المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

مطاع صفدي.. الثائر المحترف

 
   
11:00

http://anapress.net/a/236104396205177
1103
مشاهدة



حجم الخط:

مطاع صفدي

عقود ستة قضاها المفكر والأديب السوري الراحل مطاع صفدي في تتبع أزمات الواقع العربي محملًا بهموم وقلق فلسفي لم يفارقه سوى برحيله في حزيران من عام 2016.  بحث صفدي طوال سنوات عمره  إشكالية النهضة العربية ومقاربتها بظروف الواقع من جهة وبالتجربة العالمية من جهة أخرى.

ولد المفكر السوري مطاع صفدي عام 1929، بدأ مساره الفكري والثقافي منذ خمسينات القرن الماضي عبر بوابة الأدب، التي قدم من خلالها أعمالًا روائية بارزة هي "ثائر محترف" و"الآكلون لحقوقهم" و"جيل القدر". ثم جذبته عوالم الدراسات الفلسفية التي بدأها متأثرًا بالنزعة الوجودية القومية ثم تحوّل لاحقًا لفلسفة ما بعد الحداثة.

ليُقدّم عبر عقود عصارة فكرية لمؤلفات فكرية بارزة منها " نقد العقل الغربي- الحداثة ما بعد الحداثة"، "فلسفة القلق"، "الثورة في التجربة"، "استراتيجية التسمية في نظام الأنظمة المعرفية"، بالإضافة لترجمات لمؤلفات هامة منها ترجمته اكتاب "الحب والحضارة" لهربرت ماركوز و"استعمال اللذات- تاريخ الجنسانية" لميشيل فوكو. هذا فضلًا عن تأسيسه لمركز "الإنماء القومي" ورئاسة تحرير مجلة "الفكر العربي المعاصر".

 

حزب البعث

انضم صفدي إلى حزب البعث وقت نشأته في الأربعينات،  غادر سوريا بعد ذلك بأربع سنوات إلى بيروت وانضم لحزب البعث العراقي، إلا أنه تخلى عن النشاط الحزبي فيما بعد وكتب مؤلفًا في نقد الحزب الذي انضم له لسنوات وهو "حزب البعث.. مأساة المولد مأساة النهاية".

هذا الكتاب الذي جاء في تقديمه "يتضمن هذا الكتاب التاريخ الذاتي لحزب البعث كما عاشه من الداخل الكاتب نفسه الذي كان أحد مفكريه و قادته، ولقد شهد الكاتب على نفسه وجيله، عندما حلل تناقضات حزب البعث، و كشف عن العقد المزمنة التي حكمت تصرفات قادته، حتى أودت بالحزب إلى انحلاله الأخير عن أهدافه القومية، وجعلت منه تجسيداً رهيباً للثورة المضادة، فجاء هذا الكتاب شهادة خطيرة يؤديها الكاتب. شهادة تكشف لأول مرة عن أمراض الحزب الفكرية و التنظيمية و عن تناقضات قادته في المنعطفات الخطيرة من تاريخ الوحدة و الانفصال. إن هذا الكتاب وثيقة موضوعية و شهادة قومية انسانية تعري البعث من صميمه و تضع قضاياه و انحرافاته أمام الرأي العام العربي الثوري".

الأزمة السورية

المفكر السوري الذي لم ينقطع عن الكتابة ومقاربة الأزمات العربية حتى وافته المنية، ساند الثورة السورية وكان داعمًا لحق الشعب الثوري، واعتبر، في حوار أجري معه بعد عام من قيام الثورات العربية، أن الثورة السورية من أكبر أزمات الربيع العربي، "هي أزمة لذاتها وأزمة أمام التحولات التاريخية الراهنة، إذ إن التعقيدات التي دخلت فيها، هي من التنوع ومن التراكم، بحيث أصبح لكل دخيل طريقه للوصول الى تخريبها من داخلها. المشكلة في هذه الثورة أنها بقدر ما هي سلمية على صعيد قواعدها الشعبية بقدر ما تصبح قابلة للتحريف والتوظيف من القوى الأخرى التي تدعي أنها قائدة لها، وكل هذه الاجراءات التي نسمع عنها دائماً تحاول أن تغطي على واقع الثورة الحقيقي".

