http://anapress.net/a/888890195495528
قصة من آلاف القصص التي مرّت على السوريين خلال سنوات الحرب، ترخي بظلالها على كم هائل من ألوان المعاناة لشاب يدعو لنفسه دوماً أن ينجده الله بالخلاص، لكن الخلاص الذي يتمناه هو الموت لا الرخاء، لقسوة ما تعرض له من مشاهد ربما لم يكن البعض يصدقها حتى في الأفلام التلفزيونية، لكن في سوريا بلد القسوة والموت بلد المعاناة والدموع بات كلّ شيء مباح ومسموح.
"محمد أبو عمر" شابّ دمشقي من حيّ برزة كان مقاتلاً في صفوف الجيش الحر في حيّه قبل أن يتعرض لعدة إصابات على خطوط المواجهة الأولى مع النظام الذي تمكن مع قلة قليلة من رفاقه منعه من اقتحام الحي عدة مرات، قبل أن تطاله رصاصات قناصٍ قلبت حياته من ثائر مدافع إلى شخص يطرق الأبواب طالباً العلاج دون جدوى.
يبدأ أبو عمر بسرد قصته دون استكانة أو رغبة في رؤية الشفقة على أعيننا محاولاً التماسك والظهور بمظهر القوي، لكنّ جور الأيام وثقل المرض بان عليه بشكل ملحوظ فيقول: "تحاصرنا في حي برزة مدة أربعين يوماً وكنا ذات يوم في مواجهة مباشرة مع النظام الذي يحاول اقتحام الحي وبإمكانياتنا القليلة نحاول التصدي له، لم تكن قوات النظام تبعد عنا أكثر من مئة متر فقط، حيث أصبح الاشتباك عبارة عن حرب شوارع بين صدّ ورد، وبعد ساعات انتهت نوبتي وذهبت لأستريح قليلاً مع ثلاثة من رفاقي مدة ساعة واحدة حسب التقسيم الذي اتفقنا عليه، إلا أننا لم نسترح أكثر من نصف ساعة".
وإذا بقوات النظام قد حاصرت المبنى الذي كنا نتحص داخله، كنا ثلاثة أشخاص فقط نظرنا من النافذة وإذا بعناصر النظام أسفل المبنى، بدأنا نقاومهم عندما حاولوا اقتحام المبنى والدخول إليه وطلبنا مؤازرة من رفاقنا لفكّ الحصار عنّا وبالفعل منعوهم من دخول المبنى والتراجع عنه، لكن الذي حصل أنه عند محاولة خروجنا من المبنى دخل مقذوف لرشاش من العيار الثقيل من أحد فتحات الجدار التي نسميها "طلاقيات" نقاوم من خلالها، ضرب المقذوف في الجدار واستقر في رأسي بشكل مباشر.
ويستطرد: "رفاقي ظنوا أنني قتلت والقناص كان يرصد الطريق والنظام يحاول الاقتحام فتمكنوا من الخروج، وبقيت مغمى عليّ أكثر من ساعتين، بعد أن صحوت خرجت من المبنى والدماء قد غمرت جسدي، وعند محاولتي الوصول إلى نقاطنا وقعت في الأرض وأغمي عليّ مرة أخرى لكثرة الدماء التي نزفت مني، وبقيت على هذه الحال قرابة الست ساعات، عدت وصحوت مرة أخرى وركضت مسافة لم تتجاوز العشرة أمتار ليتمكن القناص من إصابتي مرة أخرى في يدي، ورغم ذلك تمكنت من الوصول إلى رفاقي".
يضيف محمد: "كانت سبل العلاج شحيحة ومعدمة في الحي لا تتجاوز الإسعافات الأولية كإخراج رصاصة وتضميد جرح لا أكثر، وبالفعل تم استخراج الرصاصة وتقديم بعض الاسعافات لي، ولكن كنت أعلم ويعلم الأطباء بأنني بحاجة إلى عدد من العمليات الجراحية غير المتوفرة، بقيت في الحي حتى بدأ تنفيذ بنود الاتفاق بفك الحصار وإخراجنا إلى ادلب، زرت عدداً من المشافي في ادلب والتي كانت بدورها عاجزة عن تقديم اللازم لي".
تم تحويلي إلى المشافي التركية التي لم يُسمح لي بالدخول أو إعطائي حوالة طبية من معبر باب الهوى الحدودي بحجة أن إصابتي قديمة وهناك أشخاص أولى مني، فقمت بالدخول بطريقة التهريب طبعاً بمساعدة أخوَيّ اللذان قدما معي، وبالفعل دخلت إلى أحد المستشفيات الخاصة في الفترة التي بترت فيها يدي وأصيبت عيني إصابة بليغة لم أعد أرى فيها مطلقا فكنت بحاجة إلى عملية سريعة لها كي لا تؤثر على العين الأخرى، وبالفعل تم إجراء العملية الأولى التي تكلف إخوتي فيها مبلغ 40 ألف ليرة تركية، ولكنني حسب تعليمات الأطباء لازلت بحاجة إلى عملين جراحيين آخرين لفصل شبكية العين واستخراج الرصاصة من الرأس، وتكلفتهما تتجاوز الـ 100 ألف ليرة تركية، قمنا بطرق أبواب عدد من المنظمات والجهات المعنية لمساعدتنا دون جدوى، ولازلت أقيم في ادلب في أحد مراكز الإيواء أنتظر الفرج الذي لا أظنه سيشرق مطلقاً".
تقرير حديث
أظهر تقرير حديث نشره المركز السوري لبحوث السياسات، بأن 11.5% من السوريين إما قتلوا أو أصيبوا منذ اندلاع الثورة في مارس/آذار 2011 حتى اليوم، وقدر المركز عدد ضحايا الحرب بنحو 470 ألف قتيل و1.9 مليون شخص أصيب بالحرب، لتصبح قصة محمد من بين ملايين القصص التي لكلّ منها طابعها الذي يميزها عن الأخرى مرخيةً بأنواع المآسي على أصحابها الذين يتجرعونها بصمت.