http://anapress.net/a/191478040433823
بعد سيطرة قوات النظام على عدد كبير من مدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي، اضطر أهالي وسكان المنطقة من النزوح نحو الشمال السوري، وفي غضون ارتفاع اسعار ايجار المنازل في الشمال السوري بشكل جنوني، اضطر النازحين من السكن في المدارس كحل مؤقت ريثما يتم تأمينهم في مخيمات أومراكز إيواء.
الهجرة إلى المجهول
"كان جَل ما أفكر فيه كيف سأخرج أنا وعائلتي وسط القصف المستمر، وهل سننجو أم سيستهدفنا الطيران الحربي أثناء خروجنا؟"، يقول "أمجد" من مدينة اريحا لـ" أنا برس".
ويضيف؛ "في النزوح لا أحد يعرف أين وجهته، كل ما يهم من ينزح هو الحفاظ على أرواح عائلته، والهروب من الموت إلى الحياة المؤقتة في الشمال فلربما يلحقنا إجرام الأسد وروسيا إلى هناك، فما بوسعنا أكثر من أن نجد شاحنة تنقلنا إلى الشمال وبكل تأكيد وجود شاحنة هو حلم وردي قد لا يتحقق وسط القصف العنيف".
"أم عبدالله" قالت في حديثها لـ "أنا برس"؛ "أنا وزوجي السبعيني المقعد وحيدين في منزلنا الذي دمر كله، وأبنائي في ألمانيا، فاضطررنا للنزوح لمنزل متطرف عن مدينة أريحا قبل حملة القصف الهمجية عليها؛ وما ان بدأت حملة القصف على المدينة وقفنا أنا وزوجي على قارعة الطريق آملاً أن نجد من يأخذنا معه، فلا نملك أي أغراض سوا ملابسنا".
وتضيف؛ "وقفت شاحنة محملة بـ الأغراض لنا وسألتنا عن وجهتنا، فأجبنا لا نعلم المهم الخروج من تحت ويلات القصف، فاصطحبنا معه إلى إحدى المدارس التي فتحت أبوابها للنازحين، لنمكث في أحدا الصفوف دون توفر الأساس اللازم للسكن".
خيارات قليلة
"مازن"أحد سكان قرية آفس جنوبي إدلب، قال لـ" أنا برس": "حين لا تمتلك المال، ولا المكان فخياراتك في النجاة تكون قليلة أو مستحيلة احياناً؛ تكلفة نقل أساس (عفش) منزلي من آفس إلى الريف الشمالي 50 الف ليرة سورية أي نصف المبلغ الذي خبأته للنزوح منذ أن بدأت العملية العسكرية على إدلب؛ ناهيك عن شرط سائق الشاحنة بالتوصيل فقط دون الانتظار أي يجب علي أن أجد مكان أمكث فيه أنا وعائلتي وأنا في ضمن الشاحنة".
ويضيف؛ "طلبت من سائق الشاحنة التوجه إلى الشريط الحدودي مع تركيا ومن ثم الى أي مخيم، فوضعني في مخيم عائدون في ريف مدينة سلقين شمال غرب إدلب، أنزلنا أساس منزلنا بالقرب من المخيم في العراء منتظرين الحصول على خيمة، لكن لم أتمكن من الحصول عليها، فاستقبلني أحد سكان المخيم ليومين، حتى انتقلت إلى إحدى مدارس الريف لمكث بها مع باقي النازحين".
المدارس وجهة اضطرارية
"المطر تنهال علينا ونحن نقف وسط الطريق أخذين ما استطعنا حمله، فلم يكن لدينا خيار سوى أن نلجأ إلى المدرسة"، يقول "أبو محمد" من ريف سراقب جنوبي ادلب لـ أنا برس.
