المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

جورج طرابيشي.. تحرير العقل العربي من براثن التراث

 
   
15:37

http://anapress.net/a/112750608719080
772
مشاهدة



حجم الخط:

"إن الجيل الذي أنتمي إليه، عاش وعشنا معه قطيعة كاملة مع التراث. لقد اتجه تفكيرنا واتجه بنياننا الذهني كله إلى الأيديولوجيات الغربية الحديثة التي تحولت كلها على أيدينا إلى كتب مقدسة سواء كانت ماركسية أو قومية أو اشتراكية أو وحدوية. عشنا قطيعة تامة مع تراث كنا ننظر إليه على أنه ليس أكثر من كتب صفراء. بعد ذلك أمام فشل مشروعنا التحديثي وخيبته، إزاء فشل "ثورتنا" التي لم تنجح إلا في إحراقنا وإحراق نفسها، ثم أمام السقوط المدوي للأيديولوجيات، حدث تبدل أساسي، خصوصاً إن ذلك كله تلا هزيمة العام 1967، ثم امتداد أفكار التطرف والعنف، باسم الإسلام".

تلك الكلمات التي قالها المفكر السوري الراحل جورج طرابيشي تمثل جزءًا واسعًا من همه الفكري الذي اشتغل عليه حتى وافته المنية في العام 2016، بعد أن قدَّم مشروعًا فكريًا رائدًا في نقد العقل والتراث العربيين.

ولد المفكر السوري جورج طرابيشي في مدينة حلب عام 1939، حصل على الليسانس في اللغة العربية، ثم الماجستير في التربية من جامعة دمشق. وتولى عددًا من المناصب منها عمله كمدير لإذاعة دمشق من 1963حتى 1964، ثم كرئيس تحرير لمجلة دراسات عربية في الفترة من 1972حتى 1984، كما عمل محرراً في مجلة الوحدة في الفترة من 1984حتى 1989.

انتقل طرابيشي من سوريا إلى لبنان حتى استقر في فرنسا بعد قيام الحرب الأهلية في لبنان، وهناك تفرغ لمشروعه الفكري في نقد الأدب والترجمة والنقد الفكري والفلسفي، كما قام بترجمة كتب عالم النفس الشهير سيمغوند فرويد إلى العربية  فيما يزيد عن 30 كتاباً، إذ بلغت ترجماته ما يزيد عن 200 كتاب في حقول مختلفة، وفي مجال الفكر أثرى طرابيشي المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات الهامة مثل "معجم الفلاسفة" و"من النهضة إلى الردة" و"هرطقات 1 و2 " ومشروعه الضخم في "نقد نقد العقل العربي".

مرَّ طرابيشي بالعديد من المحطات في مساره الفكري؛ فبينما بدأ بالفكر القومي والثوري ثم الوجودية والماركسية، انتهى إلى تبني نزعة نقدية جذرية في الوضعية العربية الراهنة التي رأى أنها يتجاذبها قطبان: الرؤية المؤمثلة للماضي والرؤية المؤدلجة للحاضر.

مؤلفاته

في كتابه "شرق وغرب- أنوثة ورجولة" يقول طرابيشي "في مجتمع أبوي شرقي، متخلف متأخر، مشحون حتى النخاع بأيديولوجيا طهرانية، متزمتة حنبلية، تغدو مفهوم الرجولة والأنوثة مفهوماً موجهاً لا للعلاقات بين الرجل والمرأة فحسب، بل أيضاً للعلاقات بين الإنسان والعالم. بمعنى آخر تفترض الأيديولوجية الأبوية إن الإنسان هو المبدأ المذكر في العالم الذي هو المبدأ المؤنث.بما أن علاقات الرجل بالمرأة في ظل الحضارة الأبوية كانت منذ ألوف السنين وما تزال علاقات سيطرة واضطهاد، فإنها تنسحب على علاقة الإنسان بالعالم".

 

 العلمانية هي الحل لخروج العالم العربي الإسلامي من حالة التردي التي يعيشها

وفي كتابه "هرطقات" يتعرض طرابيشي لمناقشة عدد من القضايا المتعلقة بالديمقراطية ودورها في المجتمع قائلًا " إن الجيل الذي أنتمي إليه، عاش وعشنا معه قطيعة كاملة مع التراث. لقد اتجه تفكيرنا واتجه بنياننا الذهني كله إلى الأيديولوجيات الغربية الحديثة التي تحولت كلها على أيدينا إلى كتب مقدسة سواء كانت ماركسية أو قومية أو اشتراكية أو وحدوية. عشنا قطيعة تامة مع تراث كنا ننظر إليه على أنه ليس أكثر من كتب صفراء. بعد ذلك أمام فشل مشروعنا التحديثي وخيبته، إزاء فشل "ثورتنا" التي لم تنجح إلا في إحراقنا وإحراق نفسها، ثم أمام السقوط المدوي للأيديولوجيات، حدث تبدل أساسي، خصوصاً إن ذلك كله تلا هزيمة العام 1967، ثم امتداد أفكار التطرف والعنف، باسم الإسلام".

