المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

ماذا تعرف عن الرواية المعرفية؟

 
   
16:00

http://anapress.net/a/320520203700196
405
مشاهدة



حجم الخط:

فرضت التحولات المتتابعة في الواقع العربي سطوتها على الفن الروائي، ليس فقط بمواكبة الرواية العربية للأحداث والتعبير عنها بأشكال متعددة، وإنما في إعادة ترتيب الأولويات وفق متطلبات القراء التي لم تعد تقنع بالرواية كهدف للتسلية والمتعة وإنما كمنتج معرفي ممتع أيضا. وفي هذا الاستطلاع الذي أجرته “العرب” مع عدد من النقاد والكتاب ننطلق للسؤال حول تأثير بزوغ ذلك النمط المعرفي في الرواية العربية على نزوعه نحو جماليات التخييل الروائي، وأسباب ذلك الاهتمام الراهن بالمعلوماتية في الرواية العربية، ودور جوائز الرواية العربية في تعزيز الاتجاه لذلك النمط من السرد.

لا يمكن بأي حال فصل الرواية عن المعارف منذ نشأتها وحتى الآن، يتعمق هذا المنحى خصوصا في ظل الثورة المعلوماتية التي وضعت أسسها وشروطها على الأدب، لكنه في الوقت ذاته ثمة اختلالات يمكن ملاحظتها في النسيج الروائي لعدد من الأعمال التي من المفترض أن تتكئ بشكل أساسي على التخييل، من جراء تثاقف أو حشو معرفي قد يقع الروائي في فخه بينما هو يُشكِّل معمار روايته، لا يفصلها عن الكتاب العلمي أو التاريخي سوى ذلك التصدير الذي وضعه في مقدمة عمله لتبيان كونه “رواية” وسوى محاولات طفيفة لاستنطاق الشخصيات “المتخيلة غالبا” والحقيقية أحيانا بما لا تحتمله.

ينوه الكاتب والناقد الأردني رامي أبوشهاب إلى أن الرواية فعل تخييلي في المقام الأول، غير أنها تتخذ خصوصيتها من كيفية المعالجة، أو ذلك البناء القائم على الصنعة التي تجعل من القيمة المحكية ممارسة تناط بالمتلقي كما أشار ميلان كونديرا، موضحا أن فعل التحميل المعرفي يمتلك خصوصية في التمثيل السردي للعالم، فالرواية لا يمكن أن تتحول إلى وثيقة، إنما يمكن أن تكتسب بعدها من خلال الآفاق التي تبحث عنها، فهي في النهاية تعد المنظور الذي يمكن أن نعاين من خلاله العالم، بما في ذلك الأفكار، والتي يمكن أن تكتسب شرعيتها من البنية الملتحمة في المتخيل النصي، وبهذا، فإن قيمة التصنيف ليست هي المشكلة إنما الكيفية التي نرى من خلالها القيمة المعرفية التي نكتسبها من خلال تفكيك بنيات العمل.

ويشير أبوشهاب إلى أن محاولة تكريس الرواية بوصفها رواية فكرية، أو رواية معرفية لا تبدو من الأهمية بمكان، فالتكوين المعرفي للرواية قائم من زمن طويل، بل إننا نكاد نعثر عليه في روايات سرفانتس وفلوبير، وزولا، وديستوفسكي، وغيرهم، وحتى في أعمال نجيب محفوظ التي لم تقدم المعرفة بوصفها هدفا، إنما كانت تؤدي المعاني الإدراكية لحدود بعض المفاهيم التاريخية والفلسفية التي لامسها الإنسان، وفي ظلال القيم الرقمية، والمعلوماتية التي بدأت تجتاح عالمنا الحديث، فالمعلومة أو المعرفة ليست قيمة موجبة، أو الهدف، إنما أصبحنا معنيين بالسبيل السردي، أو المتخيل الذي يمكن أن يضفي على هذا الطرح فيضا من الخصوصية.

