم ومشاغل الحياة قدر المستطاع كي لا يضيعوا بهجة الشهر الفضيل، تلك المساجد التي تزاحم على أبوابها بائع الخضار وبائع العرق سوس والمعروك والتمر هندي، تلك الأعمال التي لا يمتهنها البعض إلا خلال شهر رمضان الذي يتميّز بانتشار هؤلاء البائعين ويتفنن آخرون بصنع الحلويات التي تثير شهيّة الصائم وتضفي على الأسواق رونقاً مختلفاً لدرجة كبيرة عن ما قبله من أيام.

ولعل الأحداث التي تتعرض لها سوريا منذ سنوات مضت كانت كفيلة لأن تغير وتمحو القسم الأكبر من تلك الطقوس التي يحاول البعض المحافظة عليها دون جدوى، فالحرب والتهجير والنزوح والقتلى الذين قضوا كل ذلك ترك بصمة في أذهان ذويهن تؤجج نار ذكراهم في شهر رمضان، الذي تحولت طقوس الفرح فيه إلى تذكّر لذويهم الذين يرقدون في القبور وتكثر الزيارات إليهم خلال رمضان، أو هؤلاء الذين هجروا البلاد وأقسى أنواع التذكر للمعتقلين الذين يتركون غصّة في قلوب ذويهم عندما يتم وضع مائدة الإفطار وانتظار الإمام ليرفع الأذان، ترى الأبوين بدون شعور بدءا يجهشان بالبكاء ويستعيدان الذكريات الجميلة التي دمرتها غطرسة الحرب.

لكن رغم كل ما جرى ويجري يحاول هؤلاء الاستمرار وزرع بذور الأمل وإن كانت على ركام الألم، حيث بدأت الأجواء الرمضانية وانتشرت أجواؤها في الأسواق والمنازل من خلال الاهتمام بأصناف الطعام التي تميّز الشهر الفضيل وانتشار بائعي السوس والحلويات وإضفاء روح التسامح قدر الإمكان لأن السوريّ الذي اعتاد على طقوس رمضان لا يجد له نكهة ما لم يعش لحظاته كما اعتاد عليها رغم المآسي التي مرّت عليه.

يقول الحاج مصطفى "65 عاماً" من ريف ادلب: كنا سابقا نحاول قدر الامكان إنهاء أعمالنا قبل قدوم رمضان لنتفرغ للعبادة والاستمتاع بطقوسه التي يفوح منها عبق مختلف، كما كنا نوفر بعض النقود لهذا الشهر لأن تكاليفه تكون أكبر كون الصائم يشتهي الكثير من أصناف الطعام، وللاجتماع على سفرة الافطار سعادة لا تقارنها سعادة، فترى جميع أفراد الأسرة على سفرة واحد أبناء وأحفاد كلهم ينتظرون إعلان الأذان ليبدؤوا بالأكل في وقت واحد خلافاً للأيام التي تسبقه أو تليه لا ترى هذا الاجتماع إلا ما ندر إضافة إلى اصطحاب الأولاد إلى صلاة التراويح والفجر في المسجد، صحيح أن الحرب حاولت القضاء على معظم تلك العادات وتغيّرت نوعاً ما بفعل الظروف لكننا حتى الآن نحاول الحفاظ عليها ونبدأ للتجهيز لاستقباله .

وهنا نجد أن المنظمات الخيرية وجدت لنفسها موقع يمكنها من تخفيف الأعباء اليومية على الأهالي، من خلال قيامها بتنفيذ حملات الإفطار "إفطار صائم" التي تقدم وجبات الإفطار الرمضانية بشكل يومي، على جميع العائلات المتواجدة في المناطق المحررة، ومن ضمنها منظمة بادر الخيرية التي أطلقت قبل أيام خطة عمل جديدة، تهدف لتقديم يد العون للأهالي من خلال مطبخها المتواجد في مدينة الرستن، بالإضافة الى برنامج توزيع السلل الغذائية على المقيمين في مدينة تلبيسة والرستن والقرى المحيطة بها.

