المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

سلام إبراهيم: أغلب الجوائز العربية أنشئت لأغراض غير أدبية

 
   
12:13

http://anapress.net/a/112303224931790
49
مشاهدة


سلام إبراهيم: أغلب الجوائز العربية أنشئت لأغراض غير أدبية

حجم الخط:

الروائي العراقي سلام إبراهيم، من مواليد مدينة الديوانية بالعراق عام 1954، بدأ الكتابة القصصية في أوائل سبعينات القرن العشرين؛ فنشر أول قصة في صحيفة “التآخي” العراقية، ليواصل كتابته القصصية والنقدية في العديد من الدوريات العربية، ثم أصدر أول مجموعة له بعنوان “رؤيا اليقين” عام 1994، وواصل مشروعه الروائي بروايات بارزة هي “رؤيا الغائب” التي صدرت في العام 1996، و”الإرسي” عام 2008، و”الحياة لحظة” عام 2010، و”في باطن الجحيم” عام 2013، و”حياة ثقيلة” عام 2015، وأخيرًا رواية “إعدام رسام” التي صدرت مطلع العام الجاري 2016.

المسيرة التي مر بها سلام في حياته كان لها كبير الأثر على كتاباته، فكونه عضواً فاعلا في حزب ساهم منذ شبابه المبكر في النشاط

التجربة الروائية تتفتح قليلا قليلا مع تقدم العمر

السياسي الذي اعتقل على إثره أكثر من أربع مرات، والتحاقه بصفوف الثوار في كردستان عام 1982، جعله على احتكاك قويّ ومباشر مع الواقع السياسي والمجتمعي في العراق حتى اللحظة الراهنة؛ فبات يسطر بقلمه فجائع ذلك الواقع دون مواربة.

في روايته الأخيرة “إعدام رسام” مرحلة جديدة من الاشتباك مع أحداث ثمانينات القرن الماضي في العراق، حيث يبرز جرائم النظام في القمع والتنكيل، راصدًا من خلال روايته تجربة إعدام شقيقه الأصغر الفنان التشكيلي والطالب الجامعي، بشكل مشهدي يجعل القارئ حاضرًا وكأنه يشاهد وقائع الرواية.

حاورنا الروائي والقاص العراقي، للوقوف على أبرز ملامح تجربته الروائية وتطوّرها على مدار العقود الماضية، وانعكاس واقعه الخاص في أعماله الروائية، ومدى تأثير ذلك على بنية وجودة النص الأدبي، فضلًا عن قراءته للمشهد الثقافي في العراق وأوجه الخلل فيه.

بعد مسيرة طويلة في عالم الكتابة القصصية والروائية، يتحدث العراقي سلام إبراهيم عن الأبعاد الجديدة التي اكتسبتها تجربته قائلًا “التجربة الروائية تتفتح قليلا قليلا مع تقدم العمر. عشت حياة عنيفة في مجتمع موشوم بالعنف العائلي والمجتمعي وسلطاته المتعاقبة، ونشأت في عائلة وطنية ناضلت في العهد الملكي ضد الإنكليز والحكومات المتعاقبة وهواها يساري، فما إن نضجت حتى انغمرت في العمل السياسي المعارض حالمًا بمجتمع حر وشعب سعيد فاعتقلت أكثر من خمس مرات بين عامي 1970-1980 لأساق جنديا زمن الحرب العراقية الإيرانية، فهربت من الجبهات والتحقت بالثوار أنا وزوجتي تاركاً ابني الصغير ذي الـ3 سنوات عام 1982 لأصاب بقصف كيميائي مرت ذكراه الـ29 قبل عدة أيام، لأتشرد لاحقا في معسكرات اللجوء التركية، ثم الإيرانية، لأصل إلى الدنمارك في سنة 1992 معلولا بعجز في الرئة هو 60 بالمئة ومختلف أمراض الحساسية بسبب الإصابة، هنا تفرغت تمامًا، ولديّ كل هذا الخزين من التجربة”.

