المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

عاصم الباشا: تمثال المعرّي دفاعٌ عن ذاكرتنا ونبراسنا

 
   
14:20

http://anapress.net/a/672649715924716
1549
مشاهدة



حجم الخط:

منذ ما يقرب من خمس سنوات، وتحديدًا في فبراير/ شباط من العام 2013 انتصر التطرف وفرض كلمته الواضحة والحاسمة، حينما قامت مجموعة مسلحة في مدينة معرة النعمان الواقعة بمحافظة إدلب شمال غرب سوريا، بقطع رأس تمثال الشاعر أبو العلاء المعري، هذا التمثال الذي نفذه النحات السوري فتحي محمد قباوة، ونصب تكريما له عام 1944.

رمزية قطع الرأس كانت واضحة ومفهومة؛ انتصر هؤلاء الذين يرفضون ألا  يكون هناك إمام سوى العقل، وانتصر أئمتهم من التعصب والجهل البغيض. كان للحادث سطوته وخطورته، ففي ظل المعارك الدائرة في المدينة آنذاك والقصف الممنهج لها من قبل النظام، كان دوي سقوط رأس المعري لا يقل خطورة عن محاولات تدمير مدينة بأكلمها؛ إذ كان شاهدًا على سقوط رمز "العقل" في مواجهة الظلامية، كان انتصارًا للديكتاتورية الجاهلة والمتعصبة حتى في مواجهتها مع تمثال لرأس توارت تحت التراب ولم يبق منها سوى مبادئها وأفكارها وتراثها.  

ألف عام تقريبًا مرت على وفاة المعري، وما يقرب من قرن مضى على  نصب تمثاله الذي نفذّه النحات السوري فتحي محمد قباوة، طيلة هذه الفترة كان التمثال يقف شامخًا يتذيله توصيفًا للمعري: "شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء"، وهي العبارة التي شوهت من قبل المعتدين على رأس المعري وتاريخه أيضًا.  

في ظروف بلادنا المأساوية يلحّ علينا من أصرّ على أنّ  “ما من إمام سوى العقل“
 الباشا

خمسة أعوام مرت منذ تلك الحادثة الظلامية، كانت سوريا خلالها ولا تزال ترزح تحت وطأة القصف والتدمير وغياب العقل وممثليه، إلى أن قرر النحات السوري عاصم الباشا، بمساعدة من منظمة "ناجون" المعنية بشؤون اللاجئين، أن يعيد المعري إلى الواجهة من خلال تمثال لرأس المعري وفقط، هذه الرأس التي استهدفها المتطرفون وقرروا قطعها لأنها أعلت من سلطان العقل في مواجهة استغلال السلطات للأديان لتحقيق مآربهم.

ما الذي يمثله استدعاء رأس المعري في هذه السنوات العصيبة على الشعب السوري من أهمية جوهرية؟ لماذا اختار عاصم الباشا إعادته إلى الواجهة وأن يعود إلى العمل النحتي من خلاله أيضًا؟ يوضح الباشا في حديثه مع "أنا برس" بقوله: في ظروف بلادنا المأساوية يلحّ علينا من أصرّ على أنّ  “ما من إمام سوى العقل“ فللجهالة السائدة والتي نجح في منهجتها النظام المجرم عبر قرابة خمسة عقود كان لها دور حاسم في تراجع ثورتنا، أقصد اعتماد الغالبية على الغيبيات دون تفكّر، فشعارات من قبيل “مالنا غيرك يا الله” تذكّر بالتوكّل عليه وهو أمر غدا بعد أربعة عشر قرنًا تواكلاً، أي عدم الإتيان بأية بادرة، ومعروف أن مرجع كل انهزام واستسلام نجده في “ لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا !

أبدى العديد من جماعة “الإخوان المسلمين“ رفضهم لإحياء ذكرى فيلسوف الشعراء لأنه طالب باستخدام ما هجروه: العقل. والحقيقة أن فكرة صنع ما يذكّرنا به ظهرت خلال إحدى زياراتي لباريس ومن خلال حديث مع الصديق فارس الحلو، فبادرت منظمته “ناجون“ بالتخطيط لتنفيذ المشروع بدون تدخلات أجنبية واعتمادًا على مساندة سوريين تبرّعوا بمبلغ رمزي  لتغطية تكاليف الإنجاز . صحيح أنني عاودت النحت بعد انقطاع ما يقارب الأربع سنوات لأسباب قد يعرفها البعض. كيف لا أستجيب لدعوة المعرّي لي؟ ثم أن العمل بمثابة تظاهرة دائمة، أينما كان، دفاعًا عن ذاكرتنا ونبراسنا .

تظل إشكالية طمس الفكر وإلغاء العقل في المجتمعات العربية هي الأساس والركيزة في كل ما يمر به العرب من مشكلات، يؤكد الباشا على حقيقة الأمر، لكنه يظن أن التعويل على دور الثقافة والفن في المواجهة أمر يحتاج لتلازم السياسة مع الإبداع. مضيفًا: "معروف أن مسرحية أو فيلم أو منحوتة أو قطعة موسيقية أو غير ذلك لا تقوم بثورة ولا تسقط نظامًا. الثقافة عملية تراكمية وتحتاج لسياسيين يدافعون عنها بحقّ. والتعليم طرف أساس في تربية الأجيال وإرشادها نحو العقل، وهذا لا يتمّ ما لم تتبنى السياسة الفصل بين الدين والدولة".

ثمة صعوبات واجهت النحات السوري عاصم الباشا في العمل على تمثال المعري، يذكر أن من أبرزها الصعوبات الفيزيولوجية خصوصًا وأنه أكمل سنته السبعين والتصدّي لرأس ارتفاعه 325 سم يحتاج لجهد عضلي وتسلّق السقالات، الخ.  لكنه حظي بمساعدين متطوّعين، مثله، خفّفوا من العبء، وكان لا بدّ من استعانة بمساعدة إسبانية كانت طالبته سابقًا وهي الوحيدة التي تلقّت أجرًا مقابل ساعات عملها ( لم تتجاوز الثلاث ساعات يوميًا ) خمس مرّات في الأسبوع .

يستعد الباشا لأن يتسلم التمثال في صورته النهائية خلال أيام، هذا العمل الذي أنجز بتبرعات وجهود تطوعية سورية ودون أي تمويل أجنبي قد أوشك على الانتهاء. يُبين الباشا: "العمل في عهدة المصهر الذي سينقله إلى البرونز . أنجزوا القالب وينقلونه بالتدريج إلى المصهر ( 17 قطعة)، لكن عليّ أن أتابع مراقبة عملهم في مختلف المراحل ( الشمع، الصهر والصب ، فاللحام وتقرير اللون النهائي). سيطول الأمر قرابة 45 يومًا. المخطّط هو نقله إلى فرنسا ومحاولة عرضه في أماكن شتى حتى يتسنّى لنا نقله وإهدائه لمعرّة النعمان".