المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

المفكر السوري د.برهان غليون لـ "أنا برس": خطر تدمير إدلب لا ينبغي استبعاده (2 من 2)

 
   
10:00

http://anapress.net/a/233177008951646
437
مشاهدة


المفكر السوري د.برهان غليون لـ "أنا برس": خطر تدمير إدلب لا ينبغي استبعاده (2 من 2)

حجم الخط:

في الجزء الثاني من إجاباته عن أسئلة قرّاء "أنا برس"، يتحدث المفكر السوري البارز الدكتور برهان غليون عن العديد من المحاور  الرئيسية، في مقدمتها الحديث بشأن "بديل بشار الأسد" مؤكدًا أنه "ليس المطلوب تبديل الأسد بأسد مختلف، ولن يحل مسألة سوريا رئيس فرد مهما كان إخلاصه ووعيه". كما تحدث عن مستقبل "إدلب" وقال إنه لا ينبغي استبعاد خطر تدمير المدينة، ذلك في الوقت الذي عبر فيه عن رأيه بشان اتفاقيات "تخفيض التوتر" ورأى أنها "جزء من استراتيجية إخماد الثورة بتحويلها إلى بؤر محاصرة وفرض التسوية السياسية من موقف القوة لصالح الدول المنتدبة".

وأجاب الدكتور برهان عن تساؤلات حول "شبح التقسيم" وما إن كنا قد وقعنا في فخ التقسيم من عدمه، وقال: لا أعتقد أن التقسيم مشروع مطروح بالفعل. المطروح هو تفكيك الدولة المركزية وتفريغها من قوتها، وخلق كيانات محلية ذات درجة كبيرة من الاستقلال الذاتي ترضي النخب المحلية وتحول دون نشوء نخبة وطنية ذات تطلعات سياسية وجيوسياسية قوية.. وإلى التفاصيل:

دكتور برهان، وصلتنا العديد من الأسئلة من القرّاء لطرحها عليكم بخصوص "بديل الأسد"، من هو البديل والأجدر والقادر على أن يكون رئيس سوريا إذا تنحى الاسد بإرادته، و هل سيكون قادرًا على كل الصعاب مع العلم أن المعارضة نفسها لا يوجد فيها من استطاع أن يبرز أو يحقق أدنى المطالب لأن المعارضة بعيدة عن الشعب السوري، وفق نص سؤال أحد القراء؟

ليس المطلوب تبديل الأسد بأسد مختلف. ولن يحل مسألة سورية رئيس فرد مهما كان اخلاصه ووعيه، وقد رأينا كيف تم حرق الرؤساء والقادة قبل أن يتاح لهم ان يتنفسوا في صفوف الثورة ذاتها. المطلوب ان يكون الشعب نفسه هو الرئيس، أي أن يشعر كل فرد بالمسؤولية عن تنظيم الشؤون العمومية، ولا يتركها لأي فرد أو مجموعة بذاتها، وأن ينخرط في العمل الوطني والسياسي ولا يهرب منه، وأن يربي أبناءه على مبدأ الحق والقانون والحرية والكرامة، وأنه ما لم نكن مستعدين، كل واحد منا، للدفاع عن حقوقنا وحرياتنا في كل وقت فلن يقف شيء آمام ظهور حاكم متوحش أو مستبد جلف واحمق يحكمنا كما حصل حتى الآن. بل إن غيابنا او تهربنا من مسؤولياتنا الجماعية، أي السياسية، هو الذي يخلق الرئاسة الاستبدادية بمقدار ما يشجع الحاكم، حتى النزيه والمخلص في الأصل، على الفساد والاستبداد. فالمال الداشر، كما يقول المثل الشعبي، يعلم الناس الحرام. (اقرأ في الجزء الأول من الحوار: د.برهان غليون: الحرب انتهت).

باختصار لن يظهر رئيسا يحظى بثقة الشعب ويعمل من أجله ولمصالحه العامة ما لم يتحول الشعب باكمله إلى رئيس جمعي، اي عضو كامل العضوبة في كيان ورابطة سياسين، يعرف حقوقه ومصالحه ومستعد للدفاع عنها وكشف من يفرط بها. وكونه سيدا يعني أنه صاحب قراره وسيد نفسه لا يقبل ان يكون امعة ولا تابعا ولا سلعة ولا سخدوجا، خاصة بين من نسميهم النخبة الاجتماعية السياسية او الثقافية أو الدينية أو الاقتصادية أو العسكرية، التي كان تذللها وتمسحها على أعتاب رجال السلطة الانقلابية سببا رئيسيا في ضياع السيادة والحرية معا. ويعني كذلك أن تدافع عن حقوق اقرانك كما تدافع عن حقوقك، وأن المساس بها هو المساس بوجود الشعب نفسه والتكافل الذي يجمع بين أفراده، ويجعل منهم أقرانا ويبني علاقة أخوة سياسية في ما وراء الاختلافات الفكرية والمادية. فإما أن ينجح الشعب في أن يكون رئيسا، أي سيدا حرا، مصدر التشريع وصاحب الحق والسلطة، أو أن مبدأ الحق سيزول ومعه السيادة والحرية المرتبطة به، وتصبح السلطة جائزة أو غنيمة يفوز بها كل جسور من المتربصين بالسلطة والمغتصبين للحقوق أو الدجالين والنصابين. 



