http://anapress.net/a/603304099286423
تغيّرت قسمات وجه صديقي أثناء تناولنا وجبة الغداء عند إحدى "بسطات" الأطعمة المنتشرة في سوق مدينة الباب المكتظّ بالمارّة، على إثر رؤيته متسوّلة ستّينيّة بزيّها "الديري"، وهي تردّد "لديّ زوج عاجز وخمس فتيات أريد إطعامهم"، هول المفاجأة حال دون تمكّنه من إكمال طعامه، هامسني: "أنا أعرفها جيّداً، إنّها من كرام الناس في دير الزور، كانوا أصحاب مال وجاه".
الحملات العسكريّة التي بدأها نظام الأسد ثمّ تنظيم "داعش" وليس آخرها التحالف الدولي على دير الزور، خلقت موجات نزوح كبيرة فضلا عن حالات فقر شديدة في مجتمع أريد تفقيره أصلاً منذ أكثر من 40 عاماً، بحسب أبحاث حول المحافظة أصدرتها مراكز بحثيّة متخصّصة.
وأصدرت منظّمة متخصّصة بالإحصاء السكّاني تقريرا تقول فيه إنّه حتّى نهاية العام 2017 كان عدد المهجّرين من محافظة دير الزور أكثر من 850 ألف نسمة من أصل مجمل التعداد السكّاني الذي يبلغ نحو 1.6 مليون نسمة، فيما بلغ عدد النازحين داخليّا نحو 350 الف نسمة.
وقال عضو المجلس المحلّي لمدينة الباب عبدالحميد الضاهر، إن "عدد الأسر المُهجّرة من دير الزور إلى مدينة الباب يتجاوز 3000 أسرة، يعمل أغلب أبنائها على بسطات بيع الخبز والسجائر والخضروات والمحروقات على الرغم من أنّ شريحة كبيرة منهم حاصلين على شهادات جامعيّة".
وأضاف أنّ "المجلس المحلي والمنظّمات الإغاثيّة غير قادرة على دعم جميع النازحين في تلك المنطقة لاسيما أن حركات النزوح لم تكن فقط من دير الزور، فهناك من حمص وحلب والرقّة ودرعا وريف دمشق وغيرها من المحافظات".
ولفت إلى "ضرورة وجود منظّمات بعمل بقدرات أكبر في الشمال السوري إضافة إلى عمل جاد من قبل الأمم المتّحدة لإغاثة عشرات آلاف العوائل إن لم ين المئات ممّن طالتهم رحى الحرب وأنهكهم الفقر والجوع والمرض".
ورأى أنّ "الواجب الإنساني يقع أيضاً على رجال الأعمال وكبار الاقتصاديين المقيمين خارج سوريا، فأمامهم إمكانيّة كفالة عوائل وبالتالي إن لم تحل المشكلة تماما، فبالتأكيد سيساهمون بتخفيف جزء كبير منها".
وقالت السيّدة "المتسوّلة" إنّ ولديها قتلوا خلال الحملة العسكريّة لجيش الأسد على مدينة دير الزور، ولم يبق لها ولبناتها الخمس أيّ معيل، فزوجها شبه عاجز، لذلك انتقلوا في العام 2013 للعيش في مدينة الميادين، بالقرب من أقاربهم النازحين إلى تلك المدينة أصلاً، وعند بدء حملة التحالف الدولي على تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش" تمكّنوا من الهرب إلى مدينة الباب.
لم تأكل تلك السيّدة ما قدّمناه لها من طعام، بل حملته بيدها وانصرفت، فربّما تريد تقديمه لزوجها وبناتها، علّه يساعدهم في البقاء على قيد الحياة، والصمود ريثما يقرّر المجتمع الدولي مساعدة الشعب السوري وإنهاء معاناته التي كما وصفها البعض "بدأت مع بداية حقبة آل الأسد وتفشّت في السنوات السبع الماضية".