المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

نهال.. تجربة مُلهمة تقاوم عذابات النزوح

 
   
11:44

http://anapress.net/a/108561555088377
957
مشاهدة


نهال.. تجربة مُلهمة تقاوم عذابات النزوح
المرأة السورية تقاوم عذابات الحرب- أرشيفية

حجم الخط:

لم تكن الشابة "نهال" البالغة من العمر 35 عاماً، والتي تخصصت بالفنون والمشغولات اليدوية منذ إنهائها دراستها بالمرحلة الثانوية، تتوقع وصولها إلى ذلك المكان؛ فمن مقاعد الدراسة إلى التدريب العملي على الأشغال اليدوية والاشتغال بها حتى وصولها إلى مخيمٍ كانت تسمع الكثير عن مآسيه.

أولى خطوات الشابة السورية "نهال" في عالم التجارة والأعمال الخاصة بالفنون والمشغولات اليدوية، كانت من خلال افتتاحها لمحلها الخاص والمتواضع شكلاً العظيم مضموناً، بما تصنعه يدان عشقتا الفن منذ صباها، في بلدة صغيرة كان لها دور كبير وأثر عظيم في نهوض مهارات "نهال" التي تطورت مع مرور الوقت لتدخل حرباً مع الحياة والحرية وتكون قدوة لبعض فتيات جيلها أو لربما من هنّ من جيل أكبر أيضاً، وذلك بعد سنوات من افتتاحها مشروعها الصغير الذي صنعت من خلاله العديد من الأعمال اليدوية الفنيّة، حتى أغلقته على وقع الظروف التي شهدتها سوريا، على أمل العودة مجدداً بعد تلك الرصاصة التي أصابت حياتها. (اقرأ/ي أيضاً: أم علاء وأبناؤها.. نموذج يلخص حالة القهر التي يعيشها المهجرون).

لم يكن الشغف بالصناعات والفنون والمشغولات اليدوية حبها الوحيد، بل كان هناك حب قديم تغلغل في قلبها مع تقدمها في السن وحرمانها من شعور الأمومة الذي كان طيفه يداعب مخيلتها 
 

مع الرصاص الذي انهمر مطلع الثورة السورية لم تكن "نهال" بعيدة عن حربها لأجل حريتها التي كانت بالنسبة لها تعادل عشقها لفنها الذي ألبست منه نساء بلدة الدانا بريف إدلب على مدار عامين من الإنجازات من يديها التي تركت مهنتها وأمسكت العلم بدلاً عنه لتشارك في الأحداث التي شهدها الوطن.

هو علم "الثورة" الذي دفعت "نهال" لأجله فنها وقصرها الصغير وحتى منزلها ومنزل عائلتها الذي دمر بسبب قصف لم يكن بالنسبة لنهال مجرد تدمير للجدران بل حتى للطموحات، تلك الطموحات التي تركتها عند مغادرتها إدلب على أمل العودة مرة ثانية لاستكمال حلمها ومهنتها التي تحلم بالعودة إليه.

تنظُر "نهال" خلفها وتودّع ما تبقي من حطام منزلها وبقايا أعمالها الفنية، في متجرها الصغير الذي وعدته بأن تعود خلال عام بأسوأ الأحوال، ولكن ذاك الوعد جعل "نهال" أسيرة العودة منذ خمس سنوات، في طريقها إلى المجهول –كما تقول لـ "أنا برس"- إذ تنظر بعين إلى الأمام وما يخفيه المستقبل، وبعين إلى الوراء وماذا سيحل بذكرياتها وحطام منزلها، وهل سترى ذاك القصر مرة أخرى؟

لم تتخيل نهال أن تفتح عينيها في مخيم كانت تسمع عن مآسيه الكثير، حتى ظنت أنها ستصبح جزءاً من هذه المأساة للوهلة الأولى، فمن الغرفة الواحدة التي اجتمعت فيها مع أسرتها المكونة من خمسة أفراد إلى ذاك البرد القارص الذي عصف بالمخيم وأهله، فكرت نهال في أن أحلامها وطموحاتها مهددة بالتوقف عند ذلك الحد من تأمين "لقمة العيش" ودرء ذاك البرد الذي يجتاح المخيم. (اقرأ/ي أيضاً: هاجر.. لاجئة سورية تغزل قصة نجاح فريدة في تركيا).

