المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

نهاية التاريخ.. بربرية الإنسانية

 
   
13:56

http://anapress.net/a/548346347026236
441
مشاهدة


نهاية التاريخ.. بربرية الإنسانية

حجم الخط:

علي ملحم

في كتابه "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"، وفي أحد فصوله المعنون بـ"البرابرة على أبوابنا"؛ يدافع المفكر السجالي "فرانسيس فوكوياما"، عن أهمية أن يتدارك العالم "المتحضر" الغربي الوقت، قبل أن يتفاقم الوضع في مناطق العالم الثالث "البربري"، فتندفع قطعان شعوبها نحو أبواب أوروبا والغرب، وتشكل تهديداً لنظام نهاية التاريخ فيها، المتمثل بالديموقراطية الليبرالية المترسخة هناك.

قد يبدو "فوكوياما" محقاً في التنبؤ أنّ دول العالم الثالث ستجد نفسها بعد فترة ليست بالبعيدة، لا تتجاوز عقدين أو أقل من تاريخ كتابته لمقاله الأشهر، ستجد نفسها خارج التاريخ. هذا الخروج سيدفع الكثير من شعوبها ومواطنيها، للبدء بمسير للعودة والدخول في مرحلة التاريخ النهائية، التي أخذت ترتسم في العالم الغربي، حيث يضع لها توصيفاً سياسياً تحكمه الديموقراطية، وتوصيفاً سياسسياً اجتماعياً تحكمه الليبرالية.

الآن، ومع هذه المشاهد التي تملأ وكالات الأنباء والصحف العالمية، بصور الآلاف من المهاجرين من شيبٍ وشبان ونساء وأطفال، يتركون دولهم في سوريا والعراق وأفغانستان وأريتريا وغانا وغيرها، يسلكون طرق الموت في مياه البحار، وبين الغابات والدغل، ليطرقوا أبواب "الجنة المنتظرة" في غرب أوروبا.

مع كلّ هذه الصور، هل كان "فوكوياما" محقّاً في نبوئته؟، وهل خيار الديموقراطية الليبرالية الذي لم تنتهجه هذه الدول، هو الذي جعل شعوبها تعبر الموت لتدخل التاريخ من الجديد؟. يبدو أن المسألة في الظاهر كذلك، لكن الغوص في عمقها يجعلنا نقف عند أسباب وسياسات أخرى، مورست وما تزال تمارس على مستوى الكوكب، وتفرضها دول الشمال "المتحضر"، متحالفةً مع حكومات انتهازية ديكتاتورية في الجنوب، لتفرضها على شعوب وسكان نصف الكوكب "البربري"، منذ أكثر من قرنٍ مضى.

فبعد نهاية الحرب العالمية الأولى، أخذت سياسة الاستعمار الاقتصادي تُنتهج في معظم الدول الغربية بأوروبا وأمريكا الشمالية، حتى الاتّحاد السوفيتي في تلك المرحلة، أخذ سياسة مشابهة لما كان يجري. 

لقد تم إجراء عملية تقسيم عالمي للعمل بين الشمال والجنوب، وربط الجنوب بالشمال، بحيث يصبح مجرد تابع ولاحق به، آخذاً لنفسه دور القيادة والريادة، لا شيء إلا لامتلاكه المدفع والبارود.

لقد أوكلت لشعوب العالم الثالث مهمة قطع الأخشاب وجر الحجارة، لرفع السدود وبناء المصانع وتشييد السفن والغواصات، واحتفظت دول الشمال "بحصة الأسد" من قيمة العمل، باستغلال فادح ومغلف بالدعوة لتنمية شعوب جنوب الكوكب، من خلال المنظمات الإنسانية في ما سمي "الأمم المتحدة ".

وكلّ الحديث عن وجود مساهمات إنسانية، وكل ما يتم تقديره من قبل الكثيرين لدور هذه الهيئات الدولية في تحسين شروط الحياة، والتقليل من الفقر، والحد من الأمراض في دول العالم الثالث، تأتي الهيئات الأخرى المماثلة كمجلس الأمن، لتخضع لاعتبارات سياسية لا إنسانية، وتبقي على مجرم كـ"بشار الأسد" لأكثر من أربع سنوات، يسفك دماء شعب بأكمله، ويدفع بهم نحو الموت "كبرابرة كما يحلو لفوكوياما أن يصفهم"، على عتبات أوروبا وأبوابها.

كل الأموال التي تُقدم كمنح وعطايا لشعوب العالم الثالث، من خلال منظمات دولية وحكومات "متحضرة" و"صديقة"، تعود فتأخذ من حساب هذه الشعوب، على شكل تلوث لمصانع الشركات متعددة الجنسية في أراضي هذه الشعوب، واستنزاف لمصادرها ومواردها الذاتية، من تبعية اقتصادية، هي احتلال بكل ما معنى للكلمة، أكثر من كونه شراكة أو تعاون.

من ناحية أخرى، وعلى الرغم من هذه الازدواجية بين إدعاء الإنسانية وتسييسها بما يتوافق مع مصالح المال لشركات وحكومات شمال الكوكب، فإنّ هناك ازدواجية في ادعاء الإنسانية من قبل شعوب هذا الشمال أيضاً. 

قد يبدو التعامل الذي يلاقيه المهاجرون إلى أوروبا، من ترحيب ومساعدة وتأمين مأوى وسكن لهم من قبل السكان هناك، قد يبدو فائضاً ومفعماً بالمشاعر الإنسانية. لكن هذا الجزء المتبدي من الحكاية. 

فشعوب أوروبا ليست مفصولة عن حكوماتها، هناك حيث "الديموقراطية الليبرالية" هي النمط والمعيار، وعلى الرغم من أن قيمها قارة في ممارسات كلّ المواطنيين "المتحضرين" وقيمهم، فإنّ هذه الشعوب غير قادرة ولو بالحد الأدنى على دفع حكوماتها للنظر في جذر المشكلة في سوريا، أو في العراق، أو غيرها... بل تكتفي بابتلاع كل ما يقذف لها من اجترار ممغوغ، لوهم من يصنع الإرهاب ويزكيه.

ليست شعوب العالم المتحضر متحللة من مسؤوليتها الإنسانية، فيما يجري لنا نحن شعوب العالم "البربري" من قتل وسجن وتشريد. هذه الشعوب الإنسانية لم تتمكن وعلى مدار قرن من أن تنتج حكومات إنسانية، وهذا صح عليها القول "كما تولّوا يولّى عليكم".

أجل البرابرة على أبواب أوروبا. وإن كان هناك شيء من بربرية في ركوب القوارب المطاطية، وعبور الأسلاك الشائكة لترسيمات الحدود وقطعها، والنوم بين أشجار الدغل، وتحت المطر؛ فإن البربرية الأهم والأجلى، هي تلك السياسات والاحتلالات المنمقة والمغلفة بالإنسانية، والتي تدفع هكذا شعوب كي تطرق أبواب الجُناة، لتأخذ مكاناً في هذا التاريخ البربري علّها تعلن نهاية له.