المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

أبو العلاء المعري.. رهينُ المحبسين وأسير التكفير

 
   
11:00

http://anapress.net/a/233317343509733
2265
مشاهدة


أبو العلاء المعري.. رهينُ المحبسين وأسير التكفير

حجم الخط:

"يرتجي الناسُ أن يقـومَ إمــامٌ ناطقٌ في الكتيبة الخرســاء، كذب الظنُّ لا إمام سوى العقل مشيرا في صبحه والمســاء، فإذا ما أطعـتــه جلب الرحمة عند المسير والإرســـاء، إنما هذه المذاهب أسبـــاب لجذب الدنيا إلى الرؤسـاء".. تلك الأبيات التي كتبها المعري منذ ما يقرب من ألف عام هي صرخة التنوير في كل عصر، ينطق بها مفكرون وفلاسفة ومثقفون، وربما يواجه أكثرهم التهمة ذاتها التي باتت مُلحقة بكل من يدعو لاستخدام العقل في مواجهة دعاة الحقائق المطلقة.

في حياته، اختار المعري لقبه بنفسه "رهين المحبسين" أي العمى والبيت الذي لازمه لما يقرب من 40 عامًا بعد عودته من بغداد، ولم يخرج منه سوى مرات معدودة، إلا أن النعت الذي ظل ملازمًا له حتى اللحظة الراهنة "الزنديق" لم يكن من اختياره غير أنه بات صفة يلصقها الكثيرون به حتى بدت من المسلمات التي لا تحتاج إلى جدال.

ولد أبو العلاء المعري عام 973 في معرة النعمان، وهي مدينة سورية تقع في محافظة إدلب شمال وسط سوريا، ومنها استمد المعري اسمه، كان ينتمي لعائلة بني سليمان، التي عرف بعض أعضائها بالشعر، ورغم أنه فقد بصره عندما كان في الرابعة من عمره إثر إصابته بمرض الجدري، إلا أنه بدأ القراءة باكرًا عندما كان في الحادية عشرة من عمره تقريبًا. درس المعري علوم اللغة والأدب والفقه والحديث والتفسير والشعر في اكثر من مدينة سورية، واستطاع أن يكوّن ثقافة موسوعية من خلال دراسته وقراءاته للنحو والشعر والنثر والمذاهب والأدبيان وغيره.

قضى فترة من حياته في بغداد، قام خلالها بزيارة العلماء وإلقاء المحاضرات عن المنطق والشعر والنحو، ليعود بعدها إلى بلدته معرة النعمان  عام 1009م، ويعكف على التأليف في منزله، وكان يكتب له علي بن عبد الله بن أبي هاشم. عاش حياته زاهدًا عن الملذات من طعام أو ملبس حتى وافته المنية عن عمر ناهز 86 عامًا.

مؤلفاته

ترك المعري أرثًا من المؤلفات ما بين النثر والشعر قارب عددها السبعين، ومن أبرز مؤلفاته في الشعر ديوان "سقط الزند"، والذي أسس لقاعدة شعبية له، ثم "اللزميات.. لزوم مالا يلزم" فيه التزم المعرى مالايلزمه نظام القوافي، فضلًا عن "الدرعيات" وهو ديوان صغير طبع ملحقًا بالديوانين السابقين.  في النثر، ترك المعري عددًا من المؤلفات الهامة منها "رسالة الغفران" والذي يركز على الحضارة العربية الشعرية، وكتاب "فصول وغايات"، وفيه يقدم المعري مجموعة من المواعظ بشعرية مماثلة لأسلوب القرآن الكريم. فضلًا عن كتبه الأخرى مثل "الأيك والغصون"، "عبث الوليد"، "رسالة الفصول والغايات"، "ضوء السقط"، وغير ذلك من المؤلفات المتنوعة.

استطاع المعري أن ينال إعجاب القدماء والمحدثين من الشعراء والفلاسفة؛ فمنهم من اعترف بأسبقية شاعريته على فلسفته، وآخرون اعتبروه فيلسوفًا في المقام الأول، فيما رأى البعض أنه استطاع أن يجمع بين الاتجاهين بامتياز، وكانت له قدرة بارعة في صياغة الشعر الفلسفي،  أما المستشرقون فقد اتفقوا تقريبًا على تقدير التميز الإبداعي للمعري في أعماله الشعرية والنثرية، واعتبر البعض أن كثيرًا من الأعمال الشهيرة كانت مستوحاة من أعمال المعري ومنها "الكوميديا الإلهية" لدانتي، و"الفردوس المفقود" للشاعر الانجليزي ميلتون،  وغير ذلك من الأعمال التي يُعتقد بأنها اقتبست من "رسالة الغفران" للمعري، التي عرفت في أوروبا مبكرًا وترجمت إلى القشتالية عام 1264م ، ومنها إلى اللاتينية والفرنسية ولغات أوروبية أخرى.

 

  دانتي تأثر في كتابه بالمعري وقلّد رسالته وأخذ عنها
مستشرق أسباني

وييبّن المستشرق الأسباني ميجيل أسين بلاثيوس أنه بعد دراسته التي استمرت لما يقرب من 25 عامًا لكل من الكوميديا الإلهية لدانتي ورسالة الغفران للمعري والمعنونة بـ "الأخرويات الإسلامية في الكوميديا الإلهية" وجد أن دانتي تأثر في كتابه بالمعري وأنه قلّد رسالته وأخذ عنها.

