المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

"هرطقات" جورج طرابيشي عن الديمقراطية والعلمانية في العالم العربي

 
   
11:48

http://anapress.net/a/233623283746436
1227
مشاهدة


"هرطقات" جورج طرابيشي عن الديمقراطية والعلمانية في العالم العربي
جورج طرابيشي- أرشيفية

حجم الخط:

لا تزال المجتمعات العربية ترزح تحت وطأة سؤال النهضة الذي لا زال متخبطًا بين الإجابات والتصورات ذاتها إلى الآن رغم انقضاء عقود على ما أفرزته قرائح المفكرين العرب، ومن ثم تبرز أهمية المناقشات التي أجراها المفكر السوري جورج طرابيشي في كتابه "هرطقات"  لتضعنا أمام تلك الإشكاليات التي لا نزال بصدد التفكير بها والدوران في فلكها خصوصًا في ظل الردة التي مُنيت بها الدول العربية إبان الثورات العربية المُنقلبة على أهدافها وتطلعاتها.

هل يمكن أن تمثل الديمقراطية والتطلع لها في المجتمعات العربية خلاصًا وحلًا سحريًا لجميع مشكلاتها؟ من هذا السؤال ينطلق طرابيشي في مناقشة إشكالية الديمقراطية التي يعدها من أكثر الإشكاليات إلحاحاً على الساحة العربية العالقة دومًا في بحثها عن "أيدولوجيا خلاصية"، وفيما يتم الترويج للديمقراطية كأيدولوجيا خلاصية جديدة من قِبل المثقفين العرب إلا أن ثمة إشكاليات يتم إغفالها من هذا الترويج. 

يرى طرابيشي أن الديمقراطية قد تكون حاملة لأمراض جديدة إذا ما طُبقت بطريقة ميكانيكية؛ فبعد فشل الأيدولوجيات القومية واليسارية الثورية تحوّلت الديمقراطية إلى حل سحري لفتح مغارة الحداثة المستغلقة وتحقيق نقلة عجائبية. وهنا يتم تغييب فكرة أن الديمقراطية قد تحمل مشكلاتها وعذاباتها معها وأنه لا يمكن تعميمها كترياق في جميع الأحوال. 

المأزق الديمقراطي

يقول طرابيشي: الأيدلوجيا الخلاصية تقتر ف ذنبا حينما تجعل من الديمقراطية فاكهة الجنة فتقترف خطيئة التوهم بأن المجتمعات العربية بالديمقراطية ستجد نفسها قد خرجت من هوة الفوات الحضاري المتعمقة . الديمقراطية شرط من الشروط، شرط لازم لكنه غير كاف. ومن هنا ينطلق طرابيشي لفكرة أن الديمقراطية ليست مفتاحًا لكل الأبواب المغلقة؛ فهي تحتاج لمفتاح هي الأخرى كي تعمل بكفاءة في الواقع العربي، فثمة أوجه مشروطية لها ومنها الحامل الاجتماعي، فالديمقراطية التي هي من اختراع الحداثة ومن اختراع الطبقة الصانعة لها وهي البرجوازية، إن لم تتواجد حيثما تواجدت البرجوازية فإنها تغيب حيثما غابت، فسلسلة الثورات الوطنية والانقلابات االعسكرية القومية واليسارية في البلدان العربية حفرت بمعول واحد قبر الديمقراطية وقبر البرجوازية معا ولا تزال أيدلوجيا عداء البرجوازية هي السائدة في أوساط الديمقراطيين العرب رغم عجز الانظمة الانقلابية على ردم هوة الفوات الحضاري.

 يركز طرابيشي على فكرة اقتران الفكر الديمقراطي العربي بنزعة شعبوية شعارها "الدولة ضد الأمة" فالدولة ذئب والأمة حمل

يُصور المأزق الديمقراطي في الدول العربية كنتاج القطيعة بين الدولة والشعب وانفراد الدولة بتقرير مصائر الشعب  يعتقد طرابيشي بأن مرد المأزق الديمقراطي في العالم العربي ليس إلى قوة حضور الدولة ولكن لاستضعافها وتغييبها.  ففي الديكتاتوريات العربية لا نتحدث عن عدوان الدولة على المجتمع المدني وإنما عدوان السلطة على الدولة ومن ثم يخلص طرابيشي إلى أن لا مخرج من المأزق الديمقراطيي العربي سوى برد الاعتبار إلى الدولة نفسها وسلطة القانون ومبدأ العنف الشرعي،  فالمجتمع المدني نفسه إن وجد سيرتد إلى غاب إن غابت الدولة.