 

منذ أوائل السبعينات لم ينقطع عن الكتابة.. وقدّم أعمالًا أدبية حققت انتشارًا

يستطرد إبراهيم “لا بد من الإشارة بأنني ومنذ أوائل سبعينات القرن الماضي لم أنقطع عن كتابة القصص والمحاولات الروائية. هنا أتاح لي الاستقرار تأمل التجربة لتتوالى قصصي ورواياتي، وأغلبها تشكلت من سيرتي الذاتية التي وظفتها بالخيال والكلمات في نص حسب ثيمة العمل وأغراضه مركزا على المشترك الإنساني في التجربة والشخصيات، ومحاولًا عبر نصوصي كلها البحث عن أسباب الخراب المجتمعي والقسوة والقمع والحروب ومدى آثارها على الإنسان مصوراً تجارب حية، فالعشرات من الجنود ماتوا حولي في جبهة الحرب مع إيران، والعشرات من الثوار ماتوا حولي في تجربة الجبل بشمال العراق، دفنت بعضهم بيدي، ورأيت أهوالاً في الزنازين وقتلوا أعزّ أحبابي في ظلمتها أخي الصغير الرسام كفاح إبراهيم مثلا”.

وعن الآفاق الجديدة التي يتطلع للكتابة عنها مستقبلًا يقول “ما أتطلع له مستقبلا يتلخص في محاولة فهم ذاتي كوجود؛ كيف نشأت وتبلورت في بيئة كتبت عنها هذه الروايات والقصص تحرز كل هذا العنف والموت لإنسانها العراقي الطيب الذي يموت كل يوم إلى هذه اللحظة، فمشغول هذه الأيام بكتابة رواية أرصد فيها علاقتي بأمي وأبي ‘العائلة’ ثم ‘المدرسة’ فالدولة متتبعاً ذلك العنف المتغلغل في كل ناحية وموقع من خلال تفاصيل صغيرة لكنها تشير إلى تركيبة وتقاليد وسلوك تخلق العنف في الشخصية العراقية منذ الطفولة”.

وفيما يتعلق بالكتابة عن الواقع الراهن يوضح إبراهيم “الواقع العراقي الحالي هو نتيجة تراكم تاريخي سياسي اجتماعي اقتصادي، كل ما كتبته يؤرخ بهذا الشكل أو ذاك الأحداث المفصلية التي مرت بالعراق، من خلال تتبع ماضي الشخصيات إذ أن أغلب شخصيات رواياتي شخصيات فاعلة مجتمعياً أي غير ساكنة سياسيا تسعى لتغيير المجتمع في ظل سلطات عسكرية دكتاتورية أشعلت حروبا مستمرة، فروايتي قبل الأخيرة ‘حياة ثقيلة’ تناولت ما جرى للعراق عقب الاحتلال في 2003 من خلال ثلاث شخصيات، هم أصدقاء لي، يقوم الراوي الذي عاد من المنفى بالبحث عنهم وعن مصائرهم، الأول يجده متحولا من شيوعي إلى متديّن يعمل في حزب شيعي سلفي، والآخر اختفت آثاره كان معه بالثورة في الجبل، والآخر يعثر عليه حياً لكنه يحاصر إذ تتحول عائلته من اليسار إلى التديّن، وتختطف ابنته طالبة الهندسة لتضيع تماما في الاحتراب الطائفي أعوام 2005-2006، فينتحر بالخمر، هذا النص ومن خلال تتبع حياة الشخصيات الثلاثة التراجيدية يرصد التاريخ العراقي وتحولاته منذ نهاية ستينات القرن الماضي حتى 2012 راسماً أو عارضاً الثيمة الجوهرية التي وسمت وتسم المجتمع العراقي وهي الموت، فالأول تغتاله الميليشيات وهو في مكتبته في حي من أحياء بغداد، والثاني يضيع في حملة الأنفال 1988 إلى الأبد، والثالث يموت كمدا فرط الإدمان والكآبة”.