ومن الأسئلة المُتكررة التي طرحها القرّاء أيضًا تساؤلات حول مصير "إدلب"..

للأسف وجود من ادعوا قدومهم لنصرة الشعب السوري هم اليوم السبب الأول في تهديد حياة ادلب والادلبيين. خطر تدمير إدلب كأخواتها من المدن السورية لا ينبغي استبعاده. والحل الوحيد هو خروج عناصر النصرة من المدينة وتسليمها لإدراة محلية وفصائل الجيش الحر الوطنية لتجنب هذا التهديد، وفتح المجال أمام تحويلها إلى منطقة وقف إطلاق نار وتخفيض التصعيد. بعد سبع سنوات من التجريب بالناس، لم يسقط مشروع الإمارات "الاسلامية"، التي تكرس سلطنة شخص باسم الدين، في نظر العالم وحده ولكنه سقط أيضا وقبل ذلك في نظر الشعب السوري ذاته. ولا يمكن ان ينقذ الثورة أو بالاحرى رهاناتها إلا إعادة بناء الدولة وتحرير الجمهورية من تسلط أمراء الحرب الذي يشكل نظام الأسد أمهم الولادة والمرضعة.


وطرح العديد من القراء أسئلة بشأن المواقف الدولية من الأزمة السورية: (في ظل المشهد الحالي، برأيك دكتور ما الذي جعل كثير من المواقف العربية والدولية تنقلب على الثورة السورية؟) و(هل تركيا دخلت سوريا امتثالا للخطة التي قسّمت فيها الدول العظمى سوريا أم دخلت لمساعدة السوريين أم لمطامع ثانية؟).

ينبغي أن نقول أن أول المسؤولين هو نحن بمقدار ما أسأنا إدارة سياستنا ولم نظهر ما يكفي من النضج لردع المجتمع الدولي عن استهتاره بحقوقنا وتركه الدول تتقاسم مصالحنا وتبني مناطق نفوذها الخاصة على حساب الدولة السورية، والمسؤول بالدرجة الثانية هو المجتمع الدولي الذي تخلى عن التزاماته وفي مقدمها الحكومة الامريكية التي تمثل أقوى قوة عسكرية وسياسية على وجه الأرض، مما شجع أعداءنا في طهران وموسكو وغيرهما على الانخراط بشكل أكبر في العدوان، ورفع سقف طموحهم، وفي الدرجة الثالثة أصدقاءنا أو من وضعوا انفسهم هذا الموضع، في أوروبة والعالم، وربطوا إرادتهم بإرادة الدول الكبرى وواشنطن خاصة، وأحبطوا نتيجة غياب الخيارات الامريكية والدولية وتراجعوا. أما العرب فلم يكن لهم أي وزن نوعي للأسف بسبب انقسامهم وتخبط سياساتهم وقبولهم التهميش والتبعية في حقل الصراعات والعلاقات الدولية.


تخفيف التوتر هو جزء من استراتيجية إخماد الثورة بتحويلها إلى بؤر محاصرة

 ما رأيكم في اتفاقيات تخفيف التوتر؟ وهل أصبح التقسيم مطلب شعبي للخلاص من الواقع المأساوي؟ وما مصلحة تركيا من اتفاق الجنوب؟

تخفيف التوتر هو جزء من استراتيجية إخماد الثورة بتحويلها إلى بؤر محاصرة وفرض التسوية السياسية من موقف القوة لصالح الدول المنتدبة، وروسيا في المقام الأول. لكن في غياب دعم دولي واضح، وفشلنا في تشكيل قيادة وطنية واحدة عسكرية، وربط القيادة العسكرية بقيادة سياسية، لا تزال غير قادرة على الانبثاق بعد رغم سنوات الحرب السبع، لم يعد هناك خيارات كثيرة. لذلك من المفيد الحفاظ على ما تبقى من قوانا الحية والتفكير وعدم السماح بهدرها في معارك جانبية لن تغير شيئا من المعادلة والتفكير فيها من منطلق توفير الطاقات القائمة وما تبقى من حاضنة شعبية لها، من أجل التحضير لمواجهات المرحلة القادمة التي ستكون بالأساس معركة سياسية حول مستقبل النظام السياسي والدستور واعادة الاعمار السياسي والمادي.


أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال فلن يكون التقسيم مطلبا شعبيا حتى لو أنه دغدغ بعض قطاعات الرأي العام الاكثر طائفية وانعزالية. لكن ليس هناك أساس قوي للتقسيم لا داخلي ولا خارجي، في نظري. فكلفة التقسيم على الجميع أكبر من الاحتفاظ بوحدة الدولة.

وسؤال تكرر أكثر من مرة (هل وقعنا في فخ التقسيم)؟

لا أعتقد أن التقسيم مشروع مطروح بالفعل. المطروح هو تفكيك الدولة المركزية وتفريغها من قوتها، وخلق كيانات محلية ذات درجة كبيرة من الاستقلال الذاتي ترضي النخب المحلية وتحول دون نشوء نخبة وطنية ذات تطلعات سياسية وجيوسياسية قوية. أي إضعاف تطلعات سورية وطموحات شعبها، والتمهيد لرسم مناطق نفوذ دائمة للدول المتنازعة، وبشكل خاص الروس والامريكيين.

إن العمل لمواجهة هذه النزوعات وتاكيد سلطات أكبر للدولة الوطنية النازعة إلى تطوير البلاد بأكملها وتكوين أمة حية متفاعلة وفاعلة على حساب التوجهات الهوياتية المنطوية على نفسها والمشجعة على توارث الزعامات العائلية أو الدينية للقيادة الاجتماعية من جهة، وعدم السماح للامركزية الايجابية والمطلوبة أن تتحول إلى حامل للانتدابات الاجنبية ينبغي أن يكون أحد المحاور الرئيسية للعمل الوطني ولقادة المعارضة في هذه المرحلة. 


يقول أحد القرّاء في سؤال لكم: (نتمنى طرح سؤال للدكتور برهان ليتحدث عن وضع اللاجئين في لبنان وضرورة فتح طريق لهم إلى تركيا ومن ثم إلى المناطق المحررة أو الحديث مع أردوغان بلكي يلغي الفيزيا للشعب السوري لأنو العالم عم تنهان بلبنان وذل وتسلط)- (ماهومصير اللاجئين السوريين في تركيا واأردن ولبنان وأوروبا في حال اﻻتفاق).

اللاجئون أصبحوا مشكلة دولية لا يمكن حلها إلا بالتعاون بين الدول، وفي إطار التوصل إلى حل للقضية السورية التي يقع في صلبها وجود نظام مفروض بالقوة ومدعم من قبل بعض الدول الأجنبية القوية تكريسا لمصالحها القومية والذي أصبحت معادلته عدمية:  النظام أو الشعب، ولا يمكن أن يجتمعا. بمعنى أن وجود النظام يلغي الشعب ووجود الشعب يلغي النظام. ولا يمكن حل مشكلة اللاجئين من دون ايجاد الحل للقضية السورية ككل حتى لو امكن عودة أعداد قليلة منهم في بعض المناطق. أما لاجئوا لبنان فهم، أكثر من ذلك، يعيشون حالة مضاعفة من الإعدام، إعدام النظام لهم كشعب وإعدام حزب الشيطان لهم كلاجئين يتناقض وجودهم مع مشروعه في احتلال المنطقة الحدودية بشكل دائم وتحويلها إلى منطقة عمليات خاصة به. وهو يضغط على اللاجئين لتحقيق مكاسب سياسية وفي الوقت نفسه إخضاعهم وإجبارهم على طاعته والعمل لصالحه. ولا أعتقد أن تركيا، مهما كان تعاطف اردوغان مع مشكلة السوريين، تقبل بأن تضيف مليون لاجيء جديد إلى الملايين الثلاث الذين لديها، في الوقت الذي بدأت تظهر في تركيا ايضا مشاعر معادية لهم، كما تفاقمت الأزمة السياسية والاقليمية الداخلية.

في نهاية المطاف المعادلة السورية بسيطة : لن نحقق ما نريد إلا إذا تفاهمنا عليه بوضوح وصار موضع اجماع بسيط لدينا ونجحنا في توفير الوسائل الكفيلة بتحقيقه. نحن اليوم نفتقد التفاهم الواضح والعهد المشترك ونختلف على الوسائل والطرق المطلوبة لتحقيقه. هذا هو لب مشكلتنا، وهو إشكاليتنا الرئيسية في الوقت الراهن وسر تحكم الآخرين بمصيرنا وسبب خروجنا من وطننا وضياع دولتنا.

