المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

«إيران باقية وتتمدد».. كيف نجح نظام الملالي في شراء سوريا؟ (التجنيس نموذجاً) (تحقيق)

 
   
15:59

http://anapress.net/a/139299944291778
1086
مشاهدة


«إيران باقية وتتمدد».. كيف نجح نظام الملالي في شراء سوريا؟ (التجنيس نموذجاً) (تحقيق)
خامنئي- أرشيفية

حجم الخط:

يظل ملف خروج القوات الأجنبية من سوريا أحد أبرز الملفات التي تطرح نفسها بقوة على الساحة السورية في ضوء التجاذبات السياسية الراهنة والمواقف الدولية والإقليمية الجديدة من الأزمة، ولقد كانت مسألة خروج القوات الإيرانية والميلشيات التابعة لها –التي كان لها الدور الأكبر في حماية رئيس النظام السوري بشار الأسد وإنقاذه قبل التهاوي في بدايات الثورة قبل أن يستكمل الروس المُهمة- الأكثر حضوراً على طاولة الاجتماعات، واستخدم كورقة للمناورة في عددٍ من الملفات، فعلى سبيل المثال اشترطت الولايات المتحدة الأميركية خروج القوات الإيرانية كشرط للمساهمة في إعادة الإعمار.

وعلى رغم أن الواقع يقول إن ارتباط إيران بالنظام السوري هو ارتباط وجودي، في ضوء مشروع نظام الملالي لاستعادة الإمبراطورية القديمة، وقد تفاخر قادة طهران بالسيطرة على أربعة عواصم عربية (بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء)، ومن ثمّ فإن خروجاً سهلاً وطبيعياً للقوات الإيرانية يظل مسألة شك على رغم أن الحكومة الإيرانية تقول إنها سوف تخرج من سوريا "بعد عودة الاستقرار النسبي" وبطلب من رئيس النظام بشار الأسد، على أساس أنها بدأت تدخلها بطلب منه أيضاً.

لكنّ –وبغض النظر عن مدى جدية إيران في الخروج، ومدى نجاعة أي جهود أو تجاذبات سياسية دولية في إجبار الميلشيات الإيرانية على الخروج من سوريا- ثمة العديد من الشواهد التي تؤكد أن إيران "باقية، وقد لا تخرج أبداً"؛ وذلك على أساس أنه حتى لو تحقق سيناريو "الخروج العسكري" فإن طهران قد نجحت في تكريس تواجدها داخل سوريا وضمنت إلى حدٍ كبير استمرارها "الشرعي" من خلال نجاحها في تحقيق "اختراقات ناعمة" تضمن لها ذلك البقاء، ومن ثمّ لا يشكل أي خروج نهاية الهيمنة الإيرانية على سوريا أو أن يشكل ذلك الخروج خسارة لعاصمة من العواصم الأربع التي تشكل نواة المشروع الإيراني.

من بين أوجه تلك الاختراقات "الناعمة" ما تمكنت إيران من تحقيقه في ملف "التعليم" على سبيل المثال، من خلال تأسيس جماعات إيرانية في سوريا –بالاتفاق مع نظام الأسد- تسهم في نشر الفكر الإيراني بالأوساط الشبابية السورية، فضلاً عن المشاريع الاقتصادية –بخاصة في الكهرباء- التي حظت بها إيران بالاتفاق مع نظام الأسد، والتسهيلات التي حصلت عليها في ذلك الإطار. ومن بين أوجه الاختراق كذلك عمليات التغيير الديمغرافي التي شهدتها سوريا بما يصب في صالح تكريس التواجد الإيراني، في خطٍ متوازٍ مع إقدام تملك إيرانيين عقارات في سوريا في وقائع وصفها محللون بـ "الممنهجة" من أجل ضمان التواجد الإيراني في سوريا حتى لو خرجت الميلشيا الإيرانية من سوريا. (اقرأ/ي أيضاً: هذا ما فعلته إيران في سوريا (مقال تحليلي)).

