http://anapress.net/a/315568027726654
لا أذيع سرّاً عندما أقول إنّ قرار الحلّ السياسي في سوريا قد اتّخد من قبل الدول المضطلعة في الأحداث السوريّة، وأنّ الخطوات التنفيذيّة لهذا الحل قد بدأت، فبعد أسابيع قليلة وربّما أيّام، سيعلن ديمستورا أسماء اللجنة الدستوريّة بعد أن أجبر الروس نظام الأسد على إرسال أسماء المرشحين للجنة الدستوريّة، خلال اللقاء الذي جمع الأسد ببوتين في مدينة سوتشي في 17 آيار/مايو الجاري، وهذا ماتمّ بالفعل.
إنّ ماجرى في الفترة السابقة من عمليّات تهجير سكّاني وتفكيك لبعض الفصائل المتصلّبة في مواقفها، كان يصب –من وجهة نظر الدول- في مصلحة الحل السياسي، فبداية الحل تنطلق من لجنة مناقشة الدستور وتنتهي بانتخابات تحت إشراف الأمم المتّحدة في عام 2021، وبدء عمل لجنة مناقشة الدستور لن تتمّ إلا بالتزامن مع وقف شامل لإطلاق النار، وهنا كان الخيار أن تخضع سوريا لثلاث مناطق نفوذ، سوريا الشرقيّة مع كامل الحدود مع العراق تحت النفوذ الأمريكي، وسوريا الغربيّة تحت النفوذ الروسي بعد إخراج إيران أو تقليص دورها إلى أقصى حدّ ممكن، ويكون نهر الفرات فاصلاً جغرافياً بينهما، والشريط الحدودي الشمالي تحت النفوذ التركي، بحيث تضمن كلّ دولة وقفاً شاملاً لإطلاق النار وعدم التعدّي على مناطق نفوذ الدولة الأخرى.
مبدئيّاً ستكون مناقشة الدستور في جنيف، لكن خارج إطار الهيئة العليا للمفاوضات، وسيختار ديمستورا ستّة عشر شخصاً من النظام ومثلهم من المعارضة، ومثلهم أيضاً من الشخصيّات التي تراها الأمم المتّحدة حياديّة.
إذا اعتبرنا أنّ أعضاء اللجنة الدستورية للنظام تمّ اختيارهم من قبل المخابرات السوريّة، فبالتالي هم ليسو موضع نقاش، والمهمّ هو الحديث عن أعضاء اللجنة الدستوريّة من جانب المعارضة، فرفض الهيئة العليا للمفاوضات السوريّة، والتي انبثقت عن مؤتمر الرياض2، أن يكون لها نصف مقاعد اللجنة الدستوريّة من حصّة المعارضة، وإصرارهم على أن تكون كامل المقاعد من نصيبهم، ثمّ إعلانهم مقاطعة مؤتمر سوتشي للحوار السوري السوري انطلاقاً من هذا الهدف، أثار غضب الدولة الضامنة للمعارضة السوريّة، والدول الراعية للحل السياسي، وقلّص الفرصة أمامهم في أن يكون لهم أي مقعد في اللجنة الدستوريّة، أو في أحسن الظروف سيتمّ إرضاؤهم بمقعدين من أصل 16 مقعداً، وبكلّ الأحوال فإنّ المعارضة الآن تمتلك الثلث المعطّل في هذه اللجنة، وبالتالي إن لم تستطع فرض ماتريد، فبالتأكيد قادرة على رفض ما لاتريد.
وأما الشخصيّات التي ستختارها الأمم المتّحدة على أنّها حياديّة، فيبدو أنّها ستكون الأكثر صعوبة أمام المبعوث الأممي إلى سوريا "ستيفان ديمستورا" فالمعارضة وضعت "فيتو" على بعض الشخصيّات باعتبارها مقرّبة من النظام، والنظام أيضا وضع "فيتو" على ثلاث شخصيّات بالرغم من أنّها مقرّبة منه، إلا أنّه يخشى من عدم إمكانيّة تطويعهم فيما يريد، وهنا أتحدّث عن "سالم دلّة" و "عبّود السرّاج" و "ابراهيم دراجي" وثلاثتهم حاصلون على الدكتوراه في القانون، ويميلون إلى صفّ النظام، لكن يبدو أنّ الأسد لايثق إلا بمخابراته وأجهزته الأمنيّة.
يبدو أنّ الدول المضطلعة بالشأن السوري –إذا استثنينا إيران- قد اتّفقت على الكثير من الأمور الجوهريّة، كأن تكون سوريا دولة رئاسيّة لا برلمانيّة، وتكون فيدراليّة أو على الأقل لامركزيّة إداريّة، وأيضاً القبول بالتنظيمات والأحزاب الخلافيّة إن فكّت ارتباطها بالتنظيم الأعلى وآثرت عدم الاحتفاظ بالقوّات العسكريّة، وهنا أعني PYD وجبهة النصرة، وهذا مايفسّر ظهور "يوسف الهجر" أحد كبار شرعيي هيئة تحرير الشام في لقاء على موقع "الجزيرة نت"، تحت مسمى "رئيس المكتب السياسي لهيئة تحرير الشام".
ممّا لا شكّ فيه أنّ الاتّفاق على شكل الحل السياسي في سوريا قد تبلور، وستمضي الدول الراعية له في تحقيقه تحت أيّ ظرف وبأي ثمن، وإن لم تدرك الفصائل المتصلّبة ما لم تدركه كبرى القوى العسكرية سابقاً كجيش الإسلام وفيلق الرحمن في الغوطة الشرقية، وجيش التوحيد في حمص، فإنّها ستكون في مأزق كبير، فالتخلي عن الضامن التركي لايصبّ إلاّ في مصلحة الأسد والروس، وإن كان هذا الضامن له مصلحة في حماية أمنه القومي، إلاّ أنّ للمعارضة السوريّة مصالح كبيرة تتقاطع معه، وإن لم تع الفصائل المتبقّية ذلك، وتقبل بالحل السياسي إنطلاقاً من عمليّة التغييرات الدستوريّة –إصلاحاً كان أو تغييراً- وصولاً إلى انتخابات -ليس لبشار الأسد نصيب فيها- أعتقد أنّها ستكون في مأزق كبير.