ويتابع أبوشهاب “لا شك بأن ثمة الكثير من الأعمال الغربية التي تهدف إلى تكوين صيغة خطابية فكرية شديدة التخصص في السرد، ومنها على سبيل المثال روايات غراهم غرين، وإليزابيث بوين التي حملت في طياتها العديد من القيم المعرفية التي تبدو في وضعية تساؤل، أو تشكك تجاه العالم والمعارف التي نعتقد بصحتها، وهذا ما يقترب من روايات الخيال العلمي، والمغامرة البوليسية، والتاريخية التي تنطوي مجتمعة على قدر غير ضئيل من القيم المعرفية التي تبدو مباشرة للوهلة الأولى، ولكن ما يجعلها فاعلة تميزها بألا تكون مقصورة على النسق الوظيفي بوصفها أداة معرفية، إنما ثمة التكوين التخيلي، أو تلك العناصر التي تجعل من الرواية متعة، وهذا مما يضفي المزيد من التحديات عند كتابة هذا النوع من الأعمال، فعلى الرغم من محاولات بعض الروائيين العرب مقاربة هذا النموذج الكتابي، إلا أنهم في معظم الأحيان بدوا غير قادرين على المزج بين الجوانب المعرفية للعمل ومتعة المتخيل السردي”.

الناقد المصري حسين حمودة يعتقد بأن الرواية التي تقوم على استخدام معلومات مثَّلت مسارا ممتدا عبر تاريخ الرواية كله، وهو مسار بدأ مع ما يسمى “رواية الرحلة” التي عرفها التراث المصري القديم والتراث الإغريقي وهما تراثان تم إرساؤهما في الحديث عن تاريخ الرواية. رواية الرحلة كانت، في جانب منها، تقدم معلومات عن أماكن متعددة، لكن رواية المعلومات سارت بعد ذلك في وجهات متنوعة. بلزاك مثلا كان يستعين بالمعلومات من ملفات بلدية باريس، ودوس باسوس اختار خط الرواية التوثيقية، الذي سار فيه كتاب كثيرون بعد ذلك.

ويضيف حمودة “الكاتب الروائي، في كل هذه الوجهات، لا يكتفي بتقديم المعلومات كما هي خارج الرواية، وإنما يعيد تشكيلها بشكل روائي، ويقدم تصورا أو مجموعة تصورات عنها. هو يضيف إليها ويحذف منها، ويدخل بها في منطق وسياق ربما يبتعدان عن سياقها الأساسي. أحيانا في بعض الروايات تكون هناك هوامش شارحة، تقدم للقارئ معلومات إضافية موثقة، كما هو الحال في بعض أعمال إبراهيم الكوني، لكن هذا يرتبط بتصور الكاتب عن أنه يكتب حول عالم بعينه، غير معروف للقارئ الذي يتوجه إليه. المهم أن المعلومات تمثل مستوى من مستويات العمل الروائي، لكنه ليس هو المستوى الأكثر أهمية. الرواية رواية قبل أن تكون كتابا لتقديم المعلومات”.

الناقد العراقي جاسم خلف إلياس يوضح أنه في عصر التطور المعلوماتي تمرد المتخيل السردي على المألوف والقار، وشرع في اتخاذ مسار مغاير، إذ أصبح هذا التغير المعيار الأكثر قبولا في إنتاج الجمالية، وعلى هذا الأساس خضع المتخيل السردي لعدة تحولات في مسيرته الإبداعية، ومن هذه التحولات اتجاهه نحو المعلوماتية، فانطلق من التحصيل المعرفي بالواقع الإنساني (فلسفة، اجتماع، تاريخ، فيزياء، كيمياء…وغيرها) وأدرك متغيراته المتسارعة، والوعي بفاعلية التعالق المعرفي السردي، وتأثير تحولات البنى في هذا التعالق على الإزاحات النوعية في السرد، كما حدث أن انشغل السارد الذي يحركه الروائي بالمعلوماتية.

ويتابع إلياس “على الرغم من أن ملامحه الجمالية لم تكن بالقوة ذاتها كما في جماليات التخييل السردي، إلا أن السرد المعرفي ذو أثر فاعل، لا سيما في التماهي مع المتغيرات الاجتماعية والتاريخية، والقدرة على كشف العلاقات والبنى الأساسية المتحكمة في صياغة المشهد الجمعي وعلاقته بالمعرفة الإنسانية عبر تاريخها الطويل وصولا إلى علاقة السرد بالتكنولوجيا، وتأثرها بمصطلحات المعلومات، وصنع قارئ جديد”.

