http://anapress.net/a/182613671037854
تفرض النكبات التي ينوء بها الوطن العربي بعد الثورات أسئلتها ووطأتها على الكُتّاب كافة، إذ لم تعد للكاتب رفاهية الابتعاد عن الأزمات المتصاعدة في الأوطان المتهاوية والمنكوبة، فظهرت العديد من الأعمال الروائية المُحملة بهموم وأسئلة الأزمات العربية الراهنة. "العرب" حاورت الكاتبة السورية ياسمين حناوي حول عملها الروائي الجديد "أغَباني" الذي يتحدث عن وطنها سوريا في ظل النكبة.
ياسمين حناوي، كاتبة وشاعرة سوريّة، صدر مؤخرا عملها الروائي الأول بعنوان "أغَباني" عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" والذي تتعرض من خلاله لأزمة التغريبة السورية من منظور عاطفي يتخلله شيء من الشاعرية وقليل من العقلانية، توضح حناوي أن بطلة الرواية، شآم، فتاة مغتربة بالأساس، وشاءت الأقدار أن تحكم عليها ظروف الحرب هي وكل الأحباء والأصدقاء المحيطين بها بالهجرة واللجوء والسفر والبعد مجددا عن أرض الوطن؛ ولمّا كانت طالبة العلوم السياسية قد وقعت بالحب وانتهى الأمر لم يعد بالإمكان الفصل لديها بين الوطن الحبيب والحبيب الوطن.
لا تخلو الرواية من مجموعة من الإسقاطات كان أهمها الأغَباني. تلك الحرفة السورية العريقة عراقة حضارة هذه البلاد والتي جاءت كعنوان للعمل كممثلة للنسيج الاجتماعي الفيحائي بتنوعه، بقوته، بجنونه، وحتى بتعصبه، والذي بات أبناؤه السوريون والعراقيون والفلسطينيون المسلمون والمسيحيون على شفا حفرة من الغربة، ليتحولوا بطلقة أو قذيفة أو تفجير إلى مشاريع نعوش وحقائب سفر وكومة من ذكريات.
رواية النكبة
أما عن سبب اختيارها للنكبة كموضوع لروايتها، فتقول: لا أمتلك جوابا سوى القول: هل يُسأل المرء لماذا خُلق من تلك المشيمة؟ لماذا لا يزال متصلا بذاك الحبل السري؟ لماذا مازالت روحه معلقة إلى جوار ياسمين الوطن وثمار نارنجه وسفرجله؟ ولماذا يُطوّع قلمه لتوثيق فترة السبع العجاف؟
أنا لا أزعم بأنني وثقت هذه المرحلة التاريخية المعاصرة من عمر بلدي، ولكنني كتبت فصلا أولا من فصول حياة الطلاب في الجامعات السورية مع قدوم ما اصطلح على تسميته الربيع العربي، وكيف تنوعت آراؤهم تجاهه فكانوا كلهم على صواب وكلهم على خطأ، ليتأكد في النهاية بأنه في قانون الجهل والتعصب الجميع خاسرون، وفي قانون الدوران حول مفهوم المحبة المطلقة تتبلور الحالة الإنسانية المرتبطة بالتضحية والوفاء بصورتها الأقصى.
اقرأ أيضًا:
ديمة ونوس: أهرب من الواقع إلى الخيال لأنجو
تلفت حناوي إلى أنها قرأت بعض الأعمال الأدبية التي تناولت الأزمة السورية في السنوات الأخيرة، وكان جيدا جدا من ناحية الأسلوب السردي والحبكة الروائية وتناول الأحداث، وكان بعضها الآخر سطحيا طغى عليه رأي المؤلف الشخصي تجاه الوضع السياسي في سوريا مما أدّى إلى فقدان الكاتب لشريحة واسعة من الجمهور، متابعة "أنا هنا لست بصدد مقارنة أغَباني بباقي الروايات، ولكن باختصار أستطيع القول إنه وبعد سماعي للعديد من التعليقات من قبل النقاد الأدبيين والقراء العاديين من كافة أرجاء الوطن العربي كانت نقطة الالتقاء في ما بينهم أنّ أَغباني رواية جريئة المضمون شاعرية الأسلوب ومنطقية الانتقالات، ويمكن تصنيفها بالانتماء إلى سلسلة الأعمال الوطنية الملامسة للسياسة دون التعمق فيها.
يشعر القارئ لها بأنه جزء لا يتجزأ من الحدث رغم عدم مروره به ربما. يحس بأنه محاطٌ بأحداث مصورة بالصوت والصورة فيراها بالأبعاد الكاملة وكأنها مسلسل درامي، وذلك لما احتوته من واقعية مكتنفة بالألم المعكوس بطبيعة الحال جرّاء الأحداث الجسام التي شهدتها سوريا".
