المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

في تحليل هجرة السوريين

 
   
16:20

http://anapress.net/a/152238507445446
739
مشاهدة


في تحليل هجرة السوريين

حجم الخط:

طفل يغرق وسط البحر، تلفظه مياه المتوسط كجيفة سمكة بالية، لم يعد هناك متسع حتى في مياه البحار لجسد طفلٍ سوري هارب من صوت الرصاص.

رجل وزوجته وطفله يركضون على سكة القطار في المجر، لا يلحقون بآخر قطار سيدخلهم إلى "الجنة المنتظرة " في أوروبا الغربية، يبطح زوجته وطفله أرضاً ويملأ الدنيا صراخاً، لم يعد هناك متسع في الحافلات والقطارات لسوري آخر يعبر الحدود، هرباً من براميل الموت.

أخذت هذه الصور، والتي ترسم فصلاً جديداً من التغريبة السورية، تشغل حيزاً من الاهتمام الإعلامي العالمي بالشعب السوري من جديد، وإن كان التعاطف الإنساني الذي تلقف العالم فيه هذه الصور، يبدو مهماً وضرورياً للترويج والمناصرة لقضايا السوريين، إلاً أن الواقع المرير يبقى ثابتاً لا يتغير، واقع أن سفاح دمشق ما يزال بقادر في كل يوم على إلقاء البراميل والحاويات على رؤوس أهالي دوما، في كل يوم تفسح الشمس مجالاً في الأجواء لطيَّاريه الحاقِدين.

ملايين تركوا أرض سوريا، ترابها، سمائها، وكل ما فيها، ليس الأمل بحياة أفضل ما يحذوهم نحو السفر، الحفاظ على ما تبقى من حياتهم هو ما يسيرهم.

ملايين تركوا أرض سوريا، ترابها، سمائها، وكل ما فيها، ليس الأمل بحياة أفضل ما يحذوهم نحو السفر، الحفاظ على ما تبقى من حياتهم هو ما يسيرهم.

وعلى الرغم من الجدل الواسع الذي تمتلئ به شاشات التلفاز وصفحات الإنترنت حول تحليل أسباب هذه الهجرة الخطرة التي تدفع السوريين نحو البحر بهذا الشكل غير المسبوق، فإن التحليل العميق والمستفيض للواقع الذي يعيشه المواطن السوري في الداخل، وذلك الواقع المتغير الذي أخذت دول الجوار تفرضه على الهاربين إليها، هو حقيقة ما بدأ يحصر السوريين في عنق الزجاجة، فليس لهم منها خلاص سوى ركوب بحر الموت للوصول إلى مكان يحفظ، ولو بالقدر الأقل، كرامة وعيشاً وبقايا حياة.

هذا الواقع قد أخذ يتغير ويضغط اقتصادياً واجتماعياً على السوريين في الداخل، وفي دول الجوار تدريجياً، حتى بلغ حدّاً لا يطاق، فناهيك عن توسع رقعة الاقتتال، وزيادة حجم الرصاص والمدافع والقنابل التي تطال السوريين في كلّ سوق، وكل شارع، ومخبأ، فقد أضيف لها تردي الأوضاع الاقتصادية بشكل مفجع بسبب الحصار للمناطق المحررة الذي يفرضه النظام، وبسبب العقوبات الاقتصادية الدولية عند حديثنا عن مناطق سيطرته، بالإضافة للقبضة الحديدية على كل متنفسات الحياة، وكسب لقمة العيش المفروضة في شرق سوريا حيث تسيطر داعش، يضاف لما سبق العراقيل التي أخذت تسنها دول الجوار على دخول السوريين، وإقامتهم على أراضيها.

فالآن لا يمكن الدخول للسوري العادي إلى لبنان ما لم يحمل على الأقل ألف دولار، وله حجز في أحد فنادق بيروت، بعد أن كان الدخول إلى بيروت لا يستلزم سوى تذكرة وهوية شخصية، كذلك مصر الآن بعد استيلاء العسكر والسيسي على السلطة، أصبح السوري مضطراً للحصول على فيزا لدخول الأراضي المصرية، على حين أن بلداً كالإكوادور يقع في قارة أخرى، يمنح السوري تأشيرة الدخول له دون أي إجراءات أو عقبات، فيالها من مفارقة.

تركيا بدورها رغم كل الجهود والتسهيلات التي قدمتها لدخول السوريين وإقامتهم، إلاً أنها لم توفر لهم مستقراً ومكاناً يحميهم من ضنف السنين القادمة، فكما هو معلوم.. يبدو أن كل التوقعات تشير إلى استمرارالصراع في سوريا إلى أمدٍ ليس بالقريب، ومجمل التكهنات البحثية والإنسانية تتوقع مزيداً من الحرب والاقتتال، ومزيداً من النزوح وأزمة اللاجئين.

هنا، فإن السوري المقيم في تركيا، وبسبب سياسة حزب العدالة والتنمية بالتعامل مع السوريين "كضيوف" أكثر منهم لاجئين وطالبين لحقوق معينة، بالاندماج وإعادة التوطين في المجتمع الجديد وبدء حياة جديدة، وعمل ودراسة جديدين؛ فإن هذه السياسة قد أخذت تشكل أزمة وجودية لأكثر من مليوني سوري في تركيا، فإلى متى سنبقى "ضيوف" على حكومة "أردوغان" وحزبه؟، و ماذا لو حدث تغيير في موازين القوى السياسية التركية؟، ما هو مصير هذه الملايين؟، هل ستعود إلى المخيمات أم يتم ترحيلها إلى الموت من جديد إلى أرض البراميل والكيماوي وغاز الخردل؟.

كل هذه التساؤلات والحيرة، وكل هذا الضنك والقلق من أزمة وجود وتحديد هوية تدفع بالسوري كي لا يبقى في أي دولة من دول الجوار، ويختار أن يلقي نفسه في مياهٍ علّها تغسله من كل آثار الدماء، ودخان المدافع الذي ملأ الأبدان والأرواح في الداخل سوريا .