ويضيف؛ "عقب آلة القتل والدمار والتهجير الذي يتبعها النظام السوري والاحتلال الروسي كان لا بد من الخروج للحفاظ على أرواحنا، اتجهنا نحو الشمال السوري، حاولت أن أجد بيت للإيجار وإن كان بسعر مرتفع لكن للأسف لم أجد، ولا حتى منزل غير مكسي؛ اثناء بحثي عن منزل للإيجار وجدت عدد من المهجرين في مدينة سلقين شمال إدلب، قد افتتحوا مدرسة، فما كان علي إلا أن أقطن أنا وعائلتي في أحدا صفوف المدرسة بشكل مؤقت ريثما أجد منزلاً للإيجار".
بينما أوضحت أم عادل سبب سكنها في أحد صفوف المدرسة بعدم قدرتها على دفع إيجار المنازل قائلة: "لدي أربعة أطفال، وقد قتل زوجي اثر القصف الذي شهدته مدينة سرمين بإدلب، فضطررت للنزوح مع أقربائي؛ لا أستطيع تأمين حليب الأطفال لأولادي كي أستطيع دفع 100$ لمنزل في الشمال، فما كان علي إلا أن اتجه مع اقربائي الى المدرسة، رغم عدم تأهيلها للسكن لكن تبقى أفضل بكثير من العراء".
معاناة مستمرة
"حالنا ليس أفضل بكثير من قاطني المخيمات"، يقول "مصطفى" من سراقب، ويضيف؛ "معظم صفوف المدارس لا يوجد بها نوافذ عقب استهداف المنطقة سابقاً بالطيران؛ استطعنا أن نتغلب على هذه المشكلة بوضع أكياس النايلون بدلاً من زجاج النوافذ، لكن كيف سنحصل على الدفء؟".
ويستطرد "مصطفى" في حديثه لـ "أنا برس"؛ "أصوات بكاء الأطفال يعم المكان، الخوف من البرد أصبح أشبه بالخوف من الموت، ظلام في الليل، وندرة المياه، وأبواب يفتحها الهواء، أطفال جائعين وخائفين، إنها المأساة في عينها".
"رهام" ذات الثلاثين ربيعاً قالت في حديثها لـ "أنا برس"؛ "وصل بنا الحال شراء الماء للذهاب الى الحمامات، ولا يمكنني الذهاب إلا برفقة زوجي؛ ناهيك عن مشاركتنا صف المدرسة لعائلة أخرى جاءت مؤخراً ولم تتمكن من وجود مأوى لها".
طلاب بلا تعليم و معلمون بلا عمل
مع استحواذ النازحين على مدارس ريف إدلب الشمالي، بات طلاب أهلي وسكان المنطقة محرومون من التعليم بشكل نهائي، ناهيك عن فقدان المعلمين لدى المنظمات العاملة في الشمال السوري، عملهم بعد فقدان المدارس.
"بعد أن قطن النازحون الجدد في المدارس أصبحت بلا عمل، علماً أنني معيلة لعائلتي"، تقول "ريما"، وتضيف؛ "هم أهلنا ومن حقهم اللجوء إلى المدارس مع فقدان المخيمات واستمرار تجار بالحروب من مص دماء النازحين برفع أسعار إيجار المنازل، ولكن عقب هذا قد فقد مئات المعلمين عملهم، ناهيك عن حرمان آلاف الطلاب حق التعليم".
"أبو باسل" من شمال ادلب قال لـ "أنا برس"؛ "لدي 5 أطفال كانوا يقصدون المدرسة في كل صباح، ومع مكوث النازحين في المدارس حرموا من حقهم بالتعليم؛ ولولا غياب المنظمات الشبه كامل عن ملف طوارئ النازحين بشكل سريع وبناء المخيمات لهم، واستغلال النازحين من قبل أصحاب المنازل والمزارع لما التجأ النازحين الى المدارس، فبكل تأكيد تعليم أبنائنا ليس أهم من ارواح ابنائهم ان مكثوا في العراء".
وناشد أبو باسل المنظمات الإنسانية الإسراع في انقاذ النازحين من جحيم السكن في المدارس لفقدانهم مقومات الحياة، ولعدم حرمان آلاف الطلاب من حقهم من التعلم.