المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

د. خالد الناصر يكتب: الثورة السورية.. مسارها ومآلاتها

 
   
10:39

http://anapress.net/a/195076650372610
514
مشاهدة


د. خالد الناصر يكتب: الثورة السورية.. مسارها ومآلاتها

حجم الخط:

تدخل الثورة السورية هذه الأيام عامها الثامن وقد تعقد مسارها وطال الصراع وتشعب وتداخلت فيه المطامح والمطامع المحلية والاقليمية والدولية وتحول إلى ما يشبه حرباً إقليمية وعالمية تتقاتل أطرافها أصالةً ووكالةً على الأرض السورية وتتزاحم طائراتها في سمائها، حتى كاد يُطمس أصل الصراع وهو رغبة الشعب السوري وتصميمه على رحيل نظام الفساد والاستبدادوالطائفية وصولاً إلى نظام قائم على الحرية والعدالة والمواطنة الكاملة لكل أفراد المجتمع ومكوناته والتعددية السياسية والتبادل السلمي للسلطة عبر انتخابات نزيهة وشفافة.

ورغم تضحيات الشعب السوري الهائلة وغير المسبوقة والتي تمثلت في مئات ألوف الشهداء وعدد أكبر من الجرحى والمعاقين والمعتقلين وملايين النازحين واللاجئين والمهجرين داخل الوطن وخارجه، ورغم الدمار الهائل الذي شمل معظم مدن سورية وبلداتها وقراها، لا يزال هذا المطلب الأساس الذي أشعل الثورة بعيد المنال رغم أنه كان قاب قوسين أو أدنى أكثر من مرة ما بين عامي ٢٠١٣ و ٢٠١٥ حين جاء الاحتلال الروسي ليقلب كل المعادلات.

لقد انطلقت ثورة الشعب السوري من أجل التغيير سلميةً واستمرت كذلك طيلة الشهور الباقية من عام٢٠١١ وواجهت رصاص قوى النظام الأمنية بصدور عارية ومع ذلك ظلت مصرة على شعارها الثلاثي الشهير: لا للعنف، لا للطائفية، لا للتدخل الأجنبي، وكان يمكن أن تنتهي المسألة لو استجاب النظام لمطالب التغيير ولكنه استكبر ولجأ للحل الأمني العسكري ودفع البلاد إلى صراع دموي شامل لا رجعة فيه.

بالطبع حين واجه جماهير الشعب بالحديد والنار والقتل بدم بارد وزج الجيش في مواجهة الأهالي العزل كان طبيعياً أن تحصل ظاهرة الانشقاق داخل الجيش وأن يضطر المواطنون إلى تشكيل مجموعات تدافع عنهم وأن ينشأ الجيش السوري الحر كعنوان لهذه التشكيلات وأن تنشأ الحاجة إلى السلاح. بالتالي فإن النظام هو المسؤول الأول والأخير عن انفجار العنف والاقتتال.

 لما فشل النظام في كسر الثورة لجأ إلى وصم الثوار بالعصابات الإرهابية ونفخ في نار الطائفية بل وأطلق معتقلي القاعدة والمنظمات المتشددة من سجونه لتندس ضمن صفوف الثوار
 الناصر

ولما فشل النظام في كسر الثورة لجأ إلى وصم الثوار بالعصابات الإرهابية ونفخ في نار الطائفية بل وأطلق معتقلي القاعدة والمنظمات المتشددة من سجونه لتندس ضمن صفوف الثوار ولتشكل فصائل متشددة ليظهر حربه على الشعب بأنها حرب على الإرهاب، والتجأ إلى إيران لتنقذه من السقوط وتم استدعاء المليشيات الطائفية الموالية لها من لبنان والعراق وأفغانستان وباقي أصقاع الأرض، وفتح الباب بذلك للتدخل الدولي في سورية. ولكن هذا الدعم اللامحدود لم يجد وانحسرت سلطته إلى ما يعادل ربع الأراضي السورية واضطر هو وداعمه الإيراني إلى الاستنجاد بالداعم الآخر روسيا التي أرسلت سفنها وطائراتها موسعةً قاعدتها البحرية في طرطوس ومؤسسةً قاعدتها الجوية في حميميم واضعةً النظام وسورية التابعة له تحت الهيمنة المباشرة ومغيرة على باقي الأراضي السورية قتلاً وتهديماً تحت أنظار المجتمع الدولي المتفرج.

