المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

"أبو الولدين".. قصة كفاح سورية على أرض مصرية

 
   
10:33

http://anapress.net/a/774128296599712
792
مشاهدة


"أبو الولدين".. قصة كفاح سورية على أرض مصرية
حضور واسع للسوريين في مصر- أرشيفية

حجم الخط:

في أحد أرقى أحياء العاصمة المصرية، وبينما تنتشر على جانبي الطرق هناك أكبر المحال التجارية وأشهرها، سواء متاجر الملابس أو الإكسسوارات والأحذية، وكذا المطاعم و"الكافيهات" الشهيرة، ثمة باعة يفترشون بعض الأرصفة وفي الحواري والردهات الجانبية، وبسطات لبيع بعض الكماليات والمناديل وحتى الصحف، هناك يقف (أ.م) وهو رجل سوري في الأربعينات من عمره، عارضًا بعض الحلوى والمعجنات السورية التي يُقدّمها على سيارته الخاصة في منطقة مصر الجديدة الراقية.

ذلك اللاجئ السوري الذي أتى إلى مصر منذ أربع سنوات تقريبًا بعد أن ضاقت به الحياة في بلده على وقع الحرب وتفاقم المعاناة، يقف ببسطته وبساطته يبيع شتى أنواع المعجنات السورية والحلوى المغلفة والمجهزة إلى المارّة، رفقة ولديه اللذين يدرسان صباحًا ويعملان معه في المساء.

لفت الرجل الأنظار إليه بهدوئه وصمته المعتاد، وبولديه اللذين يعملان معه بتفانٍ واضح، هما يرفضان أية "مساعدة" وما إن مدَّ أحد المارة يده معطيًا لهم "حَسنة" بنوعٍ من الشفقة ظنًا منه أنهما يقبلان ذلك رفقة والدهما الواقف أمام السيارة إلى جوار "البضاعة" بينما هما يتجولان بعيّنات منها، سريعًا ما يرفضان، ويخبراه بأنهما يعملان لكسب الرزق، وليسا صاحبي حاجة أو حسنة.

 سألت الطفل الأول: "هل أنت فلان؟" فأجاب "نعم"، مازحته قائلًا: "أنت مشهور أوي (جدًا).. وصورتك موجودة على الانترنت" فابتسم، قبل أن يأتي أخوه ويشاركنا الحديث حول تلك الشهرة التي حققاها عبر السوشيال ميديا
 

هذا المشهد استنفر إحدى المصريات اللاتي يترددن على المنطقة، فأقدمت على تصوير الطفلين، ونشرت الصورة عبر السوشيال ميديا، وطالبت من المستخدمين الشراء من تلك الأسرة المكافحة ودعمهما، ليس فقط لأنهم يضربوا نموذجًا في الكد والعمل ولكن أيضًا لأن مذاق ما يقدمونه من حلوى ومعجنات طيب للغاية.

صورة

الصورة التي انتشرت كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دفعتني إلى زيارة تلك العائلة الصغيرة في مكان العمل المُشار إليه في التدوينة المتداولة. كنت أعتقد بأن البحث عنهم في مكانٍ حيوي كهذا مُهمة صعبة للغاية، كالباحث عن "إبرة في كوم قش" كما يقول المثل المصري الشهير، لكنّ بمجرد أن وصلت إلى المكان خطفتني تلك اللوحة التي يرسمها طفلان سوريان يتجولان على رصيف طويل مُمتد بتلك المنطقة، ذهابًا وإيابًا، يعرضا ما لديهما من أطباق مُغلفة على المارة، منهم من يشتري ومنهم من يرفض، دونما أية مضايقات.

سألت الطفل الأول: "هل أنت فلان؟" فأجاب "نعم"، مازحته قائلًا: "أنت مشهور أوي (جدًا).. وصورتك موجودة على الانترنت" فابتسم، قبل أن يأتي أخوه ويشاركنا الحديث حول تلك الشهرة التي حققاها عبر السوشيال ميديا بعد تداولها صورهما، طلبت منهما التعرف إلى والدهما، فأشار إليه حيث يقف فارشًا معروضاته المُغلفة على سيارته.

