المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

يوسف عبدلكي.. أسير الذاكرة الدمشقية

 
   
13:45

http://anapress.net/a/243850569569787
870
مشاهدة



حجم الخط:

يوسف عبدلكي (أرشيفية)

ذاكرته المفعمة بصور وتفاصيل دمشقية، والمكتظة بألوان طفولته وشبابه في وطنه سوريا لازالت تقف بشموخ وتحدٍ لترفض الانزواء تحت وطأة سنوات غربته وعزلته لما يقرب من ربع قرن أو الانسحاق تحت عجلات الحرب والخراب السوري الراهن. يوسف عبدلكي الفنان الدمشقي يحيل ألوانه وصوره إلى لوحات بالأبيض والأسود، تغيب الألوان وتحضر المعاناة والأسئلة والعزلة وكل ما حملته سنوات عمره من هموم وانشغالات في لوحات رسمها وبقيت شاهدة على ذاكرته التي لم تغادر وطنها رغم كل أزماته.

يوسف عبدلكي المُتوج مؤخرًا بجائزة "النيل للمبدعين العرب" من قبل الدولة المصرية، ولد في مدينة القامشلي عام 1951،  تخرج في كلية الفنون الجميلة من جامعة دمشق عام 1976. وفي عام 1980 غادر سوريا إلى منفاه الباريسي الذي قضى فيه ما يقرب من ربع قرن بعد تجربة اعتقاله في الفترة ما بين 1978 و1980.  في باريس نال عبدلكي دبلوم الحفر من المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس عام 1986ثم حصل على الدكتوراة في الفنون التشكيلية من جامعة باريس.

 تذخر لوحات عبدلكي في مرحلتها الأولى على وجه الخصوص بتشخيصات للبيئة الدمشقية عبر جماليات التصوير والمخيلة التي لم تمحى منها الأحياء الدمشقية بتفاصيلها

يوسف عبدلكي صاحب تجربة فنية تشكيلية مهمة وثرية، بدأها منذ السبعينات وتأثر فيها بتيارات متباينة ومتعددة، كما أنه صاحب تجربة في تصميم الملصقات والشعارات وأغلفة الكتب، نشرت أعماله التشكيلية والكاريكاتورية في كثير من الصحف العربية والعالمية منها القدس العربي والشروق والخليج ولو ماتينيه وغير ذلك من المطبوعات. كما أن له دراسات فنية بارزة من أهمهما "تاريخ الكاريكاتير في سوريا" وهي الدراسة التي صدرت عام 1975، و"رسامو الكاريكاتير العرب وتقنياتهم" الصادرة عام 1989.

أقام عبدلكي العديد من المعارض الفردية في مختلف العواصم والمدن العربية والعالمية، كان أولها في دمشق عام 1973،  كما شارك في كثير من المعارض الجماعية. ويحتفظ المتحف البريطاني في لندن بأربعة أعمال له، اثنين منهما يعودا لعام 1993 وعملين من عام 2004، كما يحتفظ متحف معهد العالم العربي في باريس بعملين، ويحتفظ متحفDigne-Les-Bains Museum بفرنسا بعملين يعودا لعام 1986، ويقتني متحف الكويت الوطني أربعة أعمال له فيما يقتني متحف عمان للفن الحديث عملاً له يعود إلى عام 2003.

عالم عبدلكي

بعد ربع قرن من الحياة في المنفى الباريسي عاد عبدلكي إلى دمشق مرة أخرى عام 2005، ورغم طول فترة الإقامة في المنفى إلا أن دمشق وضواحيها لم تغادر فكر وذاكرة الفنان السوري الذي قرر أن يهجر المنفى إلى وطنه رغم كل ما يعتمل به وأن يضع لوحاته في مواجهة القتل والدمار والتخريب.

في يوليو/ تموز 2013 اعتقلت السلطات السورية عبدلكي بعد توقيعه على بيان ضم مائة مثقف من سوريا طالبوا فيه بتنحي بشار الأشد وأكدوا على أهمية استقلالية القرار السوري وضرورة عدم زج بلادهم في صراعات إقليمية، كما أنه قبيل رحيله إلى باريس كان قد اعتقل أواخر السبعينات على خلفية انتمائه لرابطة العمل الشيوعي. (اقرأ أيضًا: عاصم الباشا: تمثال المعرّي دفاعٌ عن ذاكرتنا ونبراسنا).

تذخر لوحات عبدلكي في مرحلتها الأولى على وجه الخصوص بتشخيصات للبيئة الدمشقية عبر جماليات التصوير والمخيلة التي لم تمحى منها الأحياء الدمشقية بتفاصيلها. في مرحلته الباريسية في بداية الثمانينات حضر البعد السياسي بشكل أكثر وضوحاً في تجربة عبدلكي فجنح لتقديم أعمال تحفل بالحرية ورموزها، وظهر البعد الأيدولوجي بشكل واضح في كثير من الأعمال، ثم ازداد اهتمامه بتصوير "الطبيعة الصامتة" في المرحلة الأخيرة من أعماله.

في العام الماضي أثار معرضه"عاريات" الذي أقامه في جاليري  داخل سوريا  الكثير من الجدل، تعرض لسيل جارف من الانتقادات لإفتتاحه معرض يضم لوحات عن الموديل العاري في خضم المعركة الدائرة في سوريا والمجازر القائمة في حلب آنذاك. أشهر عبدلكي عارياته في مواجهة الفكر المتطرف ومنهجيات القتل والتدمير وفي مواجهة السيوف التي رُفعت لتحارب حريته كفنان في تقديم أعمال تعبر عن ذائقته الجمالية ومكنوناته الفكرية. (اقرأ أيضًا: مظفر النواب.. شاعر الغُربة والتمرد).            

وفي حوار له حول ما أثاره هذا المعرض من انتقادات وهجوم عليه قال عبدلكي: " بالنسبة إليّ فلم يشكل الاشتغال على العاري، في أي لحظة، انفصاماً عن الواقع. لقد عملت عقوداً على الموضوعات العامة والسياسية. ثم جاءت لحظة، بعد أن تحولت الثورة إلى صراع إقليمي - دولي بالدم السوري ولأهداف غير سورية، ووصلت إلى درجات من البشاعة قل نظيرها في أي حرب أخرى، أو في أي حرب أهلية، الأمر الذي أصابني بصدمة كبيرة كما أصاب الملايين من السوريين. أصابت البشاعة وجداني، فلم أجد نفسي إلا وأنا أشيح بنظري وروحي عن تلك البشاعة المطلقة. كأنني لا أريد أن أصدق أن هذا يحدث في بلدي وبين أهلي. في هذه اللحظة العسيرة، وجدت نفسي مندفعاً لأرسم الوجه الآخر في الحياة، لأرسم وجه الجمال، ولم أجد شيئاً أرفع جمالاً من الجسد العاري. بمعنى من المعاني، العمل على العاري هو هروب من بشاعة القتل والتدمير واحتجاج عليهما في آن معاً".

وتأتي جائزة النيل للمبدعين العرب من مصر، والتي تم استحداثها هذا العام لينالها عبدلكي في دورتها الأولى، كتتويج لمسيرة فنان أثرى الحياة التشكيلية العربية بأعمال فنية مميزة ولمسيرة فنية تجاوزت الأربعة عقود ولم تنل ما تستحق من التكريم والاهتمام النقدي.