http://anapress.net/a/293815652523964
المرة الأولى التي نزحت فيها السيدة سعاد أم الحسن من منزلها في حياتها، كان منذ سبع سنوات، ذات اليوم الذي تصفه بـ "الأسود" الذي زرع حبات الحزن في قلبها لتنبت ثمار الألم وتتساقط كالدموع من عينيها، في طريق محفوف بالمخاطر، تحاول أن تتخطاه دون خسائر، لكن لا محال.
وقعت الحادثة في شهر يوليو/تموز من العام 2012، حينما اقتحمت القوات العسكرية المدججة بالأسلحة الثقيلة البلدة الصغيرة التي تسكن بها سعاد، وبدأت العناصر والميليشيا الأجنبية تسير في الأرض فساداً، فقتلت شباب واعتقلت آخرين وحرقت البيوت، ومزقت قلوب الكثير من الأمهات التي وقع نظرها على أبنائها في لحظات القتل والاعتقال.
سعاد أم الحسن (65 عاماً) من بدة صغيرة في غوطة دمشق، قرب مطار دمشق الدولي، شهدت حصار الغوطة من أيامه الأولى حتى وصلت لتقع عينها على معارك إدلب وحماه وريف حلب وتسمع هدير طائرات الأسد وصواريخه المتفجرة عليها.
أعوام مضت على المرأة التي كانت تربي 10 أبناء في منزلها بين ذكور وإناث، بينما الآن هي وحدها مع زوجها ينظران الجدران ويبكيان الزمن على حالهما وآمالهما التي ضاعت في تراب الوطن هنا وهناك. (نرشح لكم: ثريا نموذج ملهم.. تَحدت العادات والتقاليد وأسهمت في تعليم وتدريب مئات الإناث).
"عن ماذا أحدثكم؟! عن أولادي الاثنين الذين فقدتهما ودفنتهما معاً، أم عن ابني الأكبر الذي دفنته في تراب الغوطة بعيداً عن إخوته في سنوات الحرب في سوريا، أم عن أحوال ما تبقى من أبنائي الذين باتوا في الشرق والغرب مهجرين؟"، تقول أم الحسن لـ "أنا برس" ومرارة الأيام ترسم خيوط الأسى على وجهها.
ظلت سعاد شهوراً طوال تعاني الحزن والألم؛ فالخبر الحزين يأتي بعد فاجعة مؤلمة، تباعاً فقدت أبنائها الثلاثة وأختها وزوج اختها وابن اختها الأكبر، واعتقل أخوها الأكبر ونزحت في الغوطة فقط 12 مرة من مكان لآخر، في كل مرة تخسر منزلها، إما في قصف، أو لدخول نظام الأسد والميليشيا الإيرانية إليه بعد خسارة المنطقة وتهجير أهلها بالكامل.
بعيداً عن التفاصيل الدقيقة التي عاشتها سعاد؛ روت لنا قصصاً مؤلمة، إحداها التي عاشتها، في طرفة عين بحسب وصفها، بينما كانت تنعم بين عشرة أبناء حولها، باتت الآن وحدها وزوجها تكلم من تبقى من أبنائها عبر شاشة الجوال، ليس فقط! وإما خارج منزلها الذي بذلت حياتها لأجله فهي مهجرة في الجزء الشمالي من سوريا، تبحث عن الأمان والاستقرار ريثما تهدأ طبول الحرب التي قرعت منذ زمن ولم تنته دماؤها التي سالت في شوارع وأزقة سوريا.
تعيش الآن سعاد في منزل صغير في ريف حلب، بعيدة مئات الكيلومترات عن منزلها المدمر وبلدتها الأصل، يرسل لها أبناؤها المال لتأكل وتطعم زوجها السبعيني المتعب الذي أرهقته الأحزان على فلذات كبده أبنائه. (نرشح لكم: مشاهد من عظمة المرأة السورية.. "عفاف" واجهت ظروفاً استثنائية ونجحت في التحدي).
من المؤكد أن امرأة في مكانها وبموقعها قد تميزت بصفات منحتها القدرة على الصبر والتحمل، بالفعل كان ذلك من أبرز الأسئلة التي طرحتها "أنابرس" على السيدة سعاد وبكل إصرار كانت الإجابة: إن الحرية والكرامة وعزة النفس والوطن الحزين الذي سلبه منا الأسد ومن معه هو من حقنا، ومن حق أبنائنا، والحفاظ على دماء الشهداء وعدم تركها تذهب والرياح هباءً هو واجب حتمي علينا، فنحن أبناء الوطن ونحن من نحمي عزته وكبريائه.
كانت سعاد غريبة جداً في هذا المكان، ووحيدة دون أبنائها، احتاجت المزيد من الوقت للتعايش في المهجر، تعمل في المنزل طوال الوقت تخرج للشارع وهي قلقه ففي أي لحظة تسقط قذيفة هنا أو هناك، فلا أمن ولا أمان، لكن حاجتها لجلب أغراض المنزل تضطرها للخروج، تحاول أن تعيش وزوجها حياة طبيعية لكن أين ومتى والعائلة في كل مكان من بقاع الأرض انتشرت منهم فوق الأرض وبعضهم في تراب الأرض اختلطت دماءه. (نرشح لكم: مرح البقاعي تكتب لـ«أنا برس»: المرأة السورية «عبق الثورة»).