ورأى صفدي أن الثورة الحقيقية في سورية هي ثورة أصيلة وصادقة مع ذاتها، لكن "ثمة محاولات لتوظيفها من الخارج وحتى من الداخل، من هنا هذا التعقيد على مستوى التداخل الدولي والعربي، الذي يريد أن تصل الثورة الى أهداف أخرى ليست أهدافها. الخطر على الثورة السورية آتٍ من المجتمع الدولي الذي يديرها بطريقته الخاصة، وما زالت هي ممتنعة على التكيف مع اليد التي تريد أن تقبض عليها. نحن نراهن على هذه الثورة العنيدة والصامدة في وجه أعنف نظام استبدادي عرفه تاريخ الاستبداد، ليس العربي وحده بل العالمي، وهذا الصمود هو الذي سيمنع أي توظيف دولي لها.  لثورة في حد ذاتها ليست طائفية وليس هناك فئة في سورية إلاّ ومتضررة من هذا النظام الاستبدادي، باستثناء الجماعات التي تقبع في قمة الهرم. 

الغالبية الساحقة مع الثورة وقد حاول النظام إثارة الطائفية عبر عمليات قيصرية بهدف استرداد قلعته الطائفية، ولكن ثبت أن وعي الثوار كان أقوى من هذه العمليات، فهم يعتبرون أن شعبهم واحد وأن قضيتهم واحدة. على الهامش الثورة تحدث بعض الافخاخ الطائفية سواء مع الكتلة السنية الساحقة أو الفئات العلوية الاخرى. هناك أفخاخ تركب ويُشتغل عليها من أجل تحويل هذه الحوادث الجزئية الى حوادث كلية بغية قلب الأمور من ثورة شعبية كاملة الى ثورة تأكل الأخضر واليابس بالنسبة لبعضها البعض، ولمكوناتها المجتمعية المختلفة. الفخ الطائفي هو أشنع فخ يمكن ان تسقط فيه أي ثورة وأملنا أن شبابنا تخطوا العقبات التي حاولت أن تسقط ثورتهم".

سؤال النهضة

آمن صفدي بأن سؤال عصر النهضة لم تأت أي إجابات عليه، وفي مقال له أوضح أنه "بدءًا من رواده أنفسهم الذين أعلنوه (وخاصة شكيب أرسلان في كتابه المعروف: لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم!)، باكتشافات فكرية أو بنيوية واقعية إلا من خلال سيطرة لثنائية جديدة، ذات رنة بلاغية. وهي الأصالة والحداثة، وتناظر ثنائية الذات والآخر. فتغدو الذات محلاً مرجعياً للأصالة، ويظل الآخر مالكاً حصرياً للحداثة، وموزّعاً لحِصَصٍ منها على بقية العالم. وبذلك فات الوعيَ النهضويّ، في مختلف حقباته. طرْحُ إشكالية الحداثة من أصولها الوجودية (الأنطولوجية)، تحت وطأة طغيان التقييم المعياري الذي يمارسه الفرز الاحتكاري لمصطلحيْ الأصالة والحداثة؛ وذلك كلما لاحت في منعطفات الحدث التاريخي، ملامحُ موضوعية لثقافة التأسيس في المختلف وضرورتها المطلقة الحيوية بالنسبة لتحولات المصير العام، كما تَتَبيّنه النّخبُ الفكرية، من أزمة كارثية إلى أخرى.

فكيف يمكن الكلام عن الحداثة بدون عقل حداثوي، يكتفي بوظيفة التقاط أقانيم وطقوس وشعارات تتداول أشباه الأفاهيم الشائعة عن التقدم والتغيير، دون أن يكون العقل هو نفسه مُنْتجَ الأفكار التي تغيره، قبل أن يكون متلقياً لأفكار سواه".

وتابع: الواضح إن إشكالية الحداثة، ترجع أساساً إلى اشكالية العقل التي لم تطرح لدى مفكري النهضة عامة إلا من خلال ما ينبغي تبنيّه سواء من الأفكار أو المذاهب وصولاً إلى الأيديولوجيات وعصرها، أو ما لا ينبغي الأخذ به. لم يجرِ التنبّه إلى المبدأ القائل أن العقل الحداثوي هو ما ينبغي أن يكون أولاً موضوعَ استفهامه البدئي لذاته عبر مختلف إنتاجاته. فقد اقتصر التعامل مع العقل بصورة عامة، وليس الموصوف بالحداثوي بَعدُ، كما لو كان جهازَ اختيارٍ وانتقاد للأفكار الجاهزة التي يلتقطها من لدن متحفيْن أحدهما لبضائع الغرب، والآخر لمأثورات التراث