الأسد يرى في الميليشيات الشيعية العابرة للدول القادمة من أفغانستان وإيران والعراق ولبنان مع عائلاتها حلاً يعوّضه عن تناقص المقاتلين من الموالين السوريين
 

وتناولت "أنا برس" عبر موقعها الإلكتروني بالبحث والتحليل أوجه تلك الاختراقات الإيرانية الناعمة التي تكرس لبقاء إيران في المشهد السوري، لكنّ التركيز في ذلك الملف منصبٌ على الاختراق الذي حققته إيران من خلال عمليات "التجنيس" مستغلة في ذلك خضوع النظام السوري لنظام الملالي في طهران، الذي يدين له بحمايته وبقائه في الحكم حتى اللحظة بعد أن كاد يسقط من الشرارة الأولى لـ "الثورة السورية" في مارس/ آذار 2011 لولا التدخل الإيراني الذي حماه من سقوط محقق في تقدير الكثير من المراقبين.

عمليات التجنيس التي تتم في سوريا لعناصر إيرانية –من بينهم عناصر من الحرس الثوري- وإن ظلّت الكثير من تفاصيلها محاطة بسرية تامة لولا بعض التسريبات من هنا وهناك، دفعت إلى تحذيرات واسعة من تغيير التركيبة السكانية للبلاد (التغيير الديمغرافي)، وهو ما أكده تقرير صدر حديثاً لمعهد بحوث إعلام الشرق الأوسط، والذي صدر في نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وأشار التقرير إلى أن طهران استغلت الحرب السورية لـ "طرد سكان من مناطقهم لاستقدام آخرين إلى أرضهم من إيران وتجنيسهم بالجنسية السورية، مما يؤكد نيتها تغيير التركيبة الديمغرافية للبلاد".

وبحسب تقرير المعهد، فإن "النظام السوري يعتمد مجموعة من الأساليب لطرد الأهالي من بعض مناطق البلاد، مثل التهديد والحصار والتجويع والتعذيب والاستيلاء على ممتلكاتهم، مقابل منح الجنسية للإيرانيين". ويأتي ذلك بعد أن تم تداول مستندات مسربة من داخل شعبة المخابرات العامة تحمل رقم59954، تضم جدولاً لأسماء عناصر من ميليشيات إيرانية بوثيقة موجهة لوزير داخلية النظام يطلب منه مدير شعبة المخابرات إدراج الأسماء الموضحة في الجدول ضمن قيود السجل المدني مع إخباره بالرقم الوطني والقيد والخانة.

ومع صعوبة التأكد من مدى صحة تلك الوثائق، فإن مؤسسات بحثية ومراكة (مثل معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط) تعاملت معها بنوعٍ من الجديّة في إطار العديد من الشواهد الأخرى التي نذكرها لاحقاً والتي تضيء إلى أن هذا الدخان له أصله من النار التي تؤكده وتكشف عن عمليات التجنيس الممنهجة وتغيير التركيبة الديمغرافية لسوريا لصالح إيران.

وكان الكاتب مارتن تشولوف، قد كتب في مقال له بصحيفة "الجارديان" البريطانية، إن إيران ونظام الأسد لا يريدان أياً من أهل السنة في المناطق الممتدة بين دمشق وحمص والحدود اللبنانية، وهذا يمثل تغييرا ديمغرافيا تاريخياً للسكان. وكشف الكاتب اللبناني أحمد عياش في مقال له نشره بصحيفة النهار اللبنانية حول تجنيس النظام السوري أعداد كبيرة من المليشيات الإيرانية بالجنسية السورية. ونقل عياش عن أوساط دبلوماسية لم يكشفها أن "بشار الأسد منح نحو مليوني بطاقة هوية لإيرانيين ولأفراد في المليشيات المنضوية في فيلق القدس المنبثق من الحرس الثوري وعائلاتهم، وفي طليعتهم حزب الله".

تمكنت إيران كلية من سوريا بعد أن استغلت الحرب الدائرة هناك واستعانة رئيس النظام السوري بشار الأسد بها لدعمه، وما عزز من ذلك مقولة أن "سوريا لمن يدافع عنها"، فمن خلال تلك العبارة الصريحة التي قالها الأسد في العام 2015 لدى لقائه روؤساء وأعضاء المنظمات الشعبية والنقابات المهنية وغرف التجارة والزراعة والصناعة والسياحة، يمكن تلخيص جانبًا من مبررات وأهداف النظام من فتح الأبواب على مصراعيها أمام عمليات التغيير الديمغرافي في سوريا لصالح إيران وتجنيس عناصر وميلشيا إيرانية، على اعتبار أن إيران من أكثر داعمي النظام ال*سوري منذ بداية الأحداث في العام 2011، وبخاصة أن المرسوم رقم 276 للعام 1969 في سوريا يجيز منح الجنسية لـ "من أدى للدولة أو للأمة العربية خدمات جليلة" وفق نص المادة السادسة من المرسوم.