لا أعتقد بأن التقسيم مشروع مطروح بالفعل. المطروح هو تفكيك الدولة المركزية وتفريغها من قوتها، وخلق كيانات محلية ذات درجة كبيرة من الاستقلال الذاتي

 وجه أحد قراء "أنا برس" سؤال لكم قال فيه: (ماذا تفضل بصفتك سياسي مخضرم، أن تكون علاقات بلدك مع أمريكا أو مع روسيا إذا ما تم الاتفاق على مسودة حل توقف أنهار الدماء؟)

ينبغي أن تكون علاقة سورية حسنة مع جميع الدول التي تقبل التعامل معها على أساس الندية واحترام المصالح المتبادلة.  بسبب موقعها الجيوسياسي المحوري لا يمكن لسورية أن تسمح لنفسها بتقديم مصالح أي دولة أجنبية على حساب الدول الاخرى، ولا أن تقبل بأن يكون هناك أفضلية لأي دولة  ضد الأخرى . وأحد أسباب استمرار الحرب التي تدور رحاها منذ سبع سنوات في بلادنا هو اصرار ايران على الاحتفاظ بسيطرة رئيسية بل منفردة على سورية.

علاقات سورية قوية مع موسكو منذ الخمسينيات وينبغي ان تبقى، ولنا مصالح كبيرة فيها، وروسيا جارة لنا، ولنا تاريخ طويل من التعاون معها في العديد من المجالات، لكن الولايات المتحدة أيضا دولة عظمى ومؤثرة لا يمكن أن نتجاهل وجودها ومصالحها في المنطقة، ولنا مصلحة كبرى أيضا في التعاون معها للتوصل إلى حل وإقامة حكومة شرعية منتخبة في بلادنا وضمان استمرارها. مذهب السياسة الوطنية السورية في العلاقات الخارجية الدولية ينبغي أن يكون الحياد الايجابي والتعاون مع الجميع على اساس المنافع المشتركة ورفض أي املاء أو استتباع أو سياسة محاور مما كان حتى الآن احد الاسباب الرئيسية لدمار وطننا.

وقال آخر (د.برهان، قوة الموقف السياسي تتبع لمن يمتلك فوهة مدفع اكبر.. هل توافقني على ذلك؟)

- هذا صحيح على سبيل التبسيط. فمن المؤكد ان صاحب المدفع الأقوى يفرض إرادته، لكن ليس صحيحا ان القوة هي العامل الأهم في بسط السلام والاستقرار وإقامة النظم الفاعلة والمنتجة والمستقرة. قد تكون الخيارات الصحيحة في السياسة اهم من المدفع القوي. وقد يكون التعلق بالقوة على حساب السياسة، وبالتالي العقل والحكمة، سببا في الخسارة الكاملة. وهذا هو حال النظام السوري الذي خسر كل شيء رغم قوة مدفعيته، واضطر إلى تسليم أموره للدول الأجنبية. وهذا هو السبب الذي دعا كلاوزفيتز إلى أن يكتب جملته المشهورة : الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى. ومن قبل كتب شاعرنا الكبير المتنبي: الرأي قبل شجاعة الشجعان هي أول ولها المكان الثاني.

السياسة قد توفر كثيرا من العنف، وتفتح آفاقا لا يمكن للعنف أن يفتحها. أعتقد أن أكبر خطر يواجهنا نحن المتعرضين باستمرار لعنف متزايد وقهر مديد، أي لضحايا العنف، هو أن نسقط في عبادة العنف وتقديسه واعتباره المخرج الوحيد لنا. وهو ما بدأناه مع الحركات التي يدور فكرها بأكمله على إدارة التوحش والعنف. العكس هو الصحيح. العنف المنفلت وغير المؤطر بسياسة عقلانية وأخلاقية معا خطر علينا قبل أن يكون خطرا على أعدائنا. سورية الأسد تقدم لنا أفضل مثال.