هناك تنويعات في الشخصيات الروائية من حيث الجنسية والانتماءات السياسية والفكرية.. تنوه الكاتبة السورية بأنها لم تقصد شيئا محددا بعينه، كل ما فعلته هو محاولة عكس جزء من طبيعة المجتمع الدمشقي على الورق. موضحة "نحن في دمشق عشنا منذ التاريخ القديم والمعاصر وفي الزمن الحالي كذلك الأمر جنبا إلى جنب إسلاما ومسيحيين ودروز، سنة وشيعة وعلويين، واحتضنت عاصمة البلاد الأشقاء الفلسطينيين والعراقيين عقب الأزمات التي عاشوها، ووفقا لهذا الأمر كان من البديهي بالنسبة لأغَباني أن تُطرَّز أحداثها وتُصاغ حواراتها على ألسنة شخصيات متنوعة تنوع المدينة التي سكنوها، فهم يتجولون معا، يجلسون على مقاعد دراسية واحدة، ويأكلون معا، وقد يقعون في العشق دون سؤال الشريك من أنت؟ ومن أي بقعة جئت؟ وبأي الأديان تؤمن؟ وفي المحصلة يستقبلون الحرب بصدورهم أيضا معا ويتركون المدينة عنوة. إنهم شركاء الإنسانية الواحدة، فما قصدته بالتنوع هو 'توثيق الفضاء الزماني والمكاني للشام'".
الذاتي والمتخيل
ترى الكاتبة أنه ليس خطأ أن تظهر ذات الكاتب في أعماله الروائية وخاصة العمل الأول، ولكن بطريقة غير مباشرة، أي يقف في الوسط تماما ما بين شغف الحقيقة والحنين للخيال، فالرواية كعمل فني أدبي لا يمكن أن تكون سيرة ذاتية بحتة بل عليها تحقيق المتع الست وهي السرد والتخيل واللغة والصدق والشعورية والتشويق.
اللعبة الأدبية
صدر للكاتبة من قبل ديوان شعر بعنوان "رائحة الياسمين" عن الدار العربية للعلوم ناشرون عام 2013، وديوان آخر بعنوان "فلامنكو" عن نفس الدار عام 2015. تُبين حناوي أنه رغم أن الشعر والرواية فنان أدبيان مختلفان إلى حدّ كبير، ولكن لا مانع من جمعهما معا في حال امتلك الكاتب لأدوات اللعبة الأدبية. فهي بشكل شخصي لا تقرر بأنها ستكتب شيئا معينا، ولا تفكّر بما ستكتبه، بل تترك العنان لقلمها في معظم الأحيان.
اقرأ أيضًا:
"وفاة موظف".. سُلطّة هشة تودي بحياة "موظف رائع"
وتتابع: لمّا كنت بشخصيتي عاشقة للتفاصيل، محبة للتجسيد والسرد مع الالتزام بالدقة والتسلسل الروائي، لم أواجه صعوبة كبيرة في إنتاج أغَباني وإحضار لغتي الشعرية بنسبة معينة إليها، بل كانت الصعوبة منحصرة في المعاناة النفسية المتعلقة بالأحداث التي لا تنفصل عمّا حصل خلال الأعوام الأخيرة مع أوطاننا في منطقة الشرق الأوسط.
التعطش الكبير لطرح المزيد من التفاصيل، وتناول العديد من القضايا بشكل سردي موسع، وما حصل مع وطنها. تلك الأسباب الثلاثة كانت المحرك الرئيسي لعجلة الكتابة الروائية لدى ياسمين، "لكن ذلك التفاؤل والأمل الحاضرين بقوة في شعري غابا تماما في روايتي، وما أن بدأت العيش مع أغَباني حتى وجدت نقاط الشبه والالتقاء الكثيرة بين الفن الروائي وشخصيتي، ولكنني في فترات كثيرة لا أشعر بنفسي إلا وأنا أسرد شعرا حرا. ذاك الأدب المحبب أيضا إلى روحي. ويمكن تلخيص ما هو مشترك ما بين أعمالي الشعرية وعملي الروائي بالإيمان بالوطن والعائلة والأصدقاء".
وتشير حناوي إلى أن الأمور السلبية تحفزها بدرجة أكبر على الكتابة، كالظلم في المجتمعات، والفقر، والجوع، والحرب، والقتل، والتهجير. تلفتها أي معاناة تتصل بالوطن والغربة عنه والتضحية من أجله. تؤثر بها القصص العاطفية المبنية على الحب المطلق والإيمان الكامل بالشريك. وتداعب عواطفها علاقات الأمهات بالأبناء والأخوة مع بعضهم وحتما الأصدقاء فهم يشغلون حيزا كبيرا من تفكيرها.
*بالتعاون مع صحيفة العرب اللندنية.