من جهة أخرى لم تتأخر باقي الدول الإقليمية والدولية والتي كانت محسوبة على القوى الداعمة لمطالب الشعب السوري، فرأينا الولايات المتحدة تختار الاتحاد الديموقراطي الكردي (pyd) والميليشيا التابعة له وحدات حماية الشعب (ypg) حليفاً وتضع يدها على القسم السوري شرق الفرات، بينما رأينا تركيا كرد فعل على الخطر الكردي الذي نشأ على حدودها الجنوبية تستدير لتتصالح مع روسيا مقابل سيطرتها على الريف الشمالي لمحافظة حلب ومحافظة إدلب بعد أن يئست من الوعود الأمريكية بدفع وحدات الشعب إلى شرق الفرات، ولقد كان لهذه الانعطافة ثمناً مؤلماً هو سقوط حلب بيد النظام وحلفائه مما شكل ضربة قاسية لقوى الثورة وسرع في الانهيار الذي يسود الساحة السورية حالياً.

الآن وقد خرجت الأمور من يد السوريين - نظاماً ومعارضةً - وأصبحت إلى حد كبير بيد القوى الدولية أولاً ( أمريكا وروسيا ) والإقليمية ثانياً ( تركيا وإيران ) فإن الموضوعية تقتضي أن نعترف بأن قسطاً كبيراً من المسؤولية عن هذا التدهور والتراجع يقع على عاتق قوى الثورة والمعارضة. بالطبع فأن كثيراً من العوامل والظروف فرضت عليها أو كانت خارج إرادتها؛ فالقتال أجبرت عليه والحاجة إلى دعم المال والسلاح كان حيوياً، وفي حين أن دعم حلفاء النظام كان بلا حدود سواء بالمال أو الرجال أو العتاد أو التغطية الدولية بتعطيل قرارات مجلس الأمن كان دعم أصدقائها محدوداً ومشروطاً ومتقطعاً، والأنكى من ذلك الصراع العربي البيني وخاصة الخليجي كان تأثيره سلبياً بشكل كلير، وكان من سوء حظ قوى الثورة أن الإدارة الأمريكية في عهد أوباما كان اهتمامها منصباً على إنجاح صفقة النووي مع إيران وبالتالي كانت شبه متفرجة على ما يحصل في سورية بل كانت مفتوحة العين إلى أقصاها على ما تسميه الإرهاب السني بينما عينها مغمضة عن قطعان الميليشيات الشيعية وقوات الحرس الثوري الإيراني التي تدفقت على سورية من كل حدب وصوب تعيث قتلاً وفساداً تتسابق مع النظام في الإجرام والتنكيل. كذلك الأمر مع الأصدقاء الإقليميين والأشقاء العرب حيث كان الدعم يتقلب حسب مصالح تلك الدول أو تغير الظروف التي تطرأ عليها، هذا عدا عن الخلافات التي تنشب بينها وتنتكس سلباً كما أسلفنا.

لكن أخطاء قوى الثورة والمعارضة وخطاياها كانت كبيرة أيضاً:

- فهي لم تستطع تجاوز العفوية والارتجال والتشتت، وظلت رهينة العمل كبؤر وفصائل محلية لا يربطها ناظم ولم تستطع تجاوز ذلك إلى قيادة موحدة ومهيمنة تنسق تلك التحركات وفق استراتيجية شاملة.

- وحتى المؤسسات التي أقيمت لتمثيلها أمام المجتمع الدولي شاب إنشاؤها صراع القوى المعارضة الموجودة ما قبل الثورة وكذلك طموح - وحتى انتهازية - كثير من الشخصيات والأفراد لاعتلاء قمة هذه المؤسسات وكذلك أصابع الدول التي امتدت إلى داخل هذه المؤسسات ولعبت أدواراً غير حميدة في إنشائها ومسيرتها وفي وأدها حين تخرج عن رضاها؛ وهكذا رأينا الإئتلاف يقوم على أنقاض المجلس الوطني ويرثالتمثيل والاعتراف الدولي، ثم رأينا مؤتمر الرياض ١ يتخطى الائتلاف وينشئ جسماً تمثيلياً وريثاً هو الهيئة العليا للمفاوضات، ثم يأتي مؤتمر الرياض ٢ ليطيح بها ويقصي من سموا بالمتشددين وينشئ جسماً جديداً هو الهيئة السورية للمفاوضات التي تضم وبشكل مؤثر منصات أنشأها النظام وحلفاؤه.

