http://anapress.net/a/120036889842991
خرج مع المهجرين من حي الوعر في دفعتها الحادية عشر حاله كحال الآلاف ممن هجّروا قسراً، بعيدا عن منزله وحيّه الذي طالما احتضنه في أحلك الظروف وأصعبها، رُمي على ضفاف التهجير مع بعض الأمتعة في منتصف الليل ينتظر أن تمتد له يدً تعرفه بعد أثني عشر ساعة من الإنتظار بداخل الحافلة.
أبو عدنان ذلك الرجل الستيني في عقده الأخير من العمر، فرقته التسويات والمصالحات والأجندات التي أبرمت بين من فوضوا أنفسهم عن الآلاف المدنيين، ليفاوضوا ويخرجوهم إلى حياة بعيدة عن الحصار، ولكنها ليست بقريبة من الحرية و العيش الكريم.
"أنا برس" التقت أثناء تغطيتها لوصول الدفعة الحادية عشر الى الدار الكبيرة مع ذلك الكهل الذي رفض إلقاء بندقيته، والإلتحاق بموكب التسويات التي حصلت بداخل الوعر.
"لا أعلم أين أذهب الآن؟ لا أعرف أحد في ريف حمص الشمالي، والساعة شارفت على الثالثة فجراً".. بهذه الكلمات بدأ "أبو عدنان" حديثه، وهو يقف بين بعض الحاجيات التي حملها معه، لتذكره ربما بمنزل لن يعود إليه في وقت قريب.
و أضاف: فرقت تلك التسويات بيني وبين عائلتي، بعد أن بدأ الحديث عن إخراجنا نحو الشمال السوري، لم استطع منع زوجتي وأطفالي حينما بدأوا بـ "توضيب" أمتعتهم للخروج في أول دفعة توجهت الى مدينة "جرابلس".
"وقفت عاجزاً عن النطق بأي كلمة.. كانت أم عدنان تنظر إلي بحرقة، ولسان حالها يقول: لم أعد أقوى على العيش تحت رحمة الصواريخ والقذائف.. لم أعد أحتمل فقدان عزيز آخر؛ لأن حزني على خالد (أحد أبنائها) لم ينته بعد ولربما يفشل الإتفاق ويغلقوا باب الخروج أمامنا لنترك وحيدين ننتظر مصيراً بتنا نعرفه جيداً".
أبو عدنان يضيف وهو واقف متجند ببندقيته التي اسدلها على صدره في عتمة الليل: انقسمت عائلتي، وهجرنا.. هذا أقصى ما استطاعت لجنة التفاوض تقديمه إلينا، هل أستطيع رؤية زوجتي و أبنائي قريباً؟ حتى ولو في خيمة اللجوء التي بتنا نعرفها جيداً.. يسأل وما من مجيب، في بداية التهجير تعاهدنا نحن المقاتلين على البقاء والموت في "حي الوعر" وعدم الخروج منه، لكن أوامر الضباط ومصالح الفصائل وجبروت العالم الذي تكالب علينا، أجبرني و أجبرهم على الرضوخ والخروج من بقعة احتضنت ثورتنا في حصار خانق لمدة أربعة أعوام.
واختتم أبو عدنان حديثه برسالة الى كافة الفصائل العسكرية المعارضة بضرورة التوحد مع بعضها، لسببين الأول كي لا يستمر مسلسل التهجير للمناطق المحررة، والثاني لإخراج المستعمر الروسي والإيراني من أراضينا التي باتت تسقط الواحدة تلو الأخرى.
لم تكن قصة أبو عدنان هي الوحيدة في سورية و إنما سبقتها عشرات الألاف من القصص التي تزيد عما ذكر من تفاصيل سابقة، لكنه شاهد على ما دار من قصف وتهجير ممنهج بحق إحدى المناطق المناوئة لحكم الأسد، التي أجبر أهلها على مغادرتها مرغمين.