كمال خير بك.. وداعًا أيها الشعر

"أبحث عن عاصفة مرة تجتاحني، تجتاج جدراني تخطفني لعالمٍ ثانٍ، لعالم يعلو على الأرض والحب والبُغض، لعالك تحضَّر في لحمه خناجرُ الرَّفضِ".. رحلة البحث تلك هي التي رسمت حياة الشاعر والمقاوم السوري كمال خير بك، الذي يعد علامة من علامات الشعر السوري بل العربي ككل.

ولد كمال خير بك عام 1935 في مدينة القرداحة بمحافظة اللاذقية ، وانتمى إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي في أوائل الخمسينيات، وتولى العديد من المسؤوليات فيه إلى أن انتخب عضوًا في مجلسه الأعلى، جابه خير بك العديد من محاولات التنكيل؛ إذ تعرض تعرض للسجن وللملاحقة أكثر من مرة،  كما تعرَّض لمحاولات اغتيال أثناء وجوده في فرنسا.

كان كمال بك ثوريًا باميتاز، إذ شارك في المحاولة الانقلابية عام 1961 في لبنان وحكم عليه بالإعدام غيابيا، كما شارك في الثورة الفلسطينية بقيادته للعديد من العمليات الخارجية ضد إسرائيل في الخارج ضمن إطار منظمة أيلول الأسود، وتم اغتياله عام 1980 أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.

ذكرت اذاعة إسرائيل عقب وفاته "قتل اليوم في بيروت الأرهابي كمال خير بك الملقب بأبو زياد وكمال خير بك له علاقة مع عدد من الارهابيين الدوليين وترأس لفترة طويلة تنظيما يضم كارلوس وعدد من المخربين ويعتبر كمال خير بك أبرز المعاونين للإرهابي وديع حداد".

أسلوبه الشعري

يقول حسين بن حمزة عن أسلوب خير بك الشعري: "الواقع أن الشاعر انحاز إلى قصيدة يتزايد فيها نفوذ المضمون على حساب الكيفية، التي ينبغي أن ينجز بها هذا المضمون. وحين بدأ بعض مجايليه بسلوك طرق جانبية تصنع لهم أصواتهم الخاصة، كما فعل الماغوط وأنسي الحاج وأدونيس وشوقي أبي شقرا، كان خير بك قد وطن قصيدته في أسلوبية إيقاعية وشكلانية أقرب إلى تجارب رواد قصيدة التفعيلة التي دشنها الثالوث العراقي: السياب والملائكة والبياتي".

نال كمال خير بك دكتوراه في الأدب العربي عبر أطروحته"حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر"، تحت إشراف المستشرقِ الفرنسي الشهير "جاك بيرك"، واعتبرتها الناقدة السورية خالدة سعيد بعدما تم نشرها في مجلة شعر " مساهمة مهمة للمجلة ومنحتها زخماً حقيقياً".

صدر للشاعر عِدة دواوينٍ هي: "البركان"، "مظاهرات صاخبة للجنون"، "وداعًأ أيها الشعر"، "دفتر الغياب"، "الأنهار التي لا تتقن السباحة في البحر" وهو الديوان الذي نشر عام 2015 بعد أن جمعه عدد من أصدقاء خير بك.

من أشعاره

من قصيدة "رحلة": تعبت حروف قصائدي في لوعة الدرب الطويل.. تعدو وراء أحبتي ووراء حلمي المستحيل.

من قصيدة "الذاكرة": المجد لي؟ المجد للسجان.. للحشرات تعبث بي.. لشتائمٍ تنهال كالسحب المجدُ للجدران هازئةً مزروعةً بالرعبِ والغضب وعوالمي البيضاء غارقة.. المجد لي؟ المجد للسجان، للحشرات تعبث بالخيبة الرقطاء والعتب وعوالمي تنهار بين يدي تنهار مثل تساقط الشهب وأدور... أين أنا، وأين غد؟ عمرته بالماس و الذهب يا طول ما مجدت ثورتهم وحرقت في ظلمائهم غضبي يا طول ما غنى دمي لهم وتراكضت لعناقهم كتبي .. يا رب لو تغتال ذاكرتي كم كنت غرّاً، جاهلاً، وغبياً.

من قصيدة "زائر جميل": يجلد بابي سوط الجنون.. يجلد بابي.. أي إله يصرخ، يبكي.. خلف ثيابي؟ يجلد بابي، يلسع أوتاري الخرساء.. ويخلفني، عند ضفاف الرعب الأسود، طفلا يلعب أو حرباء. ها قد أقبل ملك الجن، فوق بساط الريح، يسرج خيل الفن، ينبش كل ضريح، يهتك سر الكلمة – سر الخطر الميت .. آه الكلمة.. جرذ يأكل خبز البيت.

من قصيدة "الأعمى": جثة الشمس على جفني.. وأقدام العبيد.. ويد تفصل عن عظمي لحمي.. آه، هل أولد في لحم جديد؟ قدمي تنبض أشباحا.. وأشعارا ذبيحه.. قدمي كهف خرافي الحجاره.. أجهضت فيه نعامات الحضاره. آه، اني أبصر الموت.. على أحداق شعبي كالتماسيح الجريحه.. آه .. في صدري غابات.. من الاصنام تجري.. ألف تاريخ حزين خلف صدري