يركز طرابيشي على فكرة اقتران الفكر الديمقراطي العربي بنزعة شعبوية شعارها "الدولة ضد الأمة" فالدولة ذئب والأمة حمل. يرى طرابيشي أن منطق تأثيم الدولة وتبرئة الأمة أو المجتمع المدني بحمل جرثوم شمولية جديدة ويقيم ببين الطرفين علاقة جلاد وضحية ومن أمراض هذا المجتمع المدني الفئوية الطائفية واللولبية الدينية؛ الفئوية الطائفية التي تؤدي إلى خلل في تطبيق مبدأ التمثيل الديمقراطي من حيث اعتماد فكرة الأكثرية العددية دون تمثيل دقيق لطوائف المجتمع، واللوبية الدينية الممولة من الدولارات التفطية ودورها في تديين مظاهر الحياة وإشهار سلاح التكفير والمصادرات والمنع. (اقرأ/ي أيضًا: "من النهضة إلى الردة".. تحليل جورج طرابيشي لأزمات الثقافة العربية).

 يخلص طرابيشي في مسألة الديمقراطية إلى ما أسماه "إشكالية الصندوقين": صندوق الاقتراع وصندوق جمجمة الرأس. فالديمقراطية ثقافة ومنظومة قيم وفي مجتمع لم ينجز تحديثه المادي والفكري فإن الموضع الأول لتظاهر الديمقراطية ليس في الصناديق وحدها وإنما في الرؤوس، فالديمقراطية هي بالأساس ظاهرة مجتمعية والمجتمع نسيج من العقليات والصنودق الأول الذي تختمر فيه هو جمجمة الرأس وزيت الآلية الانتخابية للديمقراطية هو ثقافتها، فالأنظمة العربية إن كانت تقيم العثرات أمام الآلية الديمقراطية فإن المجتمعات العربية الراهنة تقيم العثرات أمام الثقافة الديمقراطية فهي لا تتحمل رأيا حرًا. 

علمانية الإسلام

يرفض الكثيرون الحديث عن إن الإسلام يحوي بذورًا من الفكر العلماني، فالحديث عن بذور العلمانية في الإسلام تواجه بسيل من الانتقادات فحمولتها من انتهاك المقدس جعلتها ترادف الكفر الصريح والإلحاد الموجب لتطبيق عقوية القتل مثلما حدث من تصريح قاتل فرج فودة عن سبب قتله بكونه علماني دون أن يفهم ما يعنيه المصطلح على وجه التحديد. استقر التصور الاتصالي القائل بتدامج السلطتين الدينية والسياسية في الوعي الإيدولوجي السائد في العالمين العربي والإسلامي ولم يعد أحد يماري في صحة المقولة التي أطلقها حسن البنا منذ عقود من أن الإسلام دين ودولة  رغم أن كلمة دولة لا ترد في النص القرآني أو في عشرات الأحاديث سواء كانت صحيحة أو موضوعة. (اقرأ/ي أيضًا: "المثقفون العرب والتراث".. قراءة جورج طرابيشي الاستثنائية).

يوضح طرابيشي أن النصوص الأولى في الإسلام كانت حافلة بمعنى النص الإنجيلي "اعطوا ما لله لله"، ومن أبرز النصوص حديث النبي "أنتم أعلم بشؤون دنياكم". غير أن الإسلام لم تطل مرحلته الروحية سوى لثلاثة عشرة عامًا وهي فترة بقاء النبي في مكة، قبل أن يهاجر إلى المدينة ويرسي قواعد الدولة الأولى في الإسلام. ومن ثم فالتسييس المبكر للإسلام جعل مسلمي الصدر الأول يعطون الاولوية في الممارسة العملية للدنيوي على الأخروي إلى حد التطاول على المقدس، إسلام الصدر الأول أغرق في السياسة حد استباحة ما كان يفترض أن يكون مقدسا.

يضرب طرابيشي المثل بعدد من النماذج، أولها وقت مرض الرسول وهو في نزعه الأخير من المرض من تفكير المحيطين به في مسألة الخلافة وبدأ التفكير التنافسي منذ كان على فراش المرض، ومن نماذج ذلك ما رواه الطبري من أنه لما ثقل الرسول أوصى وقال "ابعثوا إلي على فادعوه" فقالت عائشة لو بعثت إلى أبي بكر وقالت حفصة لو بعثت إلى عمر وكانت كلا منهما نرشح أباها دون علي لخلافته. وفيما بعد وفاة الرسول وقبل أن يدفن أو حتى يغسل ويكفن تداعى قادة الأنصار إلى اجتماع في سقيقة بني ساعدة لاختيار الرسول في غيبة المهاجرين فلما علم المهاجرون أسرعوا واقتحموا عليهم سقيفتهم ودار نزاع على الخلافة بين أبي بكر وعمر من جهة المهاجرين وسعد بن عبادة من جهة الأنصار، وكان هذا الصراع نموذجا لصراع سياسي قائم على المواجهة والمناورة ويعتمد على سلاح العنف.

يقول طرابيشي: حيثما قامت جدلية المقدس والمدنس كانت الغلبة للثاني على الأول: فالمدنس يسعى دوما إلى إحاطة نفسه بهالة المقدس، ولكنه لا يحجم كلما دعت الضرورة عن انتهاك حرمة المقدس، وإذا طبقنا هذه الجدلية على تاريخ الدولة في الإسلام فلنا أن نقول إن قناع الدولة قد يكون إسلاميا ولكن وجهها الحقيقي هو دوما جاهلي. (اقرأ/ي أيضًا: "سقوط العالم الإسلامي".. نظرة حامد عبدالصمد لمستقبل العالم العربي).