أما في كتابه "التحليل النفسي لعصاب جماعي" يقول طرابيشي"ثمة شبه إجماع في الخطاب العربي المعاصر على توصيف لحظة احتكاك العالم العربي بالغرب بأنها بمثابة صدمة، فهي تارة الصدمة الاستعمارية أو الكولونيالية أو الإمبريالية، وتارة ثانية الصدمة الأوروبية والغربية، وتارة ثالثة الصدمة الحضارية أو صدمة الحداثة، ولكن مهما تعددت الأوصاف فإن الموصوف يبقى واحداً: فالصدمة هي اليوم واحد من المفاهيم المحورية التي تحكم وعي الوعي العربي لذاته".

عن العلمانية  

رأي طرابيشي أن العلمانية هي الحل لخروج العالم العربي الإسلامي من حالة التردي التي يعيشها، فيقول "من الأسلحة الفتاكة التي حوربت بها العَلمانية في العالم العربي، وفي العالم الإسلامي معا القول إن العلمانية اختراع مسيحي، أو استقراء لأوروبا المسيحية التي أوجدت العلمانية حلاً للصراع الكبير الذي امتد أكثر من مائة عام بين الكاثوليك والبروتستانت، وجاء عمل الاستشراق، ليؤكد أن العلمانية هي بالفعل من وجهة نظر استشراقية ابتكار مسيحي لا يمكن أن يطبق على التاريخ الإسلامي؛ لأن العلمانية موجودة بالنص التأسيسي للمسيحيين الذي هو الإنجيل، ولا وجود لها في النصين التأسيسيين للإسلام اللذين هما القرآن والسنة معاً. ولكن عَلام يستند هؤلاء المستشرقون في دعواهم هذه؟ إنهم يستشهدون بآية واحدة وجدت في الإنجيل، وهي قول المسيح لفقهاء اليهود الذين سادوه "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، واعتبروا أن هذه الجملة الوحيدة في الإنجيل ميزت بين حكم الدنيا وحكم الآخرة، وبين الدولة والدين، وبالتالي أمكن لأوروبا المسيحية أن تنجز العلمانية".

يتابع طرابيشي "ما وجدته في تاريخ الإسلام يعادل، بل يزيد بكثير عن هذه الجملة الإنجيلية المميزة بين الله وقيصر، ففي حديث الرسول؛ والمعروف بحديث تأبير النخل، حيث كان الرسول ماراً بحي من أحياء المدينة، فسمع أزيزاً فاستغربه، فقال: "ما هذا؟" فقالوا: "النخل يؤبرونه" أي يلقحونه، فقال – وهو الذي لم تكن له خبرة في الزراعة: "لو لم يفعلوا لصلح"، فأمسكوا عن التلقيح، فجاء النخل شيصاً، أي لم يثمر، فلما ارتدوا إليه يسألونه قال قولته المشهورة: "أنتم أعلم بأمور دنياكم"، وقد روى هذا الحديث - من جملة رواته – عائشة، وأنس بن مالك بصيغ أخرى".

هناك حوالي خمس عشرة رواية تؤكد على هذا المنحى التمييزي بين الدنيا والآخرة، بين شؤون الدنيا التي يعلمها الناس، وشؤون الآخرة التي هي علم إلهي عند الله، وما أتى به الرسول فهو تركيز على الجانب الأخروي، وهذا في نص الحديث".

وينقب طرابيشي عن العلمانية في التراث االقديم موضجًا أن كلمة علمانية استخدمت في الكتابات التراثية العربية قائلاً: "العلمانية جزء أساسي من تراثنا، فهي موجودة في قلب التراث، وهنا أحيل إلى "ابن المقفع المصري" في القرن الرابع الهجري الذي استعمل هذه الكلمة دون أن يشرحها في كتابه "مصباح العقل" مما يعني أنه لم يكتبها ويحدث بها، فهي معروفة لدى الناس، فالعلماني هو بالنسبة لابن المقفع المصري القبطي "من ليس راهباً" أي من ليس رجل دين، وكلمة علماني ليست من "العلم" فلا نقول عِلمانية بكسر العين، ولكن علماني بفتح العين أي من "العالم" فرجل الدين ينتسب إلى الآخرة، في حين أن العلماني ينتسب إلى هذه الدنيا، إذن الكلمة ليست جديدة في تراثنا، ولم تستورد في القرن التاسع عشر أو العشرين كما يقال، بل هي موجودة في هذا التراث العربي المسيحي، والذي هو جزء من التراث العربي الإسلامي، وهو في حاضرته، وليس منفصلاً عنه، وهذا ما أطلقت عليه "بذرة العلمانية في الإسلام" أي أنه لم توجد العلمانية، ولكن وجدت بذورها في تاريخنا، وكما طورت أوروبا العلمانية الإنجيلية، فنحن نستطيع أن نطور بذرة العلمانية في الإسلام".