يتابع “هل تختمر التجارب أو نكتبها فوراً؟ تجربتي تقول إنني أكتب دائماً عن أحداث مرّ عليها أكثر من عشرين عاما، لكن الكاتب العارف والمثقف يستطيع الكتابة عن أحداث الراهن في علاقتها بالماضي”.

وبسؤاله عن سبب حرصه على عنصر “التراجيديا السوداء” في الكثير من أعماله ومنها روايته الأخيرة “إعدام رسام” يجيب إبراهيم “لو راجعنا الأدب العالمي والرواية بأبرز نماذجها، سنجد أن غالبية الكتاب الإنسانيين عمدوا إلى تصوير الواقع التراجيدي لمجتمعاتهم وصوروا عذاب الإنسان فيه وتجاربه المرة والحلوة مثل دستويفسكي، تولستوي، همنغواي، ماركيز. كما أن المتمعن في الحياة بعمق والدارس والمثقف العضوي سيقع دوما على طبيعة العسف لا عدالة المجتمعات وعذاب إنسانه، أما الروائي الحقيقي المعنيّ بالحقيقة والإنسان فسوف تتكشف له هول المجتمع وعسفه على الإنسان حتى في مجتمعات يُظن أنها حققت شيئا من العدالة، فكيف بمجتمع كالمجتمع العراقي الذي مزقته الحروب وسلطات القمع، مضاف إلى طبيعته القاسية المعقدة التي قلت لك إني أشتغل على بنيتها في عملي الجديد، وتناولتها بهذا الشكل أو ذاك في كلّ قصصي ورواياتي”.

ويستطرد قائلا ” رواية ‘إعدام رسام’ هي تراجيديا عن أخي الذي يصغرني بثلاثة أعوام نشأنا وكبرنا معا في غرفة واحدة، كان رساما ومثقفا وطالبا في كلية الهندسة عندما اختفت أثاره عام 1980، ليبلغ والدي عن إعدامه شفويا عام 1983، ولم نعثر على جثته في المقابر الجماعية، الرواية تخييل لمشهد إعدامه في قسمها الأول، ولتاريخ علاقتنا وتخييل لزيارته في ظلمات الزنازين في قسمها الثاني، والثالث مشهد الدفن وتخييل لرؤيته قبيل الدفن. حاولت من خلال هذا النص عرض فداحة فقد الآخ قتلاً وهوله، هذا الحدث الذي أصبح يوميا ولا يثير الكثير من الأحاسيس في المجتمع العراقي حيث يلاحق الفرد الموت في المقهى في بيته في المدرسة في الشارع وبكل مدن العراق. ‘إعدام رسام’ محاولة لكسر جمود الأرواح التي تجلدت وعادت لا تكترث حتى للموت”.

وفيما يتعلق بالأفق الذاتي البادي جليًا في أعماله، وما إن كان يرى صدق الإبداع مرتهنًا بشكل أو بآخر بذاتية كاتبه يقول الروائي العراقي “لا بد أن أذكر أنّ أجمل وأعظم الروايات انطوت على سيرة كتّابها بهذا الشكل أو ذاك، وحياة مثل حياتي، فما أنا إلا ناجٍ من ميتات لا تعد، لا أعتقد أن عمري يكفي لكتابة تجاربي، الجوهري بالأمر هو ليس كتابة السيرة والصدق، لكن الأداء الفني وصياغة التجارب والانتقاء منها ما هو مشترك إنساني ذو دلالة تعرض قيمة جديدة، وجمال النص بنية ولغة وثيمة. هذا الجوهري، وهذا ما سعيت إليه، وتكاد كل التجارب أو بأدق أغلبها مرت بي أو عشتها، أو أعرف صاحبها وراويها كما أعرف نفسي”.