اقرأ أيضًا:

- النشوء المناطقي للفصائل المقاتلة وفشل كل محاولات نظمها في جسم عسكري واحد واستراتيجية قتالية موحدة واختلال علاقة تلك الفصائل بالجسم السياسي الذي يفترض أن يمثل الثورة كالمجلس الوطني وخلفه الائتلاف ومن بعدهما هيئات التفاوض.

- ظاهرة أسلمة الثورة التي طغت على معظم الفصائل وإلى حد مؤثر  ضمن مجموعات الحراك الثوري وأيضاً المؤسسات التمثيلية كالمجلس الوطني ثم الائتلاف، وقد أدت هذه الظاهرة إلى تضاؤل دور وحجم وفعالية الجيش السوري الحر والضباط المنشقين والفصائل المعتدلة التي كان لها دور كبير في تحرير  بعض المحافظات السورية التي ما لبثت الفصائل الإسلامية أن ابتلعتها ليصل بعضها إلى فبضة داعش كما حصل في الرقة ودير الزور والبادية السورية. وللحقيقة فإن ظاهرة الأسلمة ساهمت إلى حد كبير  في التغاضي عن نمو ونشاط التنظيمات المتشددة مثل النصرة حتى استفحل أمرها وأصبحت حجة للقوى الدولية المعادية منها والصديقة.

- اختلال المعادلة ما بين المصلحة الفئوية لكثيرمن القوى السياسية والفصائل المقاتلة  وتجمعات الحراك الثوري وبين المصلحة العامة للثورة أو حتى المؤسسة الممثلة كالمجلس أو الائتلاف أو هيئة التفاوض وتقديم المصلحة الفئوية على المصلحة العامة الأمر الذي تجلى في التقلبات الكارثية ضمن الائتلاف وهيئة التفاوض وكذلك في الميدان ضمن القوى المقاتلة.

- اختلال التوازن ما بين القرار الوطني المستقل والحاجة إلى الداعمين الخارجيين وتحول المعادلة الدقيقة والحساسة ما بينهم إلى ارتماء وتبعية للقوى الداعمة وبالتالي الصراع البيني بل والاقتتال حين تتضارب مصالح تلك القوى. ولم يكن غريباً أو حتى مستهجناً أن تستقوي بعض أطراف المعارضة والثورة بداعميها تجاه الأطراف المنافسة لها.

اقرأ أيضًا:

وهكذا وصل المطاف بالوضع الحالي في سورية حيث يعربد النظام مستقوياً بداعميه الأشداء ويصول الطيران الروسي فوق الغوطة وادلب وكل المناطق المحسوبة غلى المعارضة والثورةويلقي بحممهحارقاً البشر وهادماً الحجر دون اكتراث حتى لاتفاقيات خفض التصعيد التي جر المعارضة المقاتلة إلى فخها في مؤتمرات أستانة مثلما تم جر القوى السياسية إلى مؤتمري رياض٢ وسوتشي ليتم زرع عملاء النظام ومخابراته ضمن هيئة التفاوض وليصبح محور التفاوض هو العملية الدستورية لإصلاح النظام وتطوى مسألة الانتقال السياسي وهيئة الحكم الانتقالي التي تقود العبور إلى نظام جديد بنص القرارات الدولية التي يتم تجاهلها حتى من الطرف الذي يفترض أن يتشبث بها.

وختاماً قد تستطيع القوى الدولية - أساساً-  والإقليمية - بالتبعية - المهيمنة على الوضع السوري فرض تسوية تبقي على النظام ورأسه بعد تعديله أو تأهيله، وقد تنصاع لها القوى المطواعة المفروضة على مؤسسات تمثيل المعارضة السياسية والمقاتلة. ولكنها لن تستطيع أن تخمد الثورة لأن النظام الحالي قد تهدم وسقط ومحاولات تأهيله لن تؤدي إلا ما يشبه جسد الملك سليمان الجالس على عرشه الذي تهاوى عندما قرضت الدودة عصاه التي يتكئ عليها ليكتشف الناس أنه ميت منذ أمد طويل.

وتبقى المهمة الملحة لقوى الثورة والمعارضة السورية الحقيقية أن تبادر إلى تحمل مسؤوليتها لتشكيل مرجعية وطنية تكون أملاً للناس في تجاوز هذه المرحلة العصيبة وحين يخر النظام الميت.