http://anapress.net/a/203712178564225
بات واضحاً من خلال المعارك الجارية في ريفي إدلب وحماة، مدى تعاظم التوتر بين شركاء الأستانة، وخاصة من الطرف التركي الغاضب من اقتحام النظام لقرى وبلدات في ريف إدلب الخاضعة ضمن مناطق خفض التصعيد.
وزاد التوتر أكثر إثر مشاركة "فيلق الشام" في المعركة الجارية، وهو أحد الموقعين على اتفاق أستانة، علاوة على دخول العربات العسكرية المدرعة لدى فصائل الجيش الحر ذات المصدر التركي، والتي تمكنت من دحر الميليشيات المهاجمة من مناطق عديدة.
ويرى مراقبون أن المعارك الجارية تحمل أبعادًا استراتيجية تجسد مصالح شركاء أستانة، تشير في تفاعلها العسكري إلى رفض الضامن التركي سيطرة نظام الأسد على كل هذه المنطقة قبل انطلاق معركة عفرين، وتفرد نظام الأسد بدعم روسي بملف ميليشيا "ب ي د" الكردية التي يستخدمها في تهديد الأمن القومي التركي.
مع دخول الحملة العسكرية التي تقودها روسيا أسبوعها الثالث، ظهر الخلاف جلياً بين موسكو وأنقرة على نحو توقع معه الكثير، وبدا أنه سيؤول إلى توتر عنيف تعاظمت وتيرته مع تفاقم العدوان الروسي واستهدافه مناطق خفض التصعيد، بدليل ما يصدر عن وسائل إعلام الجانبين.
رعاة وضامنو أستانة على الرغم من التفاهم الظاهري بينهم، إلا أن أجواء الصراع هي السائدة بينهم، وإن كانت أخف وطأة بين موسكو وطهران. لذا نجد أنهم على عجلة في أمرهم لتحقيق مكتسباتهم خشية تبدلات مفاجئة في السياسة الدولية تؤدي إلى خسائر كارثية.
إيران تعمل على ضمان تشغيل شريانها المتمثل بقوسها الممتد إلى البحر المتوسط الذي يمنحها نفوذا إقليميا في المنطقة العربية وذلك بتثبيت قواعدها العسكرية والحفاظ على أذرعها كـ "حزب الله والحشد الشيعي" العراقي، مع التركيز على تفعيل وتنفيذ كل الاتفاقيات الاقتصادية التي أبرمتها مع نظام الأسد.
بينما تنشغل تركيا في تسوير عسكري لمنطقة عفرين داخل الأراضي السورية، والذي يشكل قلقا مستمرا لأمنها القومي نتيجة تهديدها من ميليشيا "حزب العمال الكردستاني" بنسخته السورية. أما روسيا وهي الطرف الأبرز والأقوى في المعادلة السورية، وراعي وضامن آستانة يسعى إلى العالمية من بوابة الدم السوري، ورفع مكاسبه العسكرية على خلفية حجم الدمار الذي تركته أسلحته الفتاكة في سوريا
وتعليقا على ذلك، يقول الكاتب والإعلامي الباحث في العلاقات الدولية الدكتور باسل الحاج جاسم: قد تكون هناك بعض الاختلافات بين شركاء الاستانة الدول الضامنة الثلاث (روسيا، تركيا، إيران) لكن من الصعب القول إن ما يحدث هو خلاف بين هذه الدول. وسرعة الوصول إلى حل في سوريا فيه مصلحة روسية تركية مشتركة.
ويستطرد الحاج جاسم في تصريحات خاصة لـ "أنا برس": صحيح أن الاشتباكات تجري في مناطق خفض التصعيد، إلا أن هناك اتفاقًا بين جميع الأطراف على طرد المجموعات المصنفة إرهابية من سوريا، وقد يكون الموقف التركي الذي عبر عنه عبر استدعاء الخارجية التركية لسفيري روسيا وإيران هو بسبب عدم التفريق في الهجمة العسكرية الأخيرة بين المعارضة المعتدلة والمجموعات الإرهابية.. الامور ستسير من جديد إلى تهدئة مرحلية، لتعيد جميع الأطراف فيها حساباتها ووضع حلفائها.
ومن جهته، يرى الكاتب والصحفي أحمد مظهر سعدو، أن النظام السوري ومعه الميليشيات الطائفية الإيرانية قد بدأ عدوانه على إدلب عبر ضوء أخضر من الاتحاد الروسي ضمن سياستين متلازمتين، يعمل عليهما الروس، الأولى تهدف إلى تطبيق أستانة بالوصول إلى شرق السكة، ومن ثم مطار أبو الضهور، والثانية هي الضغط على المعارضة العسكرية والسياسية للذهاب صاغرة إلى سوتشي. (اقرأ أيضًا: مؤتمرات استانة واتفاق خفض التصعيد في مهب الريح).
ويوضح سعدو أن الأتراك اعترضوا على استمرار العدوان ضد إدلب، بما يتركه عليهم من أذى عبر تدفق اللاجئين بعشرات الآلاف نحو الحدود التركية، وهو ما ترك المجال لدعم واضح وجديد، وضوء أخضر للفصائل الثورية العسكرية، انقضاضًا على ما حصل من تقدم سابق للنظام السوري، ومن ثم إرباك هذا التقدم، وإعادته الهوينى، ولجم تقدمه، وإطلاق تصريحات روسية بعد ذلك تحمل النظام المسؤولية، وتحاول الإيحاء بأنها ستوقف الدعم الجوي للنظام، دون مصداقية حقيقية لهذه التصريحات على الأرض.
وينهي الصحفي أحمد سعدو حديثه حول مستقبل إدلب، قائلًا: إن الوضع في إدلب حمال أوجه، ولن يكون بمقدور النظام أن تحقيق ما يريده، دون توافقات دولية وإقليمية، ومن ثم فإن خسائره تتصاعد يومًا بعد يوم، وخيبة أمله حاضرة حضور الأسرى بالعشرات لقواته التشبيحية التي باتت في حالة ذهول لما جرى ويجري.