أرقام

ولعلَّ الأرقام التي تتحدث عنها تقارير مؤسسات إعلامية سوريّة مستقلة تكشف جانبًا من مدى خطورة التغيرات الديمغرافية وتجنيس الإيرانيين، وإن كانت كثير من تلك الأرقام المتداولة غير رسمية ومتفاوتة إلى حد كبير، إلا أنها تكشف عن تحقق جزء كبير من الخطة الإيرانية لتجنيس عناصر إيرانية ومواليين لطهران بالجنسية السورية، لكن يُمكن هنا الإحالة إلى ما يكشفه رئيس تجمع المحامين السوريين غزوان قرنفل، عن أنه "بناءً عن معلومات تحصّل عليها بنفسه من مصدر بوزارة الداخلية السورية في العام 2014 –لم يفصح عن اسمه- فإنه قد تم تجنيس 45 ألف إيراني بالجنسية السورية". ويمكن هنا مقارنة ذلك الرقم –الذي لم يتسن لنا التأكد منه من مصدره بالداخلية السورية- بما جاء في بيان تحذيري أطلقه ناشطون من السويداء (تقع على بعد 100 كم جنوب مدينة دمشق) في العام 2013، حذروا فيه من مشروع تجنيس 40 ألفًا من العراقيين واللبنانيين وغالبيتهم من عناصر حزب الله.

مصدر بداخلية النظام قال في 2014 إنه تم تجنيس 45 ألف إيراني بالجنسية السورية.. وقرنفل: العدد قد يصل الآن لنصف مليون
 قرنفل

ويُزيد قرنفل: "أعتقد بأن هذا الرقم قد صار متواضعًا أمام الأرقام الحالية التي نعتقد بأنها بلغت أكثر من نصف مليون على الأقل، وهو رقم تقديري وليس رسميًا.. هذا على مستوى التجنيس بخلاف التشيع الذي تعمل عليه إيران بوتائر عالية". ذلك في الوقت الذي نقلت فيه تقارير إعلامية حديثة –لم نستطع التأكد من دقتها- عن دائرة الهجرة والجوازات في العام الجاري أن النظام السوري استخرج 200 ألف جواز سفر لأشخاص من إيران. (اقرأ/ي أيضاً: مع التدخل الميليشياوي.. إيران تخوض حربًا "ناعمة" أيضًا في سوريا).

وكدليل على تلك العمليات ما حدث –على سبيل المثال- في الغوطة الشرقية وجنوب دمشق وفي مناطق أخرى شهدت عمليات تغيير ديمغرافي وبالتالي تجنيس أولئك المقاتلين التابعين لإيران أو توطينهم. وليس ببعيدٍ أيضاً ما تم تداولته تقارير إعلامية نقلًا عن مصادر عراقية رسميّة بشأن منح النظام السوري ميلشيا الحشد الشعبي العراقي الجنسية السوريّة.

يقول قرنفل لـ "أنا برس": آخر إحصائية استطعنا الحصول عليها وتم الكشف من خلالها عن أعداد الإيرانيين ومرتزقتها الذين حصلوا على الجنسية السورية كانت في نهاية العام 2014 ووصلت الأعداد وقتها إلى حدود 45 ألف شخص إيراني، وتضاعفت الأعداد بمئات آلاف.. وحالياً للأسف لا توجد لدينا أرقام وإحصاءات دقيقة حول الإيرانيين المتجنسين بالجنسية السورية. ويوضح أنه في السياق العام هناك تحركات من قبل النظام السوري من أجل إحداث تغيرات ديموغرافية في تركيبة السكان بخاصة في قلب العاصمة وما حولها، وخاصة ما أصدره النظام مؤخراً من قوانين تعطي مؤشرا كبير أن النظام ذاهب بعيداً نحو تجنيس أكبر عدد ممكن من الميليشيات الإيرانية.

ويشير قرنفل إلى ما حدث مؤخراً في منطقة بساتين الرازي في دمشق، حيث أن سكان هذه المنطقة كلها محسوبة على غير الموالين للنظام، فتم تهجير أهلها وتوطين عائلات شيعية وعائلات المقاتلين في الميليشيات الإيرانية وتجنيس الكثير منهم، وذلك عن طريق عراب النظام المدعو سامر الفوز زوهو رجل أعمال سوري يمثل واجهة النظام التجارية والمقرب جداً من إيران، وهو عنوان المرحلة القادمة لتوطين الشيعة في سوريا.

الهندسة السكانية

"ويوم بعد يوم تتكشف الأوراق عن عمليات تجنيس واسعة النطاق يقوم النظام الأسدي في سوريا ضمن سياسته الهادفة إلى إعادة الهندسة السكانية، وتنصرف عمليات التجنيس هذه بشكل خاص إلى عناصر الميليشيات الداعمة له في حربه على الشعب السوري"، على حد تعبير المستشار القانوني مصطفى القاسم.

ويتابع القاسم في تصريحات لـ "أنا برس" قائلاً: إن النظام السوري يرى في الميليشيات الشيعية العابرة للدول القادمة من أفغانستان وإيران والعراق ولبنان مع عائلاتها حلاً يعوّضه عن تناقص المقاتلين من الموالين السوريين الذين أجهز عليهم في حربه التي أدخلت البلاد في صدامات واحتلالات لن تخرج منها لسنين طوال وربما عقود. ويقول القاسم –المتابع لملف التجنيس بصورة خاصة-  إن الميليشيات الإيرانية تستولي اليوم على بيوت دمشق الواقعة قي الأحياء القديمة، ويقوم هؤلاء بتغييرات جوهرية داخل هذه البيوت الدمشقية وفي شوارع وأحياء دمشق.. وقد دعم النظام ذلك –وفق القاسم- من خلال العقاب الجماعي والحصار وتغيير الملكية وسياسة إعادة الإعمار واستصدار القوانين التي تخدم نزع الملكيات والتدمير غير القانوني لممتلكات المدنيين والاستيلاء عليها والتخلّص من الأهالي الأصليين بالقتل والتهجير.

ويوضح المستشار القانوني أن هذه السياسة تأخذ شكل التطهير الطائفي الذي يعتبر جريمة وفقاً لأحكام القانون الدولي، كما تمنع أجهزة الأمن التابعة للنظام تأجير أو بيع أو شراء أي منزل في دمشق إلا بموافقة أمنية، وترمي بذلك إلى الضغط على المالكين لإجبارهم على عمليات البيع لصالح إيران ووكلائها. ويقوم على هذه السياسة مزيج من تجّار حرب من الحلقة الضيقة للنظام السوري وبرنامج تشييع يدفعه ويموله النظام الإيراني؛ وذلك لتحقيق أهداف مشتركة بين الطرفين، بقصد تغيير الولاءات السياسية والتركيبة السكانية لجزء كبير من المناطق في سوريا. (اقرأ/ي أيضاً: الاختراق الإيراني لسوريا في إحدى "أبشع صوره").

ويشير المستشار القانوني إلى أن هذا المشهد الدمشقي يتكرر في أنحاء مختلفة من سوريا، فعلى الشريط الغربي المجاور للبنان تحكم ميليشيا حزب الله قبضتها وتمنع عودة السوريين وتستغل مناطقهم في توطين آخرين وزراعة الأراضي الزراعية بالحشيش، الذي تقوم بتصنيعه وتهريبه إلى السوريين والدول المجاورة، وقد تكشفت العديد من محاولات التهريب هذه في الأشهر الأخيرة.

ويختم القاسم حديثه قائلا: تسربت في الآونة الأخيرة بعض الوثائق التي تبين سعي النظام إلى إدخال أعداد كبيرة من غير السوريين ضمن قيود الأحوال المدنية عن طريق معاملات قيد المكتومين، واستصدار أوراق إقامة دائمة لمنسوبي الميليشيات الشيعية الأفغانية مع عائلاتهم، ومنح الهوية السورية لقسم كبير من المقاتلين العابرين للحدود بغرض شرعنة وجودهم والاستفادة منهم في أي إلزامات دولية بانتخابات رئاسية أو استفتاء على الدستور الموعود، وبغرض منع عودة اللاجئين إلى بيوتهم التي أخرجوا منها وأرضهم ومواطنهم الأصلية.

اختراقات

في ضوء الأحداث المتواترة التي تشهدها المنطقة خلال السنوات الماضية، وجدت طهران الفرصة سانحة من أجل تحقيق نجاحات في ذلك المخطط الممنهج من خلال تسهيل توطين وتجنيس عناصر موالية لها، سواء إيرانيين أو يحملون جنسيات أخرى من بينها العراقية واللبنانية مواليين لنظام الملالي ومشروعه السياسي على أساس طائفي، مستغلة بذلك الاضطرابات الداخلية في سوريا واليمن على سبيل المثال لدعم أطراف بعينها هناك، فضلًا عن استغلالها أزمة قطر التي فتحت أبوابها على مصراعيها أمام الحليف الإيراني ليفعل ما يشاء، بما في ذلك منح الجنسية القطرية لعناصر إيرانية.

 إيران وهي صاحبة مشروع تصدير الثورة الخمينية للمحيط العربي وحتى الإسلامي كله منذ أن قامت وأحد أهم أهدافها وأيديولوجيتها إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية عن طريق التستر بالدين واستخدامه للوصول لمبتغاها ومشروعها، من خلال تصوير نفسها بأنها حامية الشيعة في العالم ودرعهم ونقطة استقطابهم، وبالتالي فقد "وظفت طهران سبل عدة من أجل هذا الهدف من خلال الغزو الفكري، وفي سوريا أنشأت جمعيات الأمام المرتضى في أوائل الثمانينات في المحافظات السورية كافة على يد جميل الأسد (عم رئيس النظام السوري بشار الأسد) هدفها استقطاب الفقراء من خلال مكافآت ومساعدات مادية لتغيير معتقداتهم ودينهم.. وحتى تجنيس عناصر إيرانية بالجنسية السورية بعد ذلك"، وذلك حسب ما يؤكده المحلل العسكري العقيد السوري المنشق فايز الأسمر، في شهادته لـ "أنا برس" التي تحدث فيها عن وقائع التغيير الديمغرافي التي تمت بعد ذلك في سوريا.

وثائق مسربة تبين سعي النظام لإدخال أعداد كبيرة من غير السوريين ضمن قيود الأحوال المدنية عن طريق معاملات قيد المكتومين

ومنذ تدخل إيران للإبقاء على نظام بشار الأسد ومنعه من السقوط وبعد أن تأتى لها ذلك واستعادة غالب الأراضي التي قامت عليها وبها "الثورة" تحاول والنظام تغيير الواقع الديمغرافي لتلك المناطق وإيجاد أذرع وميليشيات عسكرية لها شبيهة بحزب الله اللبناني والعراقي والحشد الشعبي من أبناء تلك المناطق والعشائر والمكونات الأخرى في كل المناطق السورية من خلال استغلال فقرهم وعوزهم وإغراءهم بالمال؛ لنشر التشيع بها واستقدام آخرين  وعائلاتهم من إيران وإنشاء مستعمرات لهم من خلال التسهيلات التي يقدمها لهم النظام من تجنيس لهم ولعوائلهم، ومن خلال المرسوم رقم 10 وعبر شراء العقارات في غالب المناطق السورية أو مصادرتها وبأبخس الأسعار.

وثمة مناطق بعينها تمثل أهمية استراتيجية خاصة لطهران في سوريا من أجل تغيير طابعها الديمغرافي، يُحددها الأسمر في المناطق الشرقية القريبة من الحدود العراقية بشكل خاص، وتقوم إيران بإنشاء المزارات فيها مثل عين علي قرب الميادين ودموع علي، إضافة إلى نشر اللطميات والحسينيات وجهاد الإعمار والبناء؛ لأنها "تريد تأمين طريق طهران بغداد دمشق بيروت".

 ويعتقد البعض بأن المسألة في سوريا كانت من السهولة بمكان أن تتم في ضوء حاجة النظام السوري الماسّة للدعم الإيراني، وأن الاختراق والحصول على الجنسية كان سهلًا وقد تأتى في غضون شهور قليلة على أساس "الخدمات الجليلة" وأن "سوريا لمن يدافع عنها" كما قال الرئيس السوري بشار الأسد، لكنَّ أصحاب ذلك الاعتقاد يتجاهلون فكرة أن ما يحصد نظام الملالي ثماره الآن في سوريا بطريقة تبدو سلسة هو نتاج عملي لمقدمات خلال عقود مضت منذ ثورة الخميني، ولعل ذلك ما يبرز في شهادة الأسمر الذي يتحدث عن دور جمعيات الأمام المرتضى في الثمانينات.

ميلشيا تابعة

صارت سوريا مفتوحة تمامًا أمام الإيرانيين بعد استعانة النظام بهم، وصار تجنيس نظام الملالي لعناصره لا يتوقف عند حد تجنيس ميلشياته، لكنه يتعدى ذلك إلى تجنيس ميلشيات تابعة لإيران، إضافة إلى عراقيين وأفغان وباكستانيين يدينون بالولاء لنظام الملالي، وهذا تمامًا ما يتحدث بشأنه المحلل العسكري العميد المنشق عن النظام السوري أحمد رحال، والذي يشير في شهادته إلى داريا كمثال، فتلك المدينة السورية العريقة التي تقع بالقرب من دمشق، بعد أن سيطر عليها النظام سارع القائد العراقي التابع لإيران أمجد البهادلي بزيارة مقام السيدة سكينة فيها فورًا في دلالة وإشارة واضحة على هرولة الإيرانيين للتشبث بتلك المناطق التي تمثل أهمية قصوى لهم، وتم تجنيس مجموعة من الشيعة العراقيين الذين سكنوا فيها بالجنسية السوري، بحسب معلومات تحصّل عليها رحال. (اقرأ/ي أيضاً: معارض إيراني: نظام الملالي إلى زوال).

ووفق تلك المعلومات، فإن الأمر لا يتوقف عند حدود داريا، فهناك في القصير وفي حمص وغيرها، حتى أن "آخر عملية تجنيس وصلتنا معلومات بشأنها تتم في الميادين والبوكمال (مدينتان سوريتان تتبعان محافظة دير الزور شرق سوريا) خاصة تجنيس ميلشيا أفغانيين عراقيين وهناك عائلات عراقية تتوافد بحجة زيارة المراقد ومناطق مقدسة.. وبعض الأفغان الذين تم تجنيسهم في بابا عمر (أحد أحياء حمص وسط سوريا)".

وهنا يمكن الإشارة أيضًا إلى الوثيقة المتداولة المسربة الشهر الجاري عن شعبة المخابرات العامة التابعة للنظام السوري، والتي تكشف عن رغبة النظام السوري في منح الجنسية لمقاتلين إيرانيين، وتوطين إيرانيين في مناطق السنة بهدف إحداث تغيير ديمغرافي، وفق معلومات مستندة إلى وثائق رسمية.  

وبالتالي فإن الإيرانيين يلعبون "لعبة خطيرة" حسب وصف رحال، على أساس أن كل منطقة يدّعون أن لهم فيها مكانًا مقدسًا، لكنّه يشير إلى النقطة الأخطر في المسألة والمرتبطة بوجود "عملاء محليين" ذكر منهم من نرمز إليه بالأحرف الأولى من اسمه (ن.ب) الذي يكشف عن أنه يقود ميلشيا إيرانية بالداخل تحارب تحت قيادة قاسم سليماني (قائد فيلق القدس الإيراني).

وفي وقتٍ تُعاني فيه طهران من أزمة العقوبات الأميركية المفروضة عليها، كما تواجه الأصوات المطالبة بضرورة إخراج الإيرانيين في سوريا، فإنها "لا تريد أن تخرج وتترك الساحة فارغة وتخسر كل شيء، وبالتالي تحاول زرع جسم جديد في النسيج السوري يضمن بقاءها وسيطرتها، وهي بذلك تريد استنساخ حزب الله آخر في سوريا أو الحشد الشعبي.. حتى بعض الأفارقة قد تم الإتيان بهم إلى سوريا –ضمن ذلك المخطط- لضمان بقاء السيطرة الإيرانية على سوريا، لتكون الولاية 35 لإيران".




كلمات مفتاحية