المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

نصف مليون زائر لجداريته.. خالد الساعي يعترف بهيمنة البعد الأدبي والعرفاني على لوحاته

 
   
10:35

http://anapress.net/a/156620751092640
1110
مشاهدة


نصف مليون زائر لجداريته.. خالد الساعي يعترف بهيمنة البعد الأدبي والعرفاني على لوحاته

حجم الخط:

من المنتظر أن يفتتح متحف البيرغامون ببرلين جدارية للفنان السوري خالد الساعي بعنوان “سورية حديقة التاريخ” في يناير، يعرض، من خلال مزجه الفن الحروفي العربي بصور من التراث السوري العريق، لمحطات من التاريخ والحضارة السورية، في إطار سلسلة عن تاريخ وتراث بعض البلدان. اللوحة تعاقب على زيارتها أثناء تنفيذها في أحد أروقة المعرض على مدار شهر كامل آلاف الزوار يوميا، واعتبرت بذلك أحد أهم نشاطات المتحـف. 

“سورية حديقة التاريخ” هو عنوان الجدارية الضخمة التي كلف متحف البيرغامون الفنان السوري خالد الساعي بإنجازها في رحابه وستعرض بعد شهرين، ويبلغ حجمها 8 أمتار في اثنين ونصف المتر تقريبا، ورسمت بتقنية الأكرليك والحبر مع الكولاج. الفنان السوري يوضح أنه جرى اختيار صور تمثل محطات مهمة من تاريخ سورية، وتمثل العطاءات الكبرى للشعب السوري على مر التاريخ، مع مراعاة تمثيل سائر المدن التي لعبت دورًا في ذلك. وهذه المواءمة تحدث لأول مرة، صورة مع حرف، كما جرى اختيار النصوص بعناية، كأسماء المدن من دمشق وحلب وحمص ودير الزور. (اقرأ/ي أيضًا: بالصور: فنانٌ من بلدنا.. بلال شوربة مُبدع عاندته الظروف).

يستطرد الساعي: جرى استعمال الرمز لكل مدينة كحرف يحمل دلالة معينة، مثلا دمشق رمزها حرف الشين، الذي يمثل الإشعاع والنور، وهذا بمثابة رمز لدور دمشق التنويري الحضاري، مدينة حمص مثلا تم ترميزها بحرف الصاد، وهو يمثل القلب والرؤية، والحسكة بحرف الكاف، لأنها مهد الزراعة والتحول التاريخي بالري، والحرف ذاته يرمز للولادة، وهكذا لتأخذ كل مدينة رمزًا، وأيضا جرى اختيار مقتطف شعري لكل مدينة، مثلا مدينة حلب، تمت الإشارة إلى بيت شعر المتنبي “حلب قصدنا وأنت السبيل” وبذلك يدخل الأدب والشعر كمكونين أساسيين في اللوحة، وبذلك يتجلى فن الخط بالتعبير عن كل مدينة برمزها واسمها وبالشعر أو من خلال مقتطف أدبي عنها.

أرادت إدارة المتحف أن تقوم بعمل مختلف خلال سلسلة معارضها عن تاريخ البلاد التي تنتخبها لإقامة معرض عنها، وعادة تكون معارض فيها الأوابد واللقى والآثار المتوفرة عند المتحف إضافة إلى صور كثيرة عن ذلك البلد، مشفوعة بمادة تاريخية شاملة، في هذه المرة ولأول مرة بتاريخ المتحف أرادوا تكليف فنان يستلهم ذلك التراث ويصوغه وفق رؤيته الفنية وبالتالي يضيف بُعدا مُعاصرا للمعرض ولكي لا يبقى سردًا بصريًا تاريخيًا جافًا.

يوضح الساعي: جرى التشاور معي مباشرة من قِبل المدير بروفيسور شتيفان فيبر، وعملنا عدة محادثات إلى أن وصلنا لتصور معين، بعدها أعددت دراسة فنية لمشروع اللوحة، وتمت دعوتي للتنفيذ النهائي بالمتحف وأمام الزوار وبشكل يومي لمدة شهر تقريبا، وهذا الحدث سابقة في تاريخ المتاحف وهو أن يتم تكليف فنان بعمل، ويتم التنفيذ بالمكان نفسه وأمام الناس. العمل انتهى تماما، وسيتم عرضه في المتحف في 30 يناير 2019 ضمن معرض تاريخي كبير عن سوريا.