وعن تأثير الخوض في قضايا سياسية على جمالية العمل الروائي يلفت إبراهيم إلى أن السياسة لا تحدّ من جمالية النص الروائي، فكل رواياته شخصياتها سياسية، يسارية وشيوعية تخوض غمار حياتها الشاقة في مجتمع مضطرب، والإشكالية ليست في السياسة، فالسياسي إنسان فعال في الحياة يتوق لهدف وهو الأصلح لنص روائي من شخصية محدودة لا حلم لها، لكن الكيفية التي يتناول فيها الكاتب الشخصية هي تحدد مدى جمالية النص ورقيّه أو السقوط في المباشرة والشعاراتية من خلال تعتيم الإنسان في تكوين السياسي وتصويره كائنا أسطوريا يفتقد حتى مشاعر الألم ساعة الموت كما يفعل الكتاب الأيديولوجيون.

ويتابع قائلا “ذكرت صورة شخصية الشيوعي كما هو إنسان يحزن وينكسر ويفرح ويرتكب حماقة، يكون في موقف شريفا وفي أخرى سافلاً، ولكل هذه الأسباب أزعجت رواياتي الوسط الثقافي للحزب الشيوعي العراقي. حتى أن روايتي ‘الحياة لحظة’ أصدروا بها قرارا بعدم الكتابة عنها في صفحاتهم لا سلباً ولا إيجاباً رغم أنها تناقش وتصور تجربة مناضليهم وفعلا لم ينشر عنها شيء أبدًا في صحفهم، بينما كتب عنها الكثير في الصحافة العراقية والعربية.

انتقالًا للحديث عن المشهد الثقافي في العراق يقول ضيفنا “مجتمع العراقيين مجتمع يتمزق منذ أكثر من ستة وثلاثين عاماً، فمنذ إعلان الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980 وإلى حد الآن لم يتوقف القتل، وهو الآن في شبه حرب أهلية، يساق فيها شباب بعمر الورد ليموتوا في قتالٍ لا هدف منه سوى تمزيق البلاد والحط من العراقي، لا دور سينما، لا مسرح، الأمية متفشية، المدارس تنحسر ببناياتها البائسة وعددها، الرشوة، الفساد، الغش، المرأة أكثر من يتحمل وزر التخلف قيما وأعرافاً، وضع مأساوي صورت جانبا منه مع جيل من الكتّاب، ورغم كل هذا التمزق والخراب يظهر جيل من الكتاب الجدد وتصدر المزيد من الروايات في الخارج وفي العراق”.

ويتابع “لكن الثقافة في العراق في ظل هذه السلطات السياسية محتقرة مهمشة ورجال الدين يقودون المجتمع إلى خرابه، وكما قلت عزاؤنا أن هنالك من يصور ما يجرى روائيا”.

وبالحديث عن الجوائز العربية، وعلى رأسها جائزة البوكر، يشير سلام إلى أنه في كل عام يتابع الأعمال التي تظهر في القائمة الطويلة والقصيرة فيجدها متواضعة ذات طبيعة مواضيع متشابهة، باهتة مكررة فيها صناعة وصناعة رديئة لغةً وبنيةً، مضيفًا أنها تشد الانتباه إلى نماذج متواضعة المستوى وخطورة ذلك يتجسد في انجذاب الأجيال الجديدة من قرّاء العربية ومشاريع كتابها الشباب إلى اعتبار هذا النمط من الكتابة والروايات النماذج التي يحتذى بها، ومن هنا قمت هذا العام بتحليل روايتين من روايات القائمة القصيرة تحليلا دقيقا لتبيان مستواها بنية ولغة وثيمة وعلاقتها بالفن الروائي والجمال. وعازم على تناول الأربعة المتبقية كي يتعرف جيل القراء والكتاب الشباب على طبيعة هذه النصوص ومستواها الحقيقي”.                    

"بالتعاون مع العرب اللندنية"