http://anapress.net/a/272413358315163
كن أيها السجن حيث شئت فقد.. وطنت للموت نفس معترف
لو كان سكناي فيك منقصة.. لم يكن الدر ساكن الصدف*
في ليلة حالكة من إحدى ليلات العام 2014 الموحشة، وهو العام الذي شهد "كوارث" بالجملة في سوريا، وتزايدت فيه حدة العنف والضغوط الملقاة على عاتق السوريين، وقويت فيه شوكة "الإرهاب" ونافورات الدماء المُسالة، اختفى صديق أنس عن الأنظار.. أين هو؟ أين ذهب؟ متى يعود؟ هل اعتقل؟ هل لازال على قيد الحياة؟
أسئلة عديدة دارت برأس "أنس" لم يجد لها أية إجابات حتى الآن ونحن في العام 2018 وبعد مرور أربعة أعوام على تغيّب صديقه الذي اكتُشف فيما بعد أنه مختفي قسريًا لدى النظام السوري. تحفظ "أنس" في حديثه مع "أنا برس" على ذكر اسم صاحبه، لدواع واعتبارات أمنية متعلقة بأمنه –إن كان على قيد الحياة- وأمن أسرته، ذلك أن صاحبه كان ذات بصمات مُهمة في منطقته في ريعان "الثورة السورية" ولحظاتها التلقائية السلمية الأولى.
بشكل إنساني يتحدث "أنس" ابتداءً عن العلاقة التي جمعت بينه وبين "صاحب عمره" والتي بدأت قبل اختفاء الأخير قسرًا بعشر سنوات كاملة، شكلت تلك السنوات قصة علاقة صداقة متكاملة، فيها الصديقان لا ينفصلان عن بعضهما البعض، يقضيان معًا "أحلى الأوقات"، حتى إن انطلقت الشرارة الأولى لـ "الثورة السورية" وبدأ الصديقان رحلة المشاركة فيها أملًا في التغيير. (اقرأ/ي أيضًا: فقدت رفقاتي.. وهذه قصتي (ملف خاص)).
صديق أنس انخرط منذ اللحظة الأولى في "الثورة السورية" سلميًا، وكان يؤيد مطالب الشعب السوري في الحرية والعدالة والديمقراطية، وكان دائمًا –بحسب أنس- يحفز الشباب في منطقتهم في محافظة درعا بالشمال السوري، على المثابرة والمضي قدمًا في ثورتهم ضد النظام، وكان غزير الأفكار وصاحب رؤية، ودائمًا ما يعرض أفكاره على الشباب بحيه لخدمة "الثورة" وكثيرًا ما كان يساعد في الكثير من الأشياء المُهمة مثل "تأمين اتصال الانترنت"، لكن تلك المشكلة ليست هي سبب اختطافه أو اختفائه قسرًا في تصور "أنس"، لأن صاحبه لم يكن قياديًا بارزًا أو حاملًا للسلاح، فقد كان سلميًا إلى أبعد مدى.
أقصى ما كان يفعله صديق أنس (وهو من مواليد العام 1995) هو تأمين الاتصال بالإنترنت الفضائي لأهالي المنطقة، لخبرته في هذا المجال، وقد كان من المعدودين أصحاب الخبرة في ذلك في الحي، وبالتالي كان يساعد أبناء الحي في "الثورة السورية" في تأمين الاتصال بشبكة الانترنت، من حيث التركيبات والتقاط الإشارة.
في العام 2014، وبينما كان "صاحب أنس" لايزال يدرس، ذهب إلى النظام من أجل "تأجيل تجنيده الإجباري" إذ تتيح القوانين المعمول بها تأجيل التجنيد لدى الدراسة، غير أنه ذهب بلا عودة، فقد اختفى قسريًا لدى النظام، كما يقول أنس، ذلك أن صاحبه لم يكن يُدرك أن النظام سوف يقوم بتلك الفعلة، وأنه من حقه الحصول على التجنيد لاعتبار أنه لازال طالبًا ولم يصبه الدور في التجنيد بسبب دراسته.
مصير الشاب ظلّ مجهولًا، وكان السؤال المُحير بالنسبة لأهله –ولازال- ما إن كان قد تم اقتياده للقتال في صفوف النظام السوري أم أنه تم القبض عليه والزج به في معتقلات النظام؟ لا أحد يعرف مصيره بالضبط حتى اللحظة، حتى أن والدته ما تركت مكانًا إلا وسألت عنه فيه "ما بيقولوا أنه معترض عنهم جوه بالسجن، وما بيقولوا إنه طلعناه علي الخدمة العسكرية.. ما بيعطوها أي خبر".
في اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري يستذكر "أنس" صاحبه الذي غاب منذ العام 2014، والذي لا يعرف مصيره حتى اللحظة، ويُحمل النظام مسؤولية هذا الوضع، وذلك ضمن آلاف وقائع الاختفاء القسري المتورط فيها النظام والتي كشف عنها تفصيليًا تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان أخيرًا، أوجز بالأرقام عدد ضحايا الاختفاء القسري في سوريا. (لمزيد من التفاصيل: النظام يُدين نفسه ويُقرُّ بوفاة 836 من المُختفين قسرياً لديه).
ــــــــــــــــــــــــ
*الأبيات للمتنبي.
*هذه المادة الصحافية، جزء من ملف "المظاليم" في اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري