http://anapress.net/a/123925440074013
حالة من الضبابية تفرض نفسها على كثيرٍ من الخيوط الرئيسية لمحادثات أو مفاوضات الأستانة، بداية من المشاركين في تلك المحادثات وانتهاءً بمحاوره وأجندته السياسية وأهدافه وما سوف يخرج عنه من قرارات، مرورًا أيضًا برغبة الجانب الروسي ورؤيته "المسبقة" للمحادثات، ذلك في الوقت الذي حذّر فيه محللون سوريون من مناورات للنظام وداعميه من أجل "توريط المعارضة" خلال تلك المحادثات.
ضبابية المشهد تفرز تساؤلات عديدة حول مؤتمر الاستانة وتُحيطه بالمزيد من الغموض وعلامات الاستفهام التي تلاحق كل ما يتعلق بالاجتماع، كما تعزز مخاوف واسعة في صف المعارضة من "رؤى مسبقة" ونوايا روسية بالتنسيق مع النظام قد لا تأتي في صف الرؤية التي تتبناها المعارضة السورية.
ويعتبر المحامي السوري ميشيل شماس أن قبول المعارضة السورية برؤية موسكو للمشاركة في مفاوضات أو محادثات الاستانة مع نظام الأسد، دون الأخذ بعين الاعتبار قضية المعتقلين وعملية الانتقال السياسي التي تفضي إلى قيام دولة ديمقراطية، سيؤدي بها المطاف إلى توريطها بالمشاركة في حكومة وحدة وطنية تحت قيادة نظام الأسد. وهذا –وفق ما كتبه شماس عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك- ما سيجعلها شريكة أساسية مع نظام الأسد في استمرار المأساة السورية؛ لأن نظام الأسد معروف عنه أنه لن يسمح بأي تغيير حقيقي في طبيعة نظام الحكم في سوريا، وهو دمرّ سوريا واستجلب التدخلات الدولية من كل حدب وصوب ورافضاً أي تغيير أو حتى إصلاح في بنيته من أجل أن يبقى في كرسي الحكم.
"الحقيقة أن اجتماع استانة إلى الآن غير مفهوم وغير محدد الأجندة والمشاركة. لكن فهمت أن المشاركين سيكونون من العسكر من النظام والمعارضة والروس والأتراك والإيرانيين، ولكن الخطة بالضبط غير معروفة علمًا بأن هناك تسريبات لا أستطيع التعليق عليها ولكن برأيي أن الروس يريدون حلا سياسيا يناسب مصالحهم ومصالح النظام وليس الأشخاص، فبشار الاسد بحد ذاته يلزم الروس لمرحلة معينة ثم سيتخلون عنه وقد يقتلونه"، كذلك يقول الأكاديمي السوري البارز د.محمود الحمزة في تصريحات خاصة لـ "أنا برس".
ويتابع الحمزة قائلًا: أعتقد أن هناك أمورًا متفقة بين تركيا وروسيا لم تعلن مثل خروج الإيرانيين والميليشيات الشيعية وحزب الله من سوريا وبقاء سوريا تحت الوصاية الروسية. طبعا هذه الاتفاقات والتفاهمات هناك ما يناسب الثورة وهناك ما يتناقض مع مصالح الثورة. وقد يكون الروس يفكرون بتشكيل مجلس عسكري وحكومة وفاق كما تسرب ولا استبعد ذلك من قبل الروس ولكن ابقاء المجرم الاسد ولو لاشهر سيكون اكبر عائق أمام أي عملية سياسية حقيقية.
والحديث عن "حكومة وحدة وطنية" لا يخدم بأي حال من الأحوال التوصل للحل السياسي المنشود للأزمة السورية التي تدخل عامها السابع بُعيد أيام قليلة، وهو ما يؤكده عضو الهيئة العليا للمفاوضات المهندس أحمد العسراوي، والذي يعتقد بأنه إذا كان مؤتمر الأستانة لهذا الغرض فإنه لن يخدم المسار السياسي. ذلك في الوقت الذي يعتقد فيه النظام بأنه لا يمكن أن يقدم للمعارضة الحل الذي تنشده والذي أخفقت في تحصيله من خلال المعارك والحلول العسكرية، بالتالي ينظر إلى "تشكيل حكومة وحدة وطنية" تحت رعاية الأمم المتحدة باعتبار ذلك مخرجًا مؤقتًا للأزمة، تقوم تلك الحكومة بوضع دستور جديد.
ويعتقد المحلل السياسي السوري جميل عمار أن "الاستانة بقيادة روسيا، وهي تسعى للالتفاف على قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة و قرارات جنيف وفينا وإيجاد اتفاق يرضي النظام ممهورًا بتوقيعات من قبل أطراف من المعارضة، كما تحاول أن تعطيهم صبغة أنهم فصائل مسلحة لتصبغ الاتفاق بالشرعية الداخلية واستبعاد الأطراف السياسية المعارضة التي شاركت في جنيف لتمرير اتفاق لا يتعارض من ناحية المضمون على بقاء الأسد وإن كان يبدو ظاهريًا أنه يستثنى الأسد ويدعو إلى حكومة مشتركة يبقى النظام فيها متسيد، وفي النهاية هي محاولة إعادة تدوير بشار والنظام ليصبح مقبول سوريا ودوليا، وفق تصريحاته لـ "أنا برس".
ويصر النظام على التنكر للقرارات الدولية والمناورة عليها، لاسيما مع رفضه لتشكيل هيئة حكم انتقالي وتمسكه بفكرة "الحكومة التشاركية" التي تؤدي اليمين الدستورية أمام الأسد وتعكف على وضع دستور جديد.
بينما يقول الأمين العام لحزب التضامن السوري د.عماد الدين الخطيب لـ "أنا برس" ردًا على سؤال بشأن الأنباء حول الرغبة في أن تكون محادثات الأستانة مقدمة نحو تشكيل "حكومة وحدة وطنية تشاركية" وما إذا كان ذلك مناورة والتفاف على الثورة ومطالب السوريين بما يضمن بقاء الأسد؟ أم مخرج ولو مؤقت من الأزمة؟ قائلًا: لا أعتقد، كل هذه التسريبات أمنية، الغاية منها إفشال أي محادثات وخاصة الاستانة قبل الانتقال إلى جنيف ولاسيما أن الاجتماع هو أمني عسكري لتبادل خرائط وليس اجتماع سياسي.
ورأى أن هذه التسريبات مثلها مثل تلك التي تقول بتشكيل حكومة يرأسها فلان أو علان وبالتالي استبيان ردة فعل السوريين حول بقاء بشار الأسد في ظل تراجع المعارضة سياسيا وعسكريا وحتى تخلي الداعمين.
وذكر المعارض السوري رياض درار في السياق ذاته أن روسيا تسعى لفصل الفصائل المقاتلة التي تقبل بالحل السياسي والتي لاتقبل مثل فتح الشام وملحقاتها بمساعدة تركيا التي تستفيد من علاقاتها مع روسيا لوقف الأكراد عن التمدد على الشريط الحدودي، معتبرًا في تصريح خاص لـ "أنا برس" أن هذا اللقاء مقدمة تتبعه لقاءات إذا نجح.