المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

مشاهد من جحيم السجون السورية

 
   
10:00

http://anapress.net/a/120107396476253
1155
مشاهدة


مشاهد من جحيم السجون السورية
المظاليم.. ضحايا الاختفاء القسري (أرشيفية)

حجم الخط:

يغصّ المهجع الجنوبي في إدارة أمن الدولة بدمشق بمئات القصص، لأكثر من 180 معتقلا حشروا في مساحة لا تتجاوز 40 مترا مربّعا بما فيها "التواليت" الذي كان له استخدامات متعدّدة، فهو التواليت وأحيانا غرفة للنوم.

في زاوية المهجع كان الباب الحديدي الذي لا يفتح إلّا لإدخال طعام حتّى الكلاب الشاردة ترفض تناوله، أو لإدخال معتقل جديد، أو لأخذ وإعادة معتقلين من وإلى التحقيق.

أمام الباب مستندين على الحائط الذي يفصل بيننا وبين الحمّام أو التواليت أو غرفة النوم الواسعة -سمّوها كما شئتم- كان يجلس شخص يحمل لقب عيسى وكانت تهمته أنّه مبرمج صمّم نظاماً للجوّالات شبيهة بالآندرويد، يليه شخص من جيله كان أقسى على المعتقلين من سجّانيهم، لذلك حاز على ثقة السجّانين، ثمّ أنا، ويجاورني معتقل من درعا اسمه "عامر أبو نبّوت" كان يعمل بالألمنيوم واعتقل بتهمة تأمين المنشقّين الذين رفضوا أن تتلطّخ أيديهم بدماء السوريين.

على يمين الباب كان يجلس شخص اسمه نعمان يعمل خيّاطا في حي الرمل الفلسطيني باللاذقيّة، يليه شخص آخر من الرمل الفلسطيني أيضاً، يعمل قصّابا واعتقل لأنّ ثيابه ملوّثة بالدماء، وبجانبه شخصين كانا شديدا التحفّظ ولا يختلطون بأحد إلّا نادرا، الأوّل من حماة والثاني عراقي الجنسيّة.

كان شهر تشرين الثاني / نوفمبر أطلّ ببرده القارس، والسجّان ارتدى سترته الشتويّة، والمتقلين بدأوا يشعرون ببرودة الطقس، وأمّا العراقي وصديقه فقد انهمكا بقراءة القرآن -الذي دخل إليهما بعلم السجّانين-، فيما كان عامر أبو نبّوت يعيد لي القصّة التي يحكيها لي كلّ يوم، وحفظتها عن ظهر قلب، قصّة اعتقاله، ويسألني السؤال ذاته الذي لا أعرف له إجابة، ولكنّي كنت أجيبه. (اقرأ/ي أيضًا: تحرش لفظي وجسدي.. ناجية من سجون الأسد تروي معاناتها).

-هل سأخرج من السجن وأرى أطفالي ثانية؟

-نعم فالسجن له أبواب، وستفتح يوما ما.

مقبرة جماعية

في منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، تمّ نقلنا من المهجع الجنوبي إلى المهجع الشمالي، كان أصغر بقليل، لكنّ عدد المعتقلين كان أكبر، كما لو أنّه مقبرة جماعيّة، انتقلنا من طابق فوق الأرض، إلى طابقين تحت الأرض. السجّانون كانوا أكثر حقارة وفظاظة من سابقيهم، والمعاملة أسوأ، الشيء الوحيد الذي لم يتغيّر، هو مجاورتي لعامر أبو نبّوت وقصّته وسؤاله اللذان أصبحا اعتياديان بالنسبة لي. ما لاحظته أنّ العراقي لم يكن معنا، لا أعرف أين اقتادوه.

مطلع العام 2014، كان تنظيم "داعش" أقام خيمة دعوية في مدينة الميادين، أقام المسابقات وأعطى الهدايا للأطفال، كان واضحاً أنّه يحاول كسب قلوب الناس، كان الإعلامي الذي يصوّر اسمه "أبو وليد الجزراوي" والشرعي المرافق لهم "أبو مصعب التونسي" وأمّا "العراقي المرافق لهم" فعلى ما يبدو أنّه كبيرهم الذي علّمهم السحر، الكل يسمعه ويطيع أوامره، كان ذا وجها سمحا، لاحظ أنّي أنظر إليه باهتمام، قلت لصديقي المياذيني، أعرف هذا الرجل، لقد رأيته سابقاً، لكن لا أذكر أين ومتى.

في منتصف العام 2014 سيطر داعش على كامل ريف دير الزور الشرقي، واستطعت الهروب إلى تركيا، لكن وجه العراقي لازمني، حتّى جاء اليوم الذي التقيت فيه بأحد أصدقاء المعتقل، بدأنا باسترجاع الذكريات، نعم العراقي الذي كان معنا في المعتقل، في المهجع الجنوبي، هو ذاته العراقي الذي رأيته في خيمة داعش بالميادين، لم يتغيّر فقط أطال لحيته.  (اقرأ/ي المزيد من التفاصيل: المظـــــاليـــم.. ضحايــا الاختفـــاء القسري في ســــوريا (ملف خاص)).

استشهاد

منذ عدّة أشهر كان الخبر الصادم عندما التقيت بابن عمّ صديق المعتقل "عامر أبو نبوت"، أخبرني أنّ عامر استشهد تحت التعذيب، وأنّ صورة من صور قيصر تثبت ذلك، عامر الذي كان يحلم بالخروج من المعتقل، كان يحلم برؤية أطفاله، وكان يحلم بالكثير من الحريّة والكرامة.

"عامر" واحد من مئات آلاف الناس الذين رفضوا القتل، وساعدوا على تخفيض فاتورة الدم، واحد من مئات آلاف الناس الذين حلموا بالحريّة البيضاء، وأما العراقي فهو المثال الحي لخبث النظام وإجرامه، وهو الأداة التي قتلت عامر في معتقله.




كلمات مفتاحية