ويلفت إلياس إلى أن المتخيل السردي يقتضي نوعا من المعرفة يختلف عن الذي عرفناه في المعرفة العلمية بمعناها المألوف. وفي ضوء هذا الانفجار المعرفي والتواصلي لا بد أن نتوقع في ما يخص السرد أشكالا متعددة للتعبير، في رصدها المهارات المعرفية التي أنتجها الإنسان في مختلف العلوم الإنسانية والتطبيقية، مضيفا “نعزو حسب ظننا المتواضع أن كل هذا يرجع إلى الرغبة في التجريب أولا بوصفه ديدن المبدع في التجاوز والمغايرة، وإلى اللحاق بركب العصر وتلبية حاجة القارئ. كما أن للمسابقات العالمية والعربية تأثيرا على هذا النوع من السرد، فلم تعد الكتابة جمالية فحسب، وإنما معرفية في الوقت ذاته”.

يرى الناقد المغربي عبدالرازق المصباحي أنه يجب الحذر من مصطلح الرواية المعرفية الذي يفيد حشو الرواية بكم هائل من المعارف التاريخية، الأسطورية، الدينية، والفلسفية… إذ سنكون كمن يسلم بوجود هذا النوع من الروايات في المدونة الروائية العربية المعاصرة، قياسا إلى مصطلح “الرواية التاريخية” الراسخ في النظرية السردية.

فالرواية، في رأيه، ظلت دائما تستلهم من هذه المجالات المعرفية وغيرها مادتها الحكائية، ثم تقوم بتسريدها على نحو يخالف مرجعها رؤية ورهانا، وهو أمر لا يدعونا إلى إصدار حكم عام بوجود “رواية معرفية”، أي أن يكون مطلق رهانها “إخبار” القارئ بمعلومات ليست في علمه، أو “تذكيره” بما نسيه منها. فليس ذلك من وظائف الرواية ولا الروائي الذي يخلق كونا تخييليا خاصا به، يسمو على الواقع والتاريخ مهما تشابها.

رامي أبوشهاب وحسين حمودة وجاسم خلف إلياس وعبدالرازق المصباحي

ويتابع المصباحي أنه لا يمكن أن نختزل رواية عميقة مثل “شوق الدرويش” للروائي السوداني حمور زيادة في مجرد حكاية تعرفنا بثورة “المهدي والدراويش”، فذلك يخصي هذا النص ويفقده آفاق التلقي اللانهائية التي يصنعها “التخييل”، وبالمثل لا يمكن أن نقصر قراءتنا لنص مثل “تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية” للروائي المغربي عبدالرحيم الحبيبي في كونه نصا إناسيا أنثروبولوجيا يعلمنا عن عادات القبائل الأفريقية التي زارها بطل الرواية، وبالنسبة إلى رواية مثل “الأزبكية” للروائي المصري ناصر عراق، فمهما يظهر من معلومات تاريخية دقيقة عن الاستشراق الغربي الموازي لحملة نابليون على مصر، والاستعمار العثماني لمصر، فإن رهانها أكبر من أن يختصر في استعادة معلومات ومعارف يعرفها القاصي والداني.

إن مصطلح الرواية المعرفية يخالف واقع الرواية العربية الراهن، الذي يمكن أن نحدد أهم تحولاته في نزوعه نحو الضخامة أو “البدانة” بتعبير سعيد يقطين، وهي ظاهرة غذتها جوائز الرواية الكبرى (البوكر، كتارا…) ثم النزوع إلى تسريد المواضيع السياسية، أو التاريخية بالأساس بخاصة منها تلك التي لا تزال تؤثر في واقعنا إلى اليوم. وفي ظني، فإن الكثير من التجارب الروائية العربية الآن صارت تغامر في تجريب تقنيات سردية متنوعة، وتحاول أن تحاور نصوصا وأحداثا مرجعية في الثقافة العربية والعالمية بغية صنع عوالم تخييلية أخاذة، ولا ننكر أن الجوائز الكبرى قد عززت من كم هذه المحاولات، برغم الهنات الكثيرة الناجمة عن دخول أنصاف الموهبة ومقتنصي الفرص”.

|*بالتعاون مع صحيفة العرب اللندنية