رجلٌ أربعيني تقريبًا، قليل الكلام وهادئ الطباع، يقابلك بابتسامة ووجه بشوش جدًا. عرفت منه أنه كان مالكًا لشركة كبرى تعمل في مجال التوريدات، وله بصماته في أشهر المنشآت في سوريا، وكان يشارك في مشروعات حكومية كبيرة بالتوريد، واسمه معروف بالنسبة للكثيرين، لكنّ مع تنامي الأزمة في سوريا لم يجد أمامه بدًا سوى المجيء إلى مصر ناشدًا أمن وسلامة عائلته، حتى ضاق به الحال، بعد أن غادر سوريا تاركًا هناك كل شيء، فاضطر إلى أن يعمل في تصنيع الحلوى والمعجنات ويبيعها، "هو عمل شريف بلا شك ولا أخجل منه". (اقرأ/ي أيضًا: طريقتان لدخول مصر.. تعرف (ي) إليهما).

عمل

كل يوم ما بين الخامسة والسادسة مساءً وبعدما يعود ولديه من المدرسة ويستريحان قليلًا، يذهب الثلاثي إلى عملهم في مصر الجديدة، يطقعوا طريقًا نحو ساعة تقريبًا ما بين المنزل ومكان عملهم.

اللافت في قصة "أبو الولدين" أنه بعد أن كان صاحب شركة يملأ الدنيا حضورًا في سوريا، ضاق به الحال إلى هكذا عمل، هو يشعر بالضيق، لكنه يعتقد بأن ذلك أفضل كثيرًا من أن يكون عالة على أحد، أو أن يمد يده. وبالتالي يرفض التصوير، ويرفض حتى الإشارة لاسمه، حتى لا يتشفى فيه أي من معارفه السابقين داخل سوريا عندما يعود ليبدأ حياته من جديد عله يجد فرصة في مشروعات إعادة الإعمار. أو حتى لا يتعرض لأي إحراج عندما يعود. (اقرأ/ي أيضًا: بالأرقام.. بصمات السوريين في الاقتصاد المصري).

حكى لي والد الطفلين كيف أن صديقًا له قبيل أيام قليلة لازال موجودًا داخل سوريا، كان يحدثه عبر أحد تطبيقات التراسل الفوري عبر الهاتف رفقة صديق آخر لهما، وكان يُصور الشارع الذي كان يقيموا فيه، ويسأله (أي منزل من هذين المنزلين كان منزلك)، ويُظهر الفيديو كل المنازل بالشارع مُدمرة تمامًا.  مشاهد أليمة زادت حسرته على ما آلت إليه أموره وأوضاعه.

تعرض والد الطفلين لشائعات جمّة جعلته رافض للظهور في الإعلام، ذلك أن بعض الناس –فور أن انتشرت صور طفليه- زعموا أنه حصل على مساعدات من الحكومة المصرية وأنه تم توفير "عربية خاصة لبيع الحلوى" له، وأنه قام ببيعها. وهي الشائعات التي نفاها تمامًا، ويرفض بناءً عليها التصوير والظهور في الإعلام مجددًا بعد انتشار صور طفليه وما صاحب ذلك من شائعات على رغم تعليقات الإشادة والثناء والدعم التي وصلته على تلك الصور. (اقرأ/ي أيضًا: مصرية تُحاول تشويه سوريًا.. وأهالي بلدتها يلقنونها درسًا: حرب تجارية!).

الطفلان ووالدهما نموذج آخر من نماذج الكد والعمل، ورفض الاتكالية والاعتماد على الآخرين في بلد المغترب. رسالة يكتبوها بمداد الألم والوجع والشوق لرؤية سوريا كما كانت.

اقرأ/ي أيضًا: 

حوار: اللاجئون السوريون في مصر "تحدي وتكافل ونجاح مُبهر"

 بالصور.. تدوينة "تفيض بالكراهية" ضد السوريين في مصر تثير جدلاً عبر السوشيال ميديا

 

*لم ننشر الصور أو أسماء أبطال القصة بناءً على طلب صاحبها. 




كلمات مفتاحية