http://anapress.net/a/11580353940580
وسط تعدد صور المعاناة بأشكالها المختلفة في سوريا لابد بين الحين والآخر من تسليط الضوء على بعض القصص التي تجسّد عيّنة مصغّرة من آلاف الصور، حيث لابد للزائر في مخيّمات اللجوء على تعدد مواقعها أن تصادفه عشرات القصص المأساوية التي باتت حبيسة جدران قماشية لا تلقى أذناً مصغية أو قلباً رؤوفاً يحس بحالة أصحابها.
هنا حيث لا أحد يشمخ كبرياؤه على كبرياء أحد، ولا تفرقة بينهم في المأكل أو الملبس أو فخامة المنزل، فاللقمة واحدة تعتمد على مساعدات المنظمات الإغاثية، والمنزل موحّد عبارة عن جدران قماشية لا أكثر، في مخيم عائدون بريف جسر الشغور، حيث لا يملك أصحاب المخيم من اسم مخيّمهم نصيب فلا أمل للعودة إلى منازلهم بمحافظات أخرى حيث الوضع الأمني المزري.
بين هذه الخيام خيمة صغيرة يقبع فيها رجل خمسيني برفقة زوجته وطفله الوحيد المعاق عقلياً وجسدياً، حيث تجاوز الطفل التاسعة من عمره ولازال بجسد طفل لم يتجاوز العامين، إلا أن إعاقة الطفل كانت فريدة من نوعها حيث لا شيء في جسده يعمل إلا عيناه فقط، شلل كامل، شلل دماغي، حتى شلل البلعوم الذي يجبر أهله على تحمل معاناة كبيرة تصل إلى ساعات من أجل إطعامه بطرق غريبة تساعده على البقاء حيّاً.
وفي لقاء خاص مع والد الطفل "مصطفى الدالي" من ريف حلب الغربي جاء مهجّراً إلى هذا المخيم حاملاً معه معاناةً رافقته لسنوات واشتدت وطأتها خلال أعوام النزوح فيقول: "رزقني الله بهذا الطفل الوحيد لكنه جاء معاقاً إعاقات متنوعة، فحذرني الأطباء من إنجاب غيره لتوافق الجينات الوراثية بيني وبين زوجتي وإلا سيكون مصيرهم كمصيره، فآثرت الاكتفاء به وتربيته تربية صعبة محفوفة بالمعاناة".
يضيف مصطفى موضّحاً حالة الطفل "الطفل لديه شلل كامل لا يستطيع تحريك أيّ عضو في جسده إلا عيناه، إضافة إلى إعاقة عقلية وضمور في الدماغ بنسبة كبيرة جداً، والأكثر تأثيراً علينا في تربيته هو شلل البلعوم الذي يعيقنا في طريقة إطعامه، فهو يحتاج كل أربع ساعات لوجبة طعام تستغرق ساعتين من المعاناة لإطعامه، حيث أن له طعاماً خاصاً عبارة عن حليب وفواكه وغيرها يتم طحنها بالخلاط ودفعها في بلعومه بواسطة حقنة طبية بصعوبة كبيرة لذلك كل وجبة تستغرق قرابة الساعتين".
وفي إشارة منه إلى الوضع المعيشي العام يقول مصطفى: "الحرارة مرتفعة جداً حيث لا كهرباء ولا وسائل للتبريد في هذه الخيمة، والطفل كثيراً ما تصيبه اختلاجات عصبية لشدة الحر، وأنا لا أملك القدرة على شراء أدوات التبريد المتمثلة في بطارية ولوح شمسي ومروحة وغيرها، فأنا لا أعمل لأنني متفرغ لتربيته فأمه لا تقوى على مساعدته بمفردها فوضعه صعب جداً إضافة إلى أنها هي الأخرى تملك إعاقة في قدمها منذ الولادة، فلا أستطيع مغادرة المنزل لساعات طويلة في العمل وتركها وحدها معه".
هنا حيث يروي مصطفى قصته يناشد المعنيين لمساعدته في تأمين احتياجات تربية طفله، إضافة إلى تأمين فرصة عمل له لا تتجاوز بسطة صغيرة يبيع عليها العطر بالقرب من الخيمة كي يكون بجوار طفله إن احتاج أي شيء.