وفي ما يتعلق باختيار الألوان يُبيّن الساعي أنه تم انتخاب الألوان في الخط من محيط كل مدينة، فأصبح لون الحروف والكلمات المحيطة بكل مدينة ينسجم مع مناخها الجغرافي ولونها، فكان للطبيعة إملاءاتها اللونية والشكلية على الحرف، والحرف هنا مطواع متكيف مع جواره في كل زاوية، لكنه لم يلتزم بالخارطة الجغرافية المباشرة لسوريا بل أعاد تموضع المدن والقرى حسب أهميتها التاريخية وحسب المقتضى التشكيلي، بعض المدن كإدلب أخذت لون اخضرار المدينة الغامق وترابها، في حين جنحت ألوان تدمر إلى البني المصفر والصخري، وقد وقع اختياره على خط الثُلث لهذه المهمة لأنه أقوى الخطوط العربية وأكثرها قدرة على التعبير والتشكيل.

يرجح الساعي أن اختياره لإنجاز هذا العمل جاء بسبب تخصصه بالعمل الجداري وللكم والنوع اللذين أنجزهما خلال مسيرته بالفن، إذ أنجز عددًا كبيرًا من الجداريات يتجاوز العشرين لعل أهمها تلك التي في البيت العربي في مدريد والتي كانت عن حرف العين وفيها مقتطفات شعرية كثيرة، وهي معروضة بشكل دائم، وجدارية في متحف الفن في بون ألمانيا ومتحف نوينهاوس وهي تتناول المأساة السورية، وأخرى في أميركا في مدينة شيكاغو وأكثر من 8 جداريات في المغرب في أصيلة وتحناوت وفي بعض الدول العربية والأوروبية.

يلفت الفنان السوري إلى أنه منذ عام 2013 بدأ تجربة الكولاج التي يعدها منعرجًا مهمًا في تجربته، دفعه لذلك شغفه بالبحث والتجريب إلى أن راقت له التجربة، وأنجز عددا من الأعمال التي يعتز بها وعلى رأسها جداريته في متحف نوينهاوس بألمانيا، ولوحة في أبوظبي آرت عام 2017 بعنوان “من يوقف الزمن”، ولوحة أخرى بعنوان “كون”.

يفيد الساعي بأن ثمة هيمنة للبعد الأدبي والعرفاني على لوحاته، فالحروف كما يقول القشيري “عوالم مشبعة بالمعاني والتأويلات” وأي حرف هو بوابة لمعان، واللغة رافد أساسي للوحة الخط وخزان لمواضيع لا حصر لها، كما أن البعد العرفاني التأويلي يمثل عمق المعنى وصورته الوجدانية، وهناك تعالق كبير بين الحرف والتصوف، وهذه العلاقة الجدلية تفتح الأبواب والصور والمعاني، لنستحضر قول النفري “فالحرف يسري حيث القصد جيم جنة جيم جهنم”، ومن ثم تتسع مساحة التأويل لطرفي النقيض، فالبعد العرفاني يجعل الرؤية أكثر اتساعا، وعند الصوفيين لكل حرف عدة معان ودلالات، فحرف الميم رمز لفم المحبوب وهو رمز للنبي محمد، ورمز المحبة، والحرف ارتسام لصوت وحركة فهو تعبير بصري، وهكذا إلى أن تغدو الحروف عوالم.

https://youtu.be/mZbfdv_1-fo

يختم الساعي حديثه بالتعبير عن الأسى والحزن لما جرى ويجري في بلده، معتبرًا لوحاته هي الطريقة التي يتفاعل بها مع ذلك التشرد والضياع وقتل الإنسان، والتي يحمل من خلالها رسالته للعالم، يقول: خلال عملي لتلك اللوحة في متحف البيرغامون زارني ما يقرب من نصف مليون زائر، ومن خلال عملي تعرفوا على هذا البلد العظيم وعطاءاته على مر الزمان وأيضا تلك المشاهدة طرحت لديهم تساؤلات عن حاضره ومستقبله، وعرف الناس أهمية لوحة الخط المعاصرة فهي هوية وحامل تراث لكن بلبوس معاصر، وهذه رسالة مهمة جدا، سوية الخطاب في التعبير الفني يجب أن تكون عالية وفيها بعض التحدي والتحريض. أذكر أن بعض من شاهد جداريتي “بعيدا عن الوطن” في متحف نوينهاوس أجهش بالبكاء.

 

*هذه المادة بالتعاون مع صحيفة العرب اللندنية.