الفلسفة العربية المستحيلة

 يقر طرابيشي بأنه لا توجد فلسفة عربية معاصرة وما هو موجود الفلسفة المترجمة أو المتولدة بسبب الترجمة  ويعزي غيابها واستحالة وجودها إلى ثلاث سلاسل متراكبة من السببيات وهي:  أزمة الفلسفة العالمية بعد تطور العلوم الطبيعية فمنذ أن طرح العلم نفسه كأداه وحيدة لتفسير العالم تقلصت الفلسفة ورغم التقلص الكبير الذي طرأ على متن الفلسفة فقد استطاعت في العالم الحديث والمعاصر أن تجد ملاذا لها في الهامش، من فعالية عقلية في ما قبل العلم إلى فعالية عقلية في ما بعد العلم، فحصرت نفسها تارة بمجال القيم والغايات وتارة في فلسفة علمية خالصة. ولكنها في الحالين غدت مرهونة بالممارسة العلمية  ومن ثم فالثقافات الوحيدة المنتجة للفلسفة اليوم هي الثقافات المنتجة للعلم. ولما كانت القافة العربية المعاصرة غير منتجة للعلم كان من البديهي أن تصير عالة على الفلسفات الإسلامية القديمة أو الغربية الحديثة

يرى طرابيشي أن الحاجة إلى الفصل بين السلطتين الزمنية والروحية في المجتمعات العربية الإسلامية بات أكثر إلحاحا

يتابع طرابيشي: المتفلسف العربي، ثانيا، لا يستطيع أن يتفلسف إلا وفق مثال سابق، فسبق الغرب إلى اجتراح مأثرة الحداثة قد جعل كل ما يمكن أن يفكر به الملتحقون بركب الحداثة مفكرا به مسبقا، فالحضارة الغربية بحكم أسبقيتها إلى الحداثة باتت تتحكم بالزمان الثقافي للحضارات الأخرى، وهذا الانحصار في زنقة التاريخ يسد حتى المخرج النقدي فكل ما يمكن أن ننقد عليه الحضارة الغربية قد سبقتنا هي إلى نقد نفسها به، ومن أمثلة ذلك ما تشهده الثقافة العربية من محاولات مجهضة لتبيئة فلسفة ما بعد الحداثة فالتصدي لها عربيا في إطار الاستهلاك لا الإنتاج، بل إن فلسفة ما بعد الحداثة انتهى بها الحال في الترجمات العربية إلى مقلب تاريخي وغدت بيد الحركات الأصولية سلاحا لرفض الحداثة ذاتها بحجة أنها غربية الأصول.

ثالثا: عدم شيوع استقلالية العقل في الثقافة العربية التي تعتمد على العقل الديني التابع، فسلطان الثقافة العربية لا يزال يعتم بعمامة الدين، كما أن اللاهوت كشكل معقلن من الدين ما زال منفيا من الثقافة العربية منذ تكفير فلاسفة الإسلام وطرد علم الكلام المعتزلي خارج المدينة الإسلامية وتقلص الحضارة الإسلامية إلى حضارة فقه.  العقل العربي يقف على عتبة الانكفاء على نفسه فيما لا نتردد أن نسميه قرونا وسطى جديدة.

الأنتلجنسيا العربية

يعود طرابيشي لمحاججة محمد عابد الجابري في مناظرته مع المفكر المصري حسن حنفي حول "العلمانية والإسلام" فالجابري الذي يحاجج بأن العلمانية هي فصل الكنيسة عن الدولة، والإسلام ليس فيه كنيسة، ومن ثم  فالإسلام لا يحتاج إلى العلمانية يرى طرابيشي في هذه المحاججة ضربا من المغالطات تبدأ من الاستدلال الشكلي الذي يعتمد على مقدمة جزئية وليست كلية عمومية كما يفترض أن يتم في الاستدلال الصوري؛ فالعلمانية ليست في تعريفها العمومي والواسع فصل الكنيسة عن الدولة وإنما هي فصل الدين عن الدولة وفصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية. وإن كان الإسلام ليس به كنيسة لكن به سلطة دينية مؤثرة وفاعلة، وإن كانت العلمانية لا تعني إلغاء السلطة الدينية لكنها تعني بفصلها عن السلطة السياسية.

يرى طرابيشي أن الحاجة إلى الفصل بين السلطتين الزمنية والروحية في المجتمعات العربية الإسلامية بات أكثر إلحاحا، فالسلطة الدينية في هذه المجتمعات متضخمة إلى حد تكاد تتحول فيه إلى سلطة سياسية، كما أن السلطة السياسية في المجتمعات العربية الإسلامية تسعى إلى ستر عورة لا شرعيتها برداء الأيدولوجيا الدينية ومن ثم فلا يمكن تجاهل هذه الحاجة الملحة لأسباب تتعلق باستدلالات شكلية ضعيفة أو لأسباب تتعلق بنشأة هذه العلمانية في الغرب أو أن الداعين لها كان أكثرهم من المسيحيين.




كلمات مفتاحية