http://anapress.net/a/318497134982230
عزف "رياض حجاب" منذ تولّيه مهمة المنسّق العام لهيئة المفاوضات، على تبني خطاب شعبوي مرتفع السقف يرضي من خلاله عواطف الثوّار وآمالهم، منطلقاً من تخوّفه أن تقوم حملة تخوين ضدّه لاسيما وأنّ الأرض ممهّدة لذلك باعتباره رئيس وزراء سابق لدى نظام الأسد، ومن رغبته ببناء قاعدة شعبيّة عن طريق تلك الخطابات العاطفيّة.
وأطلق وعوداً بدعم فصائل المعارضة بسلاح نوعي من شأنه تغيير موازين القوى على الأرض، متّكئاً بذلك على وعود سعودية تلقّاها إبان تكليفه بالمهمّة، غير مستفيد من تجارب سابقة، لعل من أهمها تلك التي تلقاها رئيس هيئة الأركان السابق اللواء "سليم إدريس" وأخرى مني بها قائد جيش الإسلام "زهران علوش" قبل استشهاده، ولم يتمّ الوفاء بأيّ منها.
كما أنه لم يستفد أيضاً من تجربة المقاومة اليمنيّة، حين أعطتها المملكة العربيّة السعوديّة وعوداً بسلاح نوعي ورواتب للمقاتلين ليتم القضاء على الحوثيين نهائيّاً في اليمن من خلال "عاصفة الحزم"، إلا أنه بعد تدمير كامل المطارات العسكريّة وقواعد الصواريخ في اليمن وضمان السعوديّة ألّا خطر بات يهدّدها، تنصّلت من وعودها، وتَركت المقاومة تواجه الحوثيين بالقدر الذي يضمن أن لا غالب ولا مغلوب في المعركة.
كل تلك التجارب لم يستفد منها الدكتور "حجاب" بسبب قناعته الراسخة بأنّ الدول الداعمة للثورة السّوريّة ضاقت ذرعاً بسياسيّي الائتلاف الوطني والمجلس الوطني وغيرها من المكونات السياسية، وأنّه هو الشخص المتوافق عليه دوليّاً، معزّزاً قناعته تلك، حديث دار في الكواليس بعد خسارته في انتخابات رئاسة الائتلاف أمام "أحمد الجربا" بفارق 15 صوتاً، تمحور حول وجوب عدم خوضه في مناكفات المعارضة، وابتعاده عن الاستقطابات السياسيّة، تمهيداً لدور منوط به في مرحلة مقبلة، فضلاً عن معاملة دوليّة خاصّة حظي بها لم تكن لأحد من السياسيّين قبله.
إنّ تلك القناعات، مضاف عليها عشرات السنين من العمل ضمن دائرة الحزب الحاكم في سوريا –حيث اعتاد على تلقّي الأوامر وإعطائها دون أنّ يناقِش أو يناقَش بها- جعلته يعمل منفرداً ضمن فريق مؤلّف من شخوص تطبّعوا بذات السلوك أو شخوص لا يملكون جرأة الاعتراض والنقاش، ومستبعداً شخصيّات سياسيّة مخضرمة وتكنوقراطيّة متمرّسة، كان من الممكن لو وضع يده بأيديهم وتشارك المعلومات معهم، أن يشكّلوا معه قوّة تستطيع مواجهة الأسد ونظامه في جميع المحافل الدوليّة الخاصّة بالقضيّة السوريّة.
لقد أدرك "حجاب" متأخّراً، لاسيما بعد عجزه عن فعل أيّ شيء حيال التراجع الملحوظ لقوّات المعارضة في ريف اللاذقيّة، وسقوط حلب في الشمال السوري، ووادي بردى بريف دمشق، أنّه لم يكن سوى كرت حاولت بعض الدول عدم إحراقه لاستخدامه في الوقت المناسب.
إنّ كلّ ما سبق دفعه لتغيير استراتيجيّته في العمل دون تغيير أيّ من سلوكه، فعمد للزجّ بشخوص يمكنه السيطرة عليهم إلى الواجهة، فكان "محمّد علّوش" رئيساً للوفد التفاوضي، بعد أن رفض لافروف وجود "حجاب" في محادثات الأستانة، و "أسامة أبو زيد" الناطق باسم الوفد التفاوضي.
إلا أنّ خروج علوش عن المهمّة الموكلة إليه، دفعت بحجاب لاستبعاده عن وفد جنيف 4 وتقديم "نصر الحريري" لرئاسة الوفد المفاوض في جنيف، معتمداً على قبول ورضى من بعض الدول الإقليميّة الفاعلة بشخص "الحريري"، وعلى قناعته بأنّ الحريري سيكون مطواعاً ينفّذ ما يطلب منه حرفيّاً، لكن من درس سلوك الحريري جيّداً خلال توليّه مهمة الأمين العام للائتلاف سابقاً، سيدرك انّ الحريري ربّما يتمرّد في النهاية على حجاب، فهو أيضاً يسعى لأن يكون زعيماً ضمن صفوف المعارضة السّوريّة، يعطي الأوامر ولا يتلقّاها.
يبدوا أنّ رياض حجاب قد وقع في أزمة حقيقيّة، تتطلّب تغييراً حقيقيّاً في نهجه وسلوكه لكي يستطيع الخروج منها، وهنا لابدّ له من تنفيذ نقاط أربع للوصول إلى ذلك:
-تشكيل فريق عمل حقيقي يضمّ سياسيين مخضرمين قادرين على تلقّي المعلومة وتحليلها، على أن يتم مشاركتهم جميع المعلومات، والاعتماد على شخصيات تكنوقراط كمستشارين إعلاميين ومحلّلين عسكريين للعمل ضمن الفريق.
-تخفيض سقف المطالب بالحدّ الذي يضمن حقوق الثورة والثوّار ويفضي إلى حلّ لوقف نزيف الدم في سوريا، لاسيما أنّ وضع المعارضة بعد سقوط حلب لم يعد بذات القوّة قبل سقوطها.
-وضع الخلاف الشخصي مع لافروف جانباً والعمل على محاولة ضمان الجانب الروسي بالتعاون مع الدول الإقليميّة المساندة للمعارضة السوريّة، فروسيا جزء من المشكلة والتفاهم معها بضمانات الدول المساندة قد يكون بداية الحل.
-الابتعاد عن الخطاب الشعبوي العاطفي، والعمل على الحل وفق المعطيات الحقيقيّة التي تجري على الأرض، والاستفادة القصوى من اتّفاقيّة "دايتون" التي انتهى بموجبها الصراع المسلّح الذي دار في البوسنة والهرسك.