كان للمعري العديد من التلاميذ الذين صار لهم فيما بعد شأنا كبيرًا في الآداب والعلوم، ومنهم أبو القاسم علي التنوخي، أبو الطاهر الأنباري، أبو زكريا التبريزي، أبو الخطاب الأندلسي، وغيرهم.

فكره

في كتابه "اللزوميات" قدَّم المعري خلاصة أفكاره الفلسفية التي تأثر فيها بمختلف الثقافات والفلسفات على مر العصور، وفيما يتعلق بالإيمان فقد آمن المعري بالإيمان العقلي الفطري المعتمد على النفاذ إلى جوهر الدين، وإن كانت له بعض الآراء المثيرة للجدل فيما يتعلق بالبعث بعد الموت والنبوات، وغير ذلك من المسائل التي دفعت البعض لاتهامه بالزندقة والكفر.

يقول المعري " أفيقوا أفيقوا يا غواة فإنما دياناتكم مكرٌ من القدماء.. فلا تحسب مقال الرسل حقاً ولكن قول زور سطّروه..وكان الناس في يمنٍ رغيدٍ فجاءوا بالمحال فكدروه..دين وكفر وأنباء تقص وفرقان وتوراة وإنجيل"،  كان المعري دائم الانتقاد لاستغلال الجماهير البسيطة بدعوى الدين، كما أنه ندد بالخرافات في الأديان خاصة مع استغلال كثير من الخلفاء في عصره للدين كأداة لتدعيم سلطتهم.

موضوع ذا صلة

ظلت تهم الزندقة والكفر ملاحقة للمعري في حياته وبعد مماته، والقائلون بهذا الاتهام يستندون إلى بعض ما كتبه المعري في "رسالة الغفران" أو "اللزوميات"، فضلًا عن سيرته التي شهدت زهدًا عن الزواج وتناول اللحوم في الطعام وغير ذلك، إلا أن آخرين تباروا في دفع هذه التهمة عنه ومنهم ابن العديم الذي قال في كتابه "كتاب الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري" إن البعض قد حمل كلامه على غير معناه ومنهم من وضع على لسانه أقوال ملحدة فجعلوا محاسنه عيوباً وحسناته ذنوباً وعقله حمقاً وزهده فسقاً، ورشقوه بأليم السهام وأخرجوه عن الدين والإسلام.

وقال الإمام الذهبي عنه "كان من أهل الفضل الوافر والأدب الباهر والمعرفة بالنسب وأيام العرب. وله في التوحيد وإثبات النبوة وما يحض على الزهد وإحياء طرق الفتوة والمروءة، شعر كثير والمشكل منه فله على زعمه تفسير".

قالوا عنه

 

"المعري بالنسبة لي شاعر قبل أي صفة أخرى.. لكنه شاعر فريد لم يتكرر في الشعر العربي"
 أحمد عبد المعطي حجازي

كتب عنه أحمد عبد المعطي حجازي: "المعرّي بالنسبة لي شاعر قبل أي صفة أخرى، لكنه شاعر فريد لم يتكرر في الشعر العربي، فليس شعره من نسيج الذاكرة الجامعة الحافظة وتلفيقاتها، وإنما هو خيال شجاع محلق مغامر يمزق الصمت، ويطرق الأبواب، ويطرح الأسئلة الرهيبة، أسئلة الشاعر الملهوف المثقف المعذب بالتجربة الباحث عن الجواب. الشاعر كما تمثل في المعرّي كان عند الكثيرين طارئاً غريباً على الشعر العربي، أو كان مفكراً يستخدم الشعر، أكثر من كونه شاعراً يعيش الشعر بكل كيانه وجوارحه، أو لا يعيش إلا الشعر، فليس له شغل، ولا لغة، ولا متعة، ولا نسب، ولا قضية، ولا التزام إلا الشعر".

ويقول عميد الأدب العربي طه حسين "لم يكن أبو العلاء أفلاطونياً، من أصحاب أرسطاليس، أو أنه كان من أصحاب الرواق، أو أنه كان من أصحاب أبيقور ولكنك تستطيع أن تقول أنه كان من هؤلاء جميعاً، يأخذ من كل فريق منهم ما يرضيه وما يلائمه في اللحظة التي يفكر بها. لم يكن أبو العلاء فيلسوفاً مقلداً أو مقصوراً على مذهب من المذاهب أو فرقة من الفرق وإنما كان متخيراً يأخذ من الجميع ويمزج ويستخلص فلسفته المتناقضة التي تمتلئ بها اللزوميات وفي كتبه المختلفة".

كما كتب عنه الشاعر والناقد المصري فخري أبو السعود "ليس أبو العلاء أحد فحول شعراء العربية فقط، يحل منهم في الطبقة الأولى إلى جانب المتنبي وأبي تمام وابن الرومي، وليس هو أحد أساطين كتابها، يباري ابن المقفع والجاحظ وبديع الزمان، بل هو بين أدباء العربية شخصية فريدة فذة، يتشابه الآخرون في أشياء كثيرة حتى كأنهم أبناء عصر واحد، ويختلف عنهم جميعاً في أشياء كثيرة كأنه ابن عصر وحده، أو كأنه يمت إلى أدب وتراث ثقافي غير تراثهم وهذا التميز أهم سمات أبي العلاء".