http://anapress.net/a/175498935345867
بعد أعوام من الأزمة السورية والحرب الشرسة التي تعصف بالبلاد، والتي أثرت سلباً على جميع مقومات الحياة وأجبرت الكثيرين على اتباع الوسائل البديلة في كافة الأمور الحياتية، أهمها الماء والكهرباء اللتان تعدان عصب الحياة والمحرك الساسي لها في كل زمان، كان لابد لأهالي الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام من البحث عن طرق بديلة لتوفير المياه بعد انقطاعها لأعوام في ظل الحاجة الماسة إليها.
غير أن ظاهرة الحفر العشوائي للآبار الجوفية يعد من أخطر ما يهدد الثروة المائية في الشمال السوري بعد إقدام أعداد كبيرة من الأهالي على حفر الآبار بعيداً عن التنظيم وعن الاستراتيجيات التي يجب أن تتبع في حفر أي بئر جوفي، تزامناً مع غياب الرقابة التي كانت مفروضة سابقاً على هذه المسألة.
أعوام مضت والبلاد تعاني من جفاف شبه تام وشحّ كبير في الأمطار في المناطق التي يعتمد فيها المزارعون في محاصيلهم على الزراعة البعلية، كلّ ذلك أثر سلباً ودفع معظمهم إلى حفر الآبار الجوفية لريّ محاصيلهم بعد أن كان انتشارها ضعيفاً في مناطقهم بسبب الرقابة والصعوبات التي كان يمارسها النظام على حفر الآبار أولاً وبسبب عمق المسافات التي تحوي المياه الجوفية في ريف ادلب بشكل عام والجنوبي منها خاصة.
ويقول أحد الخبراء في مجال الري والصرف المهندس عمار المحمود في تصريح خاص لـ "أنا برس": إن انتشار الآبار الجوفية في ريف إدلب بهذا الشكل الكبير من قبل أناس يجهلون عواقب حفرها بهذه الأساليب العشوائية ينذر بكارثة لا يلقي أحد لها أي حسبان، حيث إن لحفر البئر قوانين يجب الانصياع لها للحفاظ على الثروة المائية تفادي شحّها في المستقبل القريب إن بقي الحال على ما هو عليه الآن، فحفر البئر يجب أن يكون بمسافات معينة وإلا فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض المخزون المائي بسبب تجاوز مسافات الحفر عن 500 متر، كما أن قرب الآبار من بعضها يفاقم المشكلة ذاتها، فكما نلاحظ أن القرية الواحدة بات فيها أكثر من 10 آبار مقارنة ببئر أو بئرين سابقاً، كما أن البعض قام بالحفر بالقرب من مسالك الصرف الصحي الذي تتسرب منه للبئر جميع المواد الضارة وتسهم في تلوثه، وقد أثبتت دراسات قام بها متخصصون أن أكثر من 80% من المياه الجوفية ستنضب بحلول العام 2020 ما ينذر بكارثة انسانية يصعب تخيّل عواقبها حالياً.
أي شخص يقوم بجولة في ريف ادلب يلاحظ مدى الانتشار الكبير للآبار الجوفية وانتشار الحفارات في كل مكان، فمئات الآبار تم استحداثها خلال العامين الفائتين بسبب غياب أي رقابة على حفرها وعدم تدخل مختصين في ارشاد المدنيين إلى الآلية التي يجب من خلالها حفر البئر والمخاطر الناجمة عن حفره بالطرق المخالفة.
وفي لقاء آخر مع "أبو محمد" أحد المدنيين الذين يقومون بحفر بئر جوفي حالياً يقول: "ان السماء قد حبست علينا ماء المطر ونعاني من جفاف تام منذ ثلاثة أعوام، ومعروف أن أراضينا الزراعية في ريف ادلب تعتمد على مياه الأمطار بالدرجة الأولى، ومصدر رزقنا الرئيسي هو الزراعة، وفي ظل هذا الشح لجأت إلى حفر بئر جوفي رغم التكلفة الباهظة ولكن لا خيار آخر لدي، فحفر المتر الواحد يكلف 4 آلاف ليرة سورية وكلما زادت المسافة زادت التكلفة، عداك عن التجهيزات من قساطل وأكبال ومولدات ومحرك، وقد حفرت في الخطوة الأولى مسافة 350 متر إلى أن المياه لم تظهر فعاودت الحفر والتجريب ثانياً وثالثاً حتى وصلت حالياً إلى مسافة 500 متر، وقد خرج الماء ولكن بسبب المسافة البعيدة ستكون المياه ضعيفة بالطبع، ولكن أفضل من أن تبقى أرضي دون زراعة".
اقرأ أيضًا: بدائل السوريين في الداخل
الحفر العشوائي للآبار الجوفية مسألة خطيرة تحتاج لعلاج سريع من قبل مختصين، فلا فائدة في نجاح شخص على حساب فشل مجتمع، فأي فائدة يمكن أن نجنيها من توفير مياه تخدم عدداً من الأشخاص وتروي أراضيهم على حساب شحّ المخزون المائي في الأعوام القليلة القادمة، والتي ستؤثر سلباً على مجتمع بأكمله.