أيمن النعيمي " مدير مكتب المنظمة في مدينة تلبيسة" أفاد لـ "أنا برس" بأن إطلاق المشروع يأتي من إنطلاقاً من الواجب الإنساني للمنظمة، من أجل تأمين القدر الأكبر من أحتياجات شهر رمضان على المدنيين، مضيفاً عن قيام فريق العمل بتنفيذ مبادة عاجلة، لإغاثة اهالي حي الوعر الذين تم تهجيرهم مؤخراً الى ريف حمص الشمالي، لا سيما أولئك الذين استقروا في مدينة الرستن، و أشار "النعيمي" عن العمل بالتنسيق مع المكتب الإغاثي لمجلس مدينة الرستن، الذي قدم بدوره إحصائيات كاملة عن عدد الأسر، وأماكن تواجدهم.

من جهة اخرى و على الرغم مما ذكر آنفاً، فإن الكثير من العادات والتقاليد المتبعة في شهر رمضان، لا تزال شريحة من المدنيين يتمسكون بها، المتمثلة بتحضير المشروبات المنزلية "العرق سوس- تمر هندي" التي تُحضّر يومياً بأسلوب تقليدي بعيداً عن الحداثة، إضافة الى التمسك بـ "صحن السكبة" الذي يدور معظم المنازل بين الجيران طيلة شهر رمضان، فترى الأطباق متنوعة على مائدة الإفطار، لدرجة أنه لا يبقى لأهل المنزل سوى صحن واحد من الطبق المحضر، نظراً لتوزيع الطعام على كل عائلة أرسلت "صحن السكبة" اليها.

في ذات السياق تحدثت " أم سعيد" امرأة في الخمسين من عمرها نازحة من مدينة حمص، أن ما يميز الشهر هو العشر الأواخر منه، إذ كانت تفوح رائحة الحلويات المنزلية في كامل شوارع المدينة "قراص العيد- بيتفور- معملول- والكعك الليبي" وترى النساء حينها يتنافسن في طعم حلوياتهم وجودتها وشكلها الأنيق، لكن هذه العادة وللأسف تراجعت خلال أعوام الثورة، لنجد أنها انحسرت في بعض المحلات التي فرغت عملها أخر الشهر لتصنيع معجنات العيد وبيعها لمن يشاء.

غاب الأمان ولم تغب الفرحة بحلول شهر رمضان.. بهذه الكلمات ختمت " أم سعيد" حديثها، مضيفةً بأن سوريا ستعود الى ما كانت عليه، حيث كان المسيحي يحتفل بعيدنا، ونفرح حينما نسمع أصوات الكنائس، حتى في رمضان لم يمنع اختلاف الأديان جارتنا أم جوزيف سابقاً في حي الملعب، من إرسال "صحن السكبة" عند حلول موعد الإفطار.

وجميع الاهالي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام يحلموّن هذا العام أن يكون رمضان مختلفاً عن الأعوام السابقة بعد اتفاق التهدئة وتوقف القصف والمعارك عنهم منذ أكثر من شهر، يرجون أن يعيشوا هذا العام الأجواء التي افتقدوها رغم غصّة الألم لدى من يملك معتقلاً أو شهيد، ولكنهم أثبتوا خلال شهر التهدئة الذي فات أنهم أقوى من أيّ ظروف يمكن أن تكسرهم وتمنعهم من الاستمرار في الحياة من خلال عودة الأسواق والبدء بإصلاح المنشآت والمرافق العامة وتحسين مظاهر مدنهم بصورة تثبت القوة الكبيرة التي سيتغلبون فيها على كل الظروف على أمل أن ينعموا هذا العام بأجواء رمضانية تعيد لهم ذكريات الماضي.