http://anapress.net/a/199266174725913
يبدو أن التركيز على موضوع الدستور واللجنة الدستورية هو الشغل الشاغل للأطراف المعنية لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وذلك عبر تشكيل اللجنة الدستورية من المعارضة والنظام ومستقلين من المجتمع المدني.
وفي تصريحات منفصلة لـ "أنا برس"، رأى محللون أنه "يبدو للوهلة الأولى أن موضوع اللجنة الدستورية والدستور المزمع صياغته مرتبطاً بصورة ما مع التطورات الميدانية أو حتى نتيجةً لها، بالنظر إلى المكاسب العسكرية التي حقّقها الأسد ومن ورائه الروس والإيرانيون خلال الفترة القليلة الماضية، وبسط سيطرتهم المطلقة على أكبر قدر ممكن من المناطق وإنهاء أي وجود مسلّح للمعارضة".
"فضلاً عن استعادة مساحات كبيرة من المناطق التي كانت تحت سيطرة مقاتلي المعارضة، غير أنّ العودة قليلاً إلى الوراء، يتبين كيف أن مسيرة العمل على تمييع المفاوضات والالتفاف على القضية السورية برمتها عبر حكاية الدستور هذه تجري منذ وقت ليس بقليل".
اللجنة الدستورية ولدت في أروقة اجتماعات الاستانة وخرجت للحياة عبر مؤتمر سوتشي الذي تبنى تشكيل اللجنة الدستورية للوصول إلى صياغة دستور للسوريا، إذ أن مفهوم اللجنة السوتشية عن دورها في الدستور هو اختصار ولفلفة نتائج الثورة بما يؤدي إلى إعادة الشرعية للأسد من خلال عملية شكلية تبدأ بتعديل دستور وتنتهي بانتخابات بناء عليه يفوز فيها الأسد!
يرى محللون أن "النظام والمعارضة المزيفة التابعة له ممثلة في منصة موسكو وبعض المحسوبين على منصات أخرى فضلاً عن بعض المستقلين في هيئة التفاوض يريدون الإسراع في تشكيل اللجنة، لذلك أرسلوا على عجل قوائم بأسماء مرشحيهم متجاوزين هيئة الرياض 2 التي يُفترض أنها تجمعهم". (اقرأ أيضًا: سوابق نظام الأسد في انتهاك الدستور" بمذكرة قانونية أمام الأمم المتحدة").
ولكن هناك ثمة أسئلة واستفسارات كثيرة حول اللجنة الدستورية وألياتها ومرجعيتها.. فما هي مرجعية اللجنة؟ هل هي القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن؟ أم هي مؤتمر سوتشي؟ أم هي دول أستانا الثلاثة؟ ما هو دور دي ميستورا في تكوينها؟ ما هو الهدف النهائي للجنة؟ هل هو كتابة دستور؟ أم تعديل دستور 2012؟
فخ كبير
يقول الكاتب والصحافي عمر كوش لـ "أنا برس"، إن المعارضة السورية وقعت في فخ كبير، هو فخ مسار الاستانة عندما قبلت الفصائل العسكرية وحتى الائتلاف بفصل المسارين العسكري والسياسي، وكانت الغاية الروسية مما يسمى مناطق خفض التصعيد ومسار الاستانة هي بناء فخ للمعارضة المسلحة لتبريد الجبهات ثم الاستفراد بكل جبهة على حدة كما حصل في كل الجبهات أو ما يسمى مناطق خفض التصعيد كالغوطة والقلمون ريف حماة وريف حمص ودرعا وربما الدر القادم سيكون من نصيب إدلب.
ويوضح كوش أنه منذ الاجتماع الأول أو الثاني للاستانة عرض الروس مسودة دستور سوري وقالوا إنه غير ملزم ولكن كان واضحا أنهم يريدون أن يختصروا المسألة السورية بمسألة تعديلات دستورية وانتخابات وهو بالفعل ما استطاعوا أن يحققوه.
ويستطرد: "للأسف اليوم يتكالب معظم أعضاء الهيئة العليا للتفاوض أو هيئة الرياض2 وبعض الأسماء في الائتلاف كي يضع اسمه في اللجنة الدستورية وفق ما يريده الروس والغاية كلها من اللجنة الدستورية هي تمييع مسألة الانتقال السياسي حسب القرارات الدولية 2254 و2118".
"استطاع الروس أن يحولوا مسألة الانتقال السياسي ومسار مؤتمر جنيف نحو موضوع الانتخابات والدستور وإفراغ جنيف من مضمونه، وبالتالي الدستور سيكون تحت ظل ورعاية النظام، لكي يتم تعويم النظام مرة أخرى"، وفق كوش
وبدوره، يؤكد القاضي والمستشار القانوني حسين حمادة (رئيس اللجنة الإدارية في الهيئة السورية للعدالة والإنقاذ الوطني) أن مخرجات جنيف والقرارات الدولية الصادرة من مجلس الأمن (القرار 2254) حددت أولية محددة لعملية الحل السياسي في سوريا، تبدأ بتشكيل حكم انتقالي، هذه الهيئة فيما بعد تقوم بمراجعة دستورية للنظام السياسي القائم.
ويوضح حمادة لـ "أنا برس"، أنه لا يوجد شيء اسمه لجنة دستورية أو دستور بحسب القرارات الدولية الصادرة من مجلس الأمن الدولي ومن مسار جنيف، وبالتالي فأن دي ميستورا يخالف قرارات الأمم المتحدة ويخالف المهمة الموكلة له.
ويتابع: لا يمكن أن نتصور أن تكون هناك عملية دستورية أو الاستفتاء على دستور، ما لم يكن هناك استقرار والأمن المجتمعي والحياة السياسية والمؤسسات القادرة على مراقبة العملية الديمقراطية، هذه الأمور مفقودة بالمطلق حالياً في سوريا؛ فالبدء بما يسمى لجنة دستورية أو البدء بوضع دستور هذا يعتبر التفاف على القرارات الدولية، وابتعاد عن الواقع أيضاً.
فالكل يتحدث -كما يقول حمادة- عما يقال إنها لجنة دستورية، هذه اللجنة التي يسعى دي مستورا إلى تشكيلها لا يمكن لا من الناحية السياسية ولا من الناحية الحقوقية أن توصف وتعرف بأنها لجنة دستورية.
ويرى أنه "يمكن توصيف هذه اللجنة بأنها لجنة فنية لتقدم رأي فقط، لأن حقيقة ليس لها مرجعية، هل مرجعيتها القرارات الدولية ومسار جنيف1 وبالتالي نكون أمام هيئة حكم انتقالي وليس لجنة دستورية.. أو يمكن توصيفها بمراجعات دستور 2012، فعندما يكون الأمر كذلك فهذا يعني أنها لها دلالات خطيرة.. وهو يعني أن هذه اللجنة ستقدم اقتراحات وأراء حول دستور 2012 لمؤسسات النظام الدستورية". (اقرأ أيضًا: قدري جميل لـ "أنا برس": الحل السياسي هو الطريق الوحيد لعدم تقسيم سوريا).
التفاف
وبحسب حمادة، فإن عملية الالتفاف على المفاهيم وعلى مسار الحل السياسي هو أمر معيب جداً، وخاصة عندما نرى المعارضة السياسية أو ما يقال عنه وفد رياض2 يسير في هكذا الاتجاه فنحن أمام كارثة حقيقية تعطي دلالات ليس لها أي علاقة بالمطلقة بحل الأزمة السورية.
ويعتبر المستشار القانوني أن ما يحدث حاليا هو شرعنه للنظام بإرادة شعبية مزورة وبقرار دولي وهنا الخطورة، لذلك قمنا نحن كحقوقيين وبعض الشخصيات السياسية بتقديم رسالة لـ دي ميستورا وبعض الدول المعنية بالأزمة السورية ونبهنا إلى خطورة هذا المسار الذي يسير فيه دي مستورا والمعارضة السورية وحملناهم مسؤولية السير في هذا المسار الخاطئ. (اقرأ أيضًا: هيئة القانونيين السوريين: لا يمكن ضمان تطبيق أي دستور جديد.. لهذه الأسباب).
كثيرة هي التحديات التي تواجه تشكيل اللجنة الدستورية، وكثيرة هي المعوقات والصعوبات التي تقف حائلا أمام تشكيل اللجنة الدستورية سواء من الناحية القانونية أو من الناحية السياسية والاستراتيجية، ولعل أبرز التحديات أمام الحل السياسي في سوريا برمته هو الصمت الأمريكي تجاه الأزمة السورية والحل السياسي.