تقول نهال إنه لم تمض أشهر قليلة من الصدمة التي عاشتها في حياتها الجديدة القاسية، حتى نفضت غُبار حزنها وقامت بهمة ونشاط إلى المركز الاجتماعي التابع لإدارة المخيم، الذي أسس بشكل خاص للنساء السوريات، ومن هنا فتحت نهال باباً جديداً للمضي نحو متابعة شغفها في عملها الفني الخالص.

عادت نهال أخيراً للعمل في الصناعات اليديوية والخياطة عن طريق المركز، وبدأت بصناعة الألبسة للأطفال والنساء، وبدأ نشاطها ينعكس على بقية الفتيات والنسوة في المخيم، حتى تحولت الكثير من النساء والفتيات إلى حرفيات يصنعنّ احتياجهن بأيديهن، كما لم تتوقف إنجازات نهال عند ذلك الحد بل تعلمت صناعة السجاد اليدوي وهو من أصعب أنواع الخياطة، على حد قولها، حتى وصلت لمرحلة الاحتراف بكامل تلك المجالات، حتى تم تعيينها كمشرفة للفتيات والنسوة العاملات في المركز، لتصبح "نهال" النور الذي أضاء عتمة المخيم وتنتقل من مرحلة الاستهلاك إلى مرحلة الإنتاج.

نهال واحدة من السوريات اللاتي نجحن في تحدي الظروف في محيطهن، وكانت لهن بصمات هائلة ومميزة
 

لم يكن الشغف بالصناعات والفنون اليدوية حبها الوحيد، بل كان هناك حب قديم تغلغل في قلبها مع تقدمها في السن وحرمانها من شعور الأمومة الذي كان طيفه يداعب مخيلتها في كل ليلة، فعند افتتاح مركز تدريب لمعالجة أطفال التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة في منطقة كلس (Kilis) على الحدود السورية التركية، تطوعت "نهال" لتعلم معاملة هذا النوع المنسي من الأطفال والذي كان يُسبب لها حزناً كلما شاهدتهم يعانون دون اهتمام.

بدأت نهال تدريبها لمدة تسعة أشهر متواصلة لم تذق فيهم طعماً للراحة حتى اختتمت دورتها بشهادة كيفية التعامل مع أطفال التوحد ومتلازمة داون ونقص السمع وصعوبة التعلم، لتبدأ نهال وزميلاتها فوراً بالالتحاق بنفس المركز والبدء باستقبال الأطفال المصابين بتلك الأمراض والذين بلغ عددهم 25 حالة، ووصل مع الأيام لحدود الــ 40 حالة، بينهم 15 حالة صعوبة تعلم و15 حالة توحد، ومتلازمة داون ثلاث حالات، ونقص السمع سبع حالات، جميعهم تمت رعايتهم ومعالجتهم عن طريق جلسات يومية بالاعتماد على برامج عالمية منها برنامجي   Teacch,Portage .

لم يكن هدفها الوحيد معالجتهم، بل سعت "نهال" لتخليص هذه الحالات البريئة من وحدتها عن طريق دمجهم مع المجتمع ومحاولة إيجاد نشاطات تفيدهم عبر الصور التعبيرية والمصطلحات اللفظية التي تساعدهم على الاعتماد على أنفسهم وتلبية احتياجاتهم. (اقرأ/ي أيضاً: المرأة السورية.. فاعلية سياسية تحدها الكثير من العقبات (تحقيق)).

لا تزال "نهال" حتى الآن تمارس حبها لعملها الإنساني، وتحاول جاهدة معالجة هذه الحالات بمنتهى الإخلاص ساعية لدمج هذه الحالات مع محيطها وجعلها تعتمد على ذاتها في أمور حياتها اليومية.

ونهال واحدة من السوريات اللاتي نجحن في تحدي الظروف في محيطهن، وكانت لهن بصمات هائلة ومميزة، واللاتي تؤكد تجاربهن على عظمة الدور الذي تلعبه الكثير من النساء السوريات على هامش الحرب.

 




كلمات مفتاحية