وطرح أحد القراء سؤالًا قال فيه (دكتور برهان، لقد حاولتم جاهدا محاورة الدول العربية والغربية من أجل الثورة السورية، لماذا لم تتحاوروا مع إسرائيل التي بيدها بقاء بشار الأسد أو رحيله؟)

سؤالك نفسه يستبطن الجواب. كيف يمكن وضع أملنا في إسرائيل للتخلص من نظام أهم أسباب وجوده هو ضمانه مصالح اسرائيل ومساعدتها على تفكيك قوى المقاومة الفلسطينية الوطنية؟ وكيف يمكن التفكير بأن إسرائيل يمكن أن تفضل نظاما ديمقراطيا يمتلك فيه الشعب السلطة والقرار، وهي واثقة من أنها لن تستطيع السيطرة عليه وضبطه، وتتخلى عن نظام فردي أخرق لاتحتاج من أجل إخضاعه وتشغيله أجيرا لديها سوى إلى ضربات قليلة ومحدودة توجهها له من وقت لآخر لتفهمه وزنه وحجمه. وهذ ما يفسر تعايش جميع الأنظمة وفي مقدمها النظام السوري معها وقبول سطوتها وهيمنتها.

كان من الممكن بالتأكيد نيل تأييد اسرائيل إلى جانب المعارضة لو أظهرت هذه الاخيرة استعدادا للعمالة أكثر مما أظهره النظام القائم. لكن في هذه الحالة لن تكون المعارضة معارضة، ولن تستطيع التمسك بالديمقراطية، ولن تكون الثورة ثورة كرامة ولا حرية، ولن تعيد المزاودة في العمالة بناء الوطنية السورية التي دمرتها الخيانة الأسدية.

ثم هل ضحى المتظاهرون السوريون بأرواحهم من أجل استبدال نخبة بنخبة أخرى للقيام بالوظائف نفسها التي كان يقوم بها نظام الأسد؟ بعكس ما يتصوره بعض السذج منا، اسرائيل هي العدو الاول للديمقراطية في البلاد العربية، وإذا لم نفهم ذلك سنفشل في فهم قوة مقاومة النظم الاستبدادية التي لا مهمة لها، ثمن البقاء في السلطة، سوى تحييد الشعوب وشل إرادتها وحماية مصالح اسرائيل والدول الكبرى. بمعنى آخر الحفاظ على الحكومات الديكتاتورية الدموية التي عرفها المشرق العربي هو مصلحة اسرائيلية، وهذا أحد العوامل الذي يفسر استمرار هذه الانظمة في منطقتنا واطلاق يدها في العنف الواقع علينا ومعاناتنا غير المسبوقة في الأعوام الاخيرة للتخلص منها.

ليس هناك بد من فتح مفاوضات جدية مع الاسرائيليين للخروج من المواجهة المستمرة منذ قرن تقريبا

الثورة ثورة لأن الوصول إلى السلطة ليس غاية بحد ذاته، وإنما هو وسيلة لتحقيق غايات سياسية وأخلاقية كبرى نبيلة في مقدمها ضمان العدل والحرية والمساواة والندية، مما يشكل جوهر كرامة الانسان وشرفه في الوقت الحاضر.  تجييرها لأهداف أخرى يعني خيانتها، وتحويلها إلى مصدر جديد لحروب أهلية لا تنتهي.

ليس هناك بد من فتح مفاوضات جدية مع الاسرائيليين للخروج من المواجهة المستمرة منذ قرن تقريبا. إنما ليس الآن، وليس في الحالة التي تعيشها المعارضة والنظام معا، ولكن عندما تكون هناك قيادة وطنية ممثلة فعلا للشعب وقادرة على أن تكون ندا للحكومة الاسرائيلية، وتتصرف تصرف رجال دولة، ومن منطق الدفاع عن مصالح الشعب والدولة السوريتين، وبالتالي تحظى بالاحترام والصدقية. عندئذ تدرك اسرائيل أن لها مصلحة ايضا في التفاهم والتعاون مع سورية قوية وناضجة وقادرة معا، ومن ثم في احترام حقوق السوريين وسيادتهم على أرضهم والتعامل معهم كشعب محترم ومهاب.

لكن الأمر يختلف تماما عندما يتعلق برجالات قيادة متنازعين ومتنابذين، لا يهمهم سوى مصالحهم الخاصة، وهم مستعدون للتخلي عن أي شيء من أجل الوصول إلى السلطة والانتفاع بمكاسبها وغنائمها، ويتصرفون من منطق ملوك الطوائف وشيوخ العشائر وأمراء الحرب، لا يهمهم لا مصير وطن ولا مصالح شعب. مع هؤلاء لا يمكن لإسرائيل أن تتعامل إلا من منطق القوة والغطرسة والاحتقار والاستتباع، ولا يمكن لأي مفاوضات معها في مثل هذه الظروف ان تفضي إلا إلى مزيد من التعالي والتشدد في فرض الأمر الواقع، وفي النهاية إلى تدفيع محاوريها ثمنا غاليا من التبعية والإذعان للحصول على موطيء قدم